حديث سفير فرنسا السابق في واشنطن جيرار آرو لمجلة “ذا أتلانتيك” يوم 12 أبريل يقدم لنا دلالات مهمة، عن مدى انفصال إدارة ترامب عن الواقع، لأن لغة الحسابات السياسية والمصالح والاقتصاد عندما تصطدم بحق الشعوب في تقرير المصير لن تكون إلا ضربا من الجنون الذي يستند إلى قوة الهيمنة. يقول آرو: إن كوشنير صهر الرئيس الأمريكي كان قد أبلغه بصفته صديقا مقربا، بأن الفلسطينيين قد يفكرون في أن هذا هو الخيار الأخير بالنسبة لهم للحصول على سيادة محدودة، وأن الإدارة الأمريكية تعتمد على عنصر ضخ الأموال للفلسطينيين بمساعدة الدول العربية والحليفة لأمريكا. وأشار إلى أن كوشنر أبلغه بأن الصفقة مكتوبة في 50 صفحة، وهي دقيقة للغاية وأنها لم تطرح على فرنسا حتى هذا الوقت. ويضيف السفير آرو إن المشكلة حاليا هي بعدم تناسق القوة بين الطرفين، أي الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن هذا يوضح أن إسرائيل ستحصل على النصيب الأكبر، وأنها ستقوم بضم أجزاء من الضفة الغربية، وقد تلجأ إسرائيل لاتخاذ إجراءات أكثر إيلاما بالنسبة للفلسطينيين، وفي النهاية ستتحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري، رغم أنها حاليا أقرب إلى ذلك، و كوشنر يهمل نقطة مهمة وهي أنه إذا عرض على الفلسطينيين الخيار بين الاستسلام أو الانتحار فإنهم قد يفضلون الأخير. ومن خلال حديث السفير الفرنسي آرو ينبغي التركيز على قضية تغيب عن بال الكثيرين من السياسيين، وهي أن الإدارة الأمريكية الحالية تتعامل مع الوقائع على الأرض كما هي، أي إلى أي مدى وصلت الهيمنة الاسرائيلية في استيلائها على الأرض، فيصبح واقعا لدى إدارة ترامب، وأن أي صفقة بلغة رجل الأعمال تنطلق من هذه الرؤية، ما تسيطر عليه إسرائيل يصبح واقعا مفروضا على الفلسطينيين، وأعتقد أن هذا جوهر صفقة القرن، المال الذي سيدفع للفلسطينيين من خزائن العرب سيكون ثمنا لقبول والتسليم بما تسيطر عليه إسرائيل من أراض في مدينة القدس والضفة الغربية، وهذه رؤية غريبة مرتبطة بنظرية المنتصر والمهزوم في الحرب، ذلك لأن اسرائيل تهيمن على مدينة القدس وأجزاء كبيرة في الضفة الغربية من خلال الاستيطان الذي تضاعف سبع مرات منذ أوسلو حتى الآن. هذه الهيمنة لم يواجهها الفلسطينيون ومن خلفهم العرب بمقاومة حقيقة، ذلك لأن الضعف والانقسام الفلسطيني إلى جانب الضعف العربي شجعا العدو الاسرائيلي على المزيد من خلق وقائع جديدة تعتبرها إدارة ترامب حقائق. وفي هذه المعادلة يغيب الحق التاريخي وقرارات الشرعية الدولية لصالح الهيمنة الاستعمارية الصهيونية، مدعومة بإمكانيات هائلة وفرتها الامبريالية الأمريكية، في غياب عناصر القوة والقدرة على جعل الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية مكلفا، كما أن ممارسة كل الأشكال النضالية المتاحة لن تستطيع فرض التراجع على الاحتلال. أما واقع الانقسام والفشل في انجاز بنية سياسية قوية والاستمراء على الحالة الداخلية الفلسطينية، يشير كل ذلك الى أنه لن تكون هناك مواجهة حقيقة للمحتل الاسرائيلي، خاصة أن العالم العربي وبعد انتقال القرار من دول المركز التي ضربت وحوصرت (مصر وسوريا والعراق) لصالح دول الأطراف المعروفة بتشابك المصالح مع الإدارة الأمريكية، وهنا نتذكر ما قاله شمعون بيرز أحد مهندسي اتفاق أوسلو ورئيس وزراء دولة الاحتلال السابق في كتابه «شرق أوسط جديد»، الذي كتبه بعد أوسلو بأن الفلسطينيين واجهونا بأقوى سلاح لديهم في إشارة للانتفاضة المجيدة الأولى عام 1987. ورغم هذا الوضع الرديء تبرز ملامح تضامن عربي وإن كان بحده الأدنى، إلى الآن لم يبد أي نظام عربي قبوله أو تعاطيه مع صفقة القرن، خاصة بعد قرار الرئيس ترامب ضم القدس لإسرائيل، الموقف العربي الموحد الذي عبر عنه في القمة العربية الأخيرة في تونس، أو في اجتماعات الجامعة العربية، هذه المواقف الموحدة ضد صفقة القرن، أعتقد هي السبب المباشر لإدارة ترامب بعدم طرحها إلى الآن، وبالطبع الموقف الفلسطيني الرافض بالكامل لمبدأ التعاطي مع الصفقة. ولكن هناك بعض الأسئلة المهمة، إذ يجب أن نسأل أنفسنا ماذا سنفعل نحن الفلسطينيون في اليوم التالي لإعلان الصفقة؟.. وماذا لو انفلت التضامن العربي ووجدت إدارة ترامب من يتعامل معها؟.. وماذا لوكان وهج المال والاقتصاد أقوى من وهج السياسة و الحق السياسي والتاريخي؟.. كلها أسئلة يجب علينا ألا نغفلها. ويبقى السؤال مطروحا بقوة: متى يتوحد الفلسطينيون؟.. لأن التاريخ لا يرحم، والمال والاقتصاد والحسابات السياسية والمصالح لها قوة الواقع على حساب الحق التاريخي.
مشاركة :