شاهدنا الحدث على الشاشات، كأن قشاً يحرق والنيران والأدخنة تتكاثر! كاتدرائية نوتردام دو باري أبرز رمز فرنسي، أسست 1163م، ويقال انها بنيت على انقاض معبد جوبيتر، على نهر السين في قلب باريس التاريخي، دارت بها أحداث تاريخية مميزة، وكانت منارة علم وثقافة.. حتى جاء المنظر الأكثر تأثيرا يوم 15 ابريل 2019، بوقوع البرج الرئيسي كأن تمثالاً يقصف ويسقط على وجهه وسط النيران المتزايدة، ثم تتدافع حشود سيارات المطافئ! يمثل المبنى تحفة العمارة القوطية المرتبطة بالأقواس البارزة، وتمثيل القصص على هيئة زخارف ومنحوتات، بناها وطورها كبار الفنانين والمعماريين، على جدرانها صورت حياة القديسين وطفولة المسيح، وبها تحف مقدسة عديدة. تعرضت لأضرار مقصودة كلها، مثلا أثناء الثورة الفرنسية عندما انتهكها معادون للأديان، ثم تكسر بعض من زجاج النوافذ الملون اثر اطلاق نار أثناء الحرب العالمية الثانية. توالت على مواقع التواصل الصور التذكارية، فهذه صورة أب يلعب مع ابنه أمام برج الكاتدرائية قبل دقائق من الحريق، ونشر كل من زارها صورته وخلفه البرج أو في الساحة، فكل من زارها أدرك قيمتها. قبة الكاتدرائية ترتفع الى 33 مترا، وبها مدرج حلزوني أعلاه ترى باريس والتماثيل والأجراس الشهيرة، الجرس يزن 10 أطنان، وتقدمت دراسات أن اهتزاز الأجراس يهدد سلامة الهيكل، فتم إخراجها من الخدمة. توالت التصريحات بتعقد الوضع والتعليقات بين شامت، ومن يعتبرها أثرا كاثوليكيا، ومن يعدد دور العبادة التي دمرت دونما تسليط الضوء عليها! نوتردام أي سيدتنا والمقصود بها «السيدة مريم العذراء»، وذكرت بالتبجيل والاجلال في القرآن الكريم: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» (آل عمران: 42). في أعمال ترميم المنحوتات بالكاتدرائية عام 1991 أعلنت مراعاة أساليب الاضاءة، ودقة أدوات التنظيف لحساسية الأثر، وأزيلت بعض الأجراس، وكانت الخطة إذابتها وإعادة صب أجراس جديدة، لكن لقيمتها التاريخية تم الاحتفاظ بها وصنع أجراس جديدة من نفس المصنع، لتصدر نفس النبرة الأصلية، وتم تركيبها عام 2013. لكن هل فرنسا بعظمتها راعت الترميم بفرشة الأسنان وحساسية الاضاءة وحافظت على الأجراس التاريخية، لكن لم تستطع المنع او حتى السيطرة على الحريق؟ تصدمنا مشاهد لآثار طمست معالمها وآثار يتم تدميرها وتفجيرات لآثار ودور عبادة! دافع كوزيمودو أحدب نوتردام عن الجمال، وخلد فيكتور هوغو الأثر بكتاباته، وعبر به السنوات، نعم خلدها الأدب ودمرتها باقي العلوم. كأن الانسان المعاصر عاجز عن فهم أجمل ما يملك. صالح الغازي@salehelghazysalehelghazy@gmail.com
مشاركة :