قال الروائي العراقي، عائد خصباك، إن الدراسات الكثيرة والمتنوعة التي تناولت موضوع " تداخل الأجناس الأدبية" سعت إلى الوصول إلى نتيجة أنه ليس هناك جنس أدبي نقي، أردنا ذلك أم لم نرد، وقد نال هذا الموضوع حظًا وافرًا من العناية والاهتمام ليس من النقاد فقط، بل من الكتاب أنفسهم ومن القراء أيضا وقد كان ولا يزال مثار جدل بين الأطراف كافة، وأكبر مثال على ذلك أننا نجتمع اليوم هنا لتسليط الضوء على هذا الموضوع ودراسته. وأضاف "خصباك"، خلال مشاركته في فعاليات ملتقى القاهرة الدولي للرواية المنعقد بالمجلس الأعلى للثقافة، أن الأقدمون واللاحقون ونحن منهم عرفوا: أن الجنس الأدبي ليس معطى ثابتا وإنما يتغير من حقبة زمنية لأخرى نتيجة لتغير العلاقات بين الأنساق المكونة لذلك الجنس ويتغير نتيجة لعوامل أخرى: اجتماعية وغيرها، أو نتيجة للاثنين معا، لذلك فمن غير المجدي إقامة أي تصنيف صارم لأي نوع من الأجناس الأدبية، لأنها ليست ثابتة ولا مطلقة الوجود.وتابع: ما عاد ينفع في الوقت الحاضر على الأقل، رأي من يرى ضرورة فصل الأجناس الأدبية عن بعضها واعتبارها عوالم منفصلة أو كانتونات معزولة ومكتفية بذاتها لتبقى نقية الدم والجنس، فالمتغيرات على الأصعدة كافة في هذا العالم المتحول وغير الثابت جعلت من دستويفسكي الأمس غير دستويفسكي اليوم، نعم هو أحد من بناة الرواية العظام ولكن أشياء كثيرة في الكتابة تغيرت، و هذا ينطبق على همنجواي وفورستر و غيرهم، اليوم هناك العشرات ممن يقفون بجانب البيرتو مانغويل و إدوارد وغاليانو ولوكينزو، يكتبون بطريقة من خبر وقائع ما يحصل اليوم، ما عادت الرواية عندهم تحتمل مثل هذه الفواصل لذلك سمحت بخرق مقولة التجنيس لما فيه من اثراء للأجناس الأدبية، أصبح من العبث اليوم أن نعد الرواية بوجه خاص جنسا أدبيا مكتفيا بذاته و ما بين أيدينا من روايات عالمية أو عربية التي لاقت الكثير من القبول والاستحسان تشير إلى أن الرواية لكي تبقى في الساحة الأدبية وبقوة عليها أن تتفاعل من غيرها من الأجناس لتضمن بقائها، للرواية قدرة عالية على المرونة لاستيعاب وتطوير أنماطها وأساليبها وتقنياتها وأن انفتاحها على الأجناس الأدبية الأخرى، المسرح والشعر والسينما كان له دور متميز في تحسين جماليتها والارتقاء بها، والرواية قادرة على التمرد على القوانين و على ذاتها أيضا.وأكمل: لقد صرنا نرى أعمالا روائية وقصصية لا تكسر الحواجز بين الأجناس الأدبية بل تعمل على تفجير الجنس الأدبي من داخله، بتمردها على التقنيات السردية التقليدية، بتمردها على الطرق التقليدية في تصوير الشخصيات واستخدام الزمان والمكان، في تفتيت الحبكة والحكاية معا، لكن القضية الأهم هو ضرورة معرفة حدود كل جنس أدبي، نقول هذه رواية أو هذه قصيدة أو مسرحية، إن داخل كل منها عناصر أساسية وعناصر ثانوية أو فرعية، في الرواية تطغي العناصر الأساسية بفن الرواية و في الشعر تطغي العناصر الأساسية بفن الشعر وهكذا. أما اذا طغت في الرواية العناصر الفرعية على الأساسية ما عادت الرواية منتمية لجنسها، إن المغالاة في اللغة الشعرية في الرواية يجعلها أقرب إلى الشعر منها الى الرواية فاللغة الروائية ليست مجموعة من الألفاظ الشعرية، بل مجموعة من العلاقات المصاغة بألفاظ، والألفاظ بذاتها قد لا توصل بالقدر الذي توصله الروابط التي تقام بينها.وأشار إلى أن اللغة هي إحدى أدوات الروائي في تقديم رؤيته للحياة و بتعبير آخر ليست اللغة الشعرية وحدها قادرة على إيصال الفكرة إلى المتلقى فهناك الوصف والسرد والحوار، اللغة الشعرية تجعل العناصر هذه لا تعمل بالشكل الصحيح، الأمر الآخر، شاع مصطلح "نص" والنص تحديدا يعني ذلك الخليط من الأجناس جميعها و بتعبير آخر هو جنس أدبي جديد، لا علاقة له بالأجناس الأدبية الأخرى، أنها من الإنشاء الرافض لكل الضوابط والحدود، النص له قدرة إضافية على استيعاب ما لا حصر له من الأجناس الأدبية والفنون، فتح في الإبداع سبيلا رائعا، قوامه لا التداخل بين الأجناس فقط، إنما الخروج عليها وبقوة لو دنت منه القطوف، و بهذا المعنى، الكاتب الروائي هو الصياد الخبير في حقل الفرص المتاحة أو غير المتحققة.
مشاركة :