أسالت قمة البرلمانات التي استضافها رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي في بغداد، السبت، بمشاركة رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب ورئيس مجلس الشورى السعودي عبدالله بن محمد آل الشيخ ورئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم ورئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة ورئيس مجلس الشعب السوري حمودة يوسف وممثل عن رئيس البرلمان الإيراني، الكثير من الحبر في الأوساط السياسية، وتنوعت الأوصاف التي أطلقت عليها، بأنها دلالة على عودة العراق إلى لعب دوره المحوري في المنطقة، أو على التنافس السياسي الداخلي. وجاء موعد القمّة متزامنا مع انشغال الأوساط السياسية العراقية بقراءة نتائج زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي على رأس وفد كبير إلى السعودية، ومشاركة الرئيس العراقي برهم صالح في القمة العربية بتونس. ووصفت مصادر سياسية عراقية عقد قمة البرلمانات في بغداد بنوع من المحاصصة في الانفتاح السياسي على الإقليم. مشيرة إلى تصرف الحلبوسي للإيحاء بأن لديه حصة في العلاقات الإقليمية أسوة بالرئيس العراقي ورئيس الوزراء. واعتبر عضو البرلمان العراقي السابق حسن العلوي، دعوة الحلبوسي إلى عقد قمة لرؤساء المجالس النيابية في المنطقة، “خطأ مهينا ومقصودا”، مشيرا إلى أن الخطوة تكشف التنافس السياسي بين مؤسسات الدولة “على إعادة تشكيل الدور العراقي في المنطقة، فيقوم مجلس النواب بمبادرة هي في الأساس من اختصاص وزارة الخارجية”. وقال العلوي وهو كاتب سياسي أيضا، “لا أعرف ما هي علاقة مجلس النواب بالعمل الدبلوماسي، إذ أن البرلمان إذا أراد شيئا يسأل وزارة الخارجية وهي التي تجيبه، لأن كل شيء يتعلق بالخارج يجب أن يمرّ عبر وزارة الخارجية”، مشيرا إلى أن “محاولة مجلس النواب أخذ دور الخارجية، هي ضرب لمبدأ التراتب في الدولة، وعلى رئيس الوزراء تصحيح هذا الخلل المعيب والمهين والمقصوأكد على أن “كل اتصال بالخارج يجب أن يكون عبر الخارجية العراقية، ولا يجوز لرئيس البرلمان ولا لأي نائب الاتصال بدولة أخرى، لأن هذا الاتصال يعتبر اتصالا مشبوها”. من جهته، تساءل السياسي العراقي عزت الشابندر، عمّا إذا كانت هذه القمة هي محاولة لتقريب وجهات النظر في المنطقة أم أنها “لتتويج الحلبوسي زعيما للسنة”. وكان الشابندر تحدث في المعنى نفسه عندما زار الحلبوسي الولايات المتحدة مؤخرا والتقى كبار المسؤولين فيها. لكن النائب في البرلمان العراقي عن تحالف المحور الوطني علي الصجري، قال إن القمة “هدفها تعزيز العلاقات وحسن الجوار وتبادل المنافع والمصالح وتأمين الحدود ودعم الأطر الاستراتيجية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية”. ويرى الصجري أن “النجاح الذي حققته قمة برلمانات دول جوار العراق يؤكد قوة العراق والقيادة الشابة القوية والرصينة التي يتمتع بها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، الذي يمتلك خططا تدل على نجاحه في إدارة شؤون مجلس النواب الداخلية والخارجية، وأعطى مثلا نموذجيا لعراق ما زال ينجب القادة ولن يضعف نسلهُ أبدا”، مشيرا إلى أن “العلاقة الأخوية والقيادة المتعقّلة للرئاسات الثلاث في العراق كانت سببا رئيسيا في نجاح كل المؤتمرات التي يتبناها العراق”. ولم يقتصر الجدل بشأن المغزى من هذه القمة، بل تجاوزه إلى طبيعة الحضور، إذ تخلفت إيران عن المشاركة بالمستوى الذي شاركت به بقية الدول المدعوة. وقالت مصادر صحافية في بغداد إن رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني اعتذر عن الحضور في اللحظات الأخيرة، مفضلا إرسال ممثل عنه، بعدما كان أبلغ الحلبوسي عبر مكالمة هاتفية في وقت سابق بأنه سيكون موجودا في بغداد للمشاركة في القمة.”.وانقسم المراقبون بشأن سبب اعتذار لاريجاني، إذ رأى بعضهم أنه يترجم تراجع الدور الإيراني في المنطقة لصالح صعود أدوار دول أخرى كالسعودية وتركيا، فيما رأى آخرون أن هذا الاعتذار يجسّد “الغطرسة الإيرانية في التعاطي مع شؤون المنطقة”. ويرى مراقبون أن تخلّف إيران عن حضور هذه القمة، يكشف ارتباك سياستها الخارجية في ظل الضغوط الأميركية الكبيرة التي تتعرض لها. ويقول الصحافي العراقي ربيع نادر، إن “أهم ما في قمة بغداد هو ترسيخها لفكرة التوازن التي يتبناها العراق لحسم جدلية علاقة العراق بالجيران، وهي فكرة تبدو الرئاسات في هذه الدورة ماضية في بلورتها وتنضيجها”، مشيرا إلى أن “القمة نجحت لأنها أدت هذه الرسالة: للعراق قدرة على تكوين العلاقة مع كل الأطراف المتشابكة في آن واحد، وعلى الجميع احترام هذه القدرة ودعمها”. ويضيف نادر أنه “في الحديث عن معادلة إيران والخليج في ميزان العلاقات العراقية، نكتشف دائما أن هناك سياسيين عراقيين يفهمون التوازن على أنه تغيير 180 درجة من الأقصى إلى الأقصى، في حين أن الأمر لا يتطلب سوى زواية 90″. وتابع، “إذا أراد سياسي ما يعتقد أنه محسوب على المعسكر الإيراني أن يكون متوازنا فذلك لا يتطلب منه تلميع أو تبرير أي تصرف سعودي، والعكس صحيح أيضا”.
مشاركة :