يغبطونه الناس على محافظته لأوقات الصلوات ، يجدونه في الصف الأول دائماً ، يأتي الناس شعور أنهم أمام سادس الخلفاء الراشدين ، كلما حاولوا التحدث معه يجدون في كلامه رخامةً لا يملكون رداً أو مجاراةً لها ، حال لسانهم يقول ماهذا الملاك الطاهر الذي يعيش بيننا ، ويدعون الله أن يكثر من أمثاله .شاءت الأقدار أن يكون عمدةً لحارتهم ، استبشر أهل الحي به ، شكروا الله كثيرا ، وكانت أول قراراته أن يتم تغيير فرش المسجد وترميم دورات المياه الخاصة به ، تناوب أهل الحي بطلباتهم وكلهم ثقةً بأنهم وجدوا الرجل المتدين الذي سينقل حيهم نقلةً نوعية دون فساد أو مصلحة أو محاباة.أخذت الأيام تبدي لأهل الحي الواقع المرير ، عمدة الحي يقدم مصلحته ، ويقرب الجاهلين ويحارب أهل الرأي والمشورة ، لم ينهض بحيه ولم يسعى لتطويره ، يخطط للقدوات ويضرب بكبار القوم القاع ، لم يلتفت لفقراء الحي إلا ليغطي فساده ، يكثر الحلف وبأغلظ الإيمان وهو كاذب ،إكتشفوا شخصاً حاقداً ناقماً ، جعل من عمادته للحي مكاناً ليصفي بها حساباته ، شحب الحي من سوء أعماله، وكلما حاول أهل الحي أن ينصحوه مد سجادته ليصلي !إن التدين المظهري فخ كبير سقط فيه الكثير من الناس ولعل أهل الحي كانوا شاهدين على ذلك ، وجدوه خارج المسجد ذلك الرجل المنافق ، الفاسد ، الحاقد ، البخيل على حيه ونفسه ، وجدوا أنفسهم أمام أكبر خدعة عاصروها طوال سكنهم في هذا الحي .ومن الطبيعي أن سكان الحي سيزداد وعيهم ولم يعودوا يكتفوا بالحكم على من يصلي معهم بالصف الأول ، أصبحوا يؤمنون أن التدين لابد أن ينعكس على تعاملات الشخص وماذا سيقدم لوطنه ومجتمعه ، لم يعودوا يطيقون هذا الخداع الذي لم ينقذ به محتاج ولم ينصر به مظلوم ولم يبادر بأن يصلح بين جيران أهل الحي بل كان وقوداً بينهم .سَألَ عمرُ بن الخطّاب رضي الله عنه عن رجلٍ ما إذا كان أحدُ الحاضرين يعرفه، فقام رجلٌ وقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عمر: لعلّكَ جاره، فالجارُ أعلمُ النّاس بأخلاقِ جيرانه؟ فقال الرّجلُ: لا. فقال عمر: لعلّكَ صاحبته في سَفرٍ، فالأسفار مكشفة للطباع؟ فقال الرّجلُ: لا. فقال عمر: لعلّكَ تاجرتَ معه فعاملته بالدّرهمِ والدّينارِ، فالدّرهمُ والدّينار يكشفان معادن الرّجال؟ فقال الرّجلُ: لا. فقال عمر: لعلّك رأيته في المسجدِ يهزُّ رأسَه قائماً وقاعداً؟ فقال الرّجلُ: أجل. فقال عمر: اجلسْ فإنّكَ لا تعرفه.جلس أهل الحي ياعمر ولكن بعد فوات الأوان ، كان ابن الخطّابِ يعرِفُ أنّ المرءَ من الممكن أن يخلعَ دينه على عتبةِ المسجد، ثم ينتعلَ حذاءَه ويخرجَ للدّنيا مسعوراً يأكلُ مالَ هذا وينهشُ عرض ذاك! كان يعرفُ أن اللحى من الممكنِ أن تصبحَ متاريسَ يختبىء خلفها لصوصٌ كُثر.مصيبةٌ أن تكون الصلوات حركاتٍ سُويديّة تستفيدُ منها العضلاتُ والمفاصلُ ولا يستفيدُ القلب! مظاهرُ التّديّنِ أمرٌ محمود، ونحنُ نعتزُّ بديننا شكلاً ومضموناً، ولكن العيب أن نتمسّكَ بالشّكلِ ونتركَ المضمون.
مشاركة :