جريس سماوي يكتب: غاب طارق مصاروة

  • 4/23/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

غاب طارق مصاروة الذي حرس المصداقية والموقف في الصحافة في زمن عزّ فيه كلاهما ..كان الكلام يطير بين يديه خفيفا محملا بالصدق ليصل الى الورق.خسارة وطنية موجعة أن يغيّب الموت قامة باسقة وارفة مثل طارق مصاروة، وفقدان كبير أن يصمت القلم الذي يسيل فكرا ورؤية ومواقف وطنية وقومية كان يحملها فقيدنا الكبير ويدافع عنها ويحرسها، وهو ابن الفلاحين القدامى الذي آمن بعرقهم وبمحاريثهم الاسطورية وهي تشق تراب بلاد الشام إيذانا بولادة العنب والزيتون ومواسم العطاء. وهو الذي رصد لفلكلورهم في الإذاعة الأردنية ودافع عن وهج الأردن في برامجه ومقالاته المتقدة نارا وغضبا على كل من كان يشكك بهذا الوطن الصغير حجما الكبير الكبير قيمة وميراثا ورسالة ورؤية. هو المنتمي الى البسطاء من الناس من بدو وفلاحين وعسكر، المحبين لتراب أرضهم وأحلامها. المعلم الذي كان في كل حكاية وقصة ورواية ومقالة يعلمنا ويلقننا إحدى وصايا الوطن.كان طارق مصاروة إختزالا للحالة الإردنية بل لنقل الحالة الشآمية في نسختها الإردنية، وكان ابا روحيا لجيلين على الأقل من الكتاب المشتغلين بالإعلام والثقافة والفكر، وقد شكّل رابطا وجسرا مع الأباء الكبار المؤسسين لمهنة الصحافة والثقافة والفكر، وحافظ على عراقة الإسلوب من غير تعقيد وبساطة اللغة من غير وهن أو ضعف وأعتمد اسلوب السهل الممتنع والإقتصاد في الكلام فكانت مقالته مختصرة لكنها مشحونة بالأفكار والرسائل والمواقف، رشيقة وخفيفة حتى لكأن الجمل تطير من بين يديه على سطح الورقة طيرانا خفيفا انيقا يتلقفه القاريء بمتعة وحب وانبهار. كنا نستقي من قلمه وحكاياه ومواقفه شعلة تجعلنا مضيئين ومتوهجين، وكان الاردنيون يلتقون بنفحات ريشته في الصباحات فيأنسون الى ذلك الدفق من العواطف الوطنية والمواقف الجريئة التي لا لبس فيها ولا مجاملة على حساب الوطن بل القول الحق والقول الفصل والصدق مع الذات ومع القاريء والناس، وكان ذلك هو عهد مفكر وإعلامي وكاتب كطارق مصاروة مع الناس والوطن.لقد تشرفت بالعمل بمعيته لأشهر معدودة حين كان وزيرا للثقافة عام 2011 في وزارة الدكتور معروف البخيت الثانية، وكنت انا أمينا عاما للوزارة. كان مبهرا وصادقا وودودا ومتواضعا وصاحب موقف جريء، ومؤمنا بالاردن وناس الاردن التي هي جزء من البلاد الشامية أو الهلال الخصيب والذي بدوره جزء من العالم العربي. وكان الإنتماء للأردن بالنسبة له مبتدى الدرب الى الحضن القومي العروبي وليس العكس، شاهده وشهيده في ذلك وصفي التل الذي كان برأيه صاحب مشروع عربي كبير لم يتسن له أن ينجز.في وزارة الثقافة عملنا معا على إنجاز حزمة المشاريع التي تقوم بها الوزارة وكان من أحب الاشياء اليه أن يلتقي الجيل الجديد من الكتاب والمشتغلين بالثقافة في المحافظات حين كنا نرافقه لحضور الفعاليات البعيدة عن العاصمة والتي كان يحب أن يشارك فيها على الرغم من مرضه أحيانا. وحين كنت أدخل الى مكتبه حاملا ملفات الوزارة للتباحث والتوقيع في نهاية يوم مرهق وطويل كان يتبسم ويقول لي: أقعد اشرب قهوة، ثم يبدأ حديثه قائلا.. (مرة كان رحمة وصفي ..أو مرة قال رحمة وصفي) .. ويسرد حكاية قصيرة على غرار مقالته الرشيقة لكنها محملة بالمعاني والإيماءات ثم نبدأ العمل. لكأنه بذلك كان يريد أن يعطينا جرعة من الإيجابية فيشير الى معلمه شهيد الأردن وكأنه يقول أن الأردن جدير بالتعب بل أكثر من ذلك جدير بالشهادة.كنت أدعوه الى كتابة مذكراته والى وضع تلك الحكايات المهمة عن رحلته مع مهنة المتاعب ومسيرته مع بناة الدولة في كتاب، ولا أعلم أن كان دوّن ذلك ام لا فقد كان الرجل مخزن أسرار ومعلومات وطنية، وكان شاهدا على رفعة البناء وخدمة الارض والناس وقول الحق، لم يصغّر من كتفيه ولم ينحن أو يهن بل دافع عن الوطن كجندي لوّحته شمس مأدبا واعطته لون سنابلها من قمح حوران فكان أن عاد الى الأرض التي أحبها واحبته ليولد ثانية في طفل قادم يحب الأردن كما أحب أو على شكل سنبلة قمح او دالية . وداعا أبا علي أيها الفارس النبيل والأردني العروبي الأصيل، ولتسكن هناك في صفحة من صفحات كتاب الخلد من تاريخ الوطن.

مشاركة :