تشير التسريبات التي نشرتها إحدى الإذاعات الفرنسية الثلاثاء إلى وجود أزمة صامتة بين تونس وباريس، بسبب تضارب مواقفهما بشأن الأزمة الليبية. وأعلن مصدر بالرئاسة التونسية في تصريحات لإذاعة فرنسا الدولية الحكومية أنّ المسلحين الفرنسيين الذين اجتازوا الحدود قبل أيام قادمين من ليبيا، هم عناصر استخبارات وليسوا دبلوماسيين. وقال المصدر إن “الفرنسيين الـ13 ممن جرى إيقافهم على الحدود (التونسية) مع ليبيا ليسوا دبلوماسيين كما تؤكد ذلك فرنسا”. وأضاف أنهم “أعضاء في مصالح (أجهزة) الاستخبارات الفرنسية، ونفس الشيء بالنسبة للمجموعة الأوروبية التي تمّ إيقافها في عرض البحر قبالة جزيرة جربة”، جنوب شرقي تونس. واعتبر المصدر أن “هذه التحركات تمسّ من سيادتنا”، مشيرا أن جزيرة جربة “أصبحت قاعدة خلفية لمصالح الاستخبارات الأجنبية”، دون تفاصيل أكثر. وأوضح أن “هذا النشاط يجعلنا مسؤولين عمّا يحدث في ليبيا، ويسبّب لنا مشاكل”، مؤكدا أن “استقرار تونس من استقرار ليبيا”، دون تقديم معطيات أخرى حول هذه الجزئية. لكن الناطقة باسم الرئاسة التونسية سعيدة قراش نفت ما أوردته الإذاعة الفرنسية. وقالت قراش في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، إن هذه الإذاعة الفرنسية “بثت الخبر دون التثبت عبر القنوات الرسمية”، مؤكدة أن موضوع الدبلوماسيين الأوروبيين تمت معالجته وتسويته في الأطر القانونية، وحسب العرف الدبلوماسي الجاري به العمل. ويثير موقف تونس من معركة تحرير طرابلس من الميليشيات الموالية للإسلاميين، شكوكا بالانحياز يبدد موقف الحياد الذي حاولت الترويج له خلال السنوات الماضية. وطالبت تونس في أكثر من مناسبة بضرورة وقف القتال واستئناف المفاوضات، وهو ما يدعو إليه الإسلاميون وحلفاؤهم الدوليون والإقليميون. وجدّد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي خلال إشرافه على اجتماع مجلس الأمن القومي الثلاثاء، موقف تونس الداعي إلى ضرورة وقف التصعيد العسكري وإنهاء الاقتتال بين أبناء البلد الواحد وحقن دماء الليبيين، وإلى استئناف المسار السياسي تحت رعاية الأمم المتحدة. ويخشى مراقبون أن تكون تونس قد انخرطت في دعم الإسلاميين، وهي المخاوف التي تعمقت مع لغز الطائرة العسكرية القطرية التي حطت في مطار جزيرة جربة الأسبوع وسط أنباء متضاربة بشأن حمولتها. وأشارت النائبة في البرلمان التونسي لمياء المليح في تدوينة على صفحتها بموقع فيسبوك إلى أن تلك الطائرة كانت مُحملة بالأسلحة والعتاد والذخيرة لدعم المليشيات والدواعش في طرابلس الليبية، وهو ما نفته الجمارك التونسية في بيانها الذي أكدت فيه أن الطائرة العسكرية المذكورة “حطت فعلا بمطار جربة-جرجيس الاثنين الماضي، لأسباب وصفتها بـ”الفنية”.وأعادت تلك الأنباء الحديث عن دور حركة النهضة في التأثير على العلاقات الخارجية، وخاصة الملف الليبي الذي يرتبط بشكل مباشر بالمحور القطري-التركي. وفي 16 أبريل الجاري، قال وزير الدفاع التونسي عبدالكريم الزبيدي، إن مجموعتيْن مسلحتيْن تضمّان 24 أوروبيا، بينهم 13 فرنسيا، قادمتين من ليبيا، اجتازتا حدود البلاد، وتم إجبار أفرادها على تسليم أسلحتهم. والخميس، قال سفير باريس لدى تونس، أوليفيي بوفوار دارفور، إن “المعدّات والتجهيزات التابعة لفريق أمني مكلّف بتأمين السفارة الفرنسية في ليبيا، سيتم ترحيلها نحو فرنسا في الأيام القادمة، وفق ما تم التعهد به لدى السلطات التونسية وبموافقتها”. ويأتي تصريح السفير عقب تأكيد سفارته، في بيان سابق، أن الفرنسيين المذكورين هم “من أفراد الحماية الأمنية لسفيرة فرنسا في ليبيا”. وفي ذات السياق، نقلت الإذاعة نفسها عن مصدر قالت إنه مقرّب من حكومة الوفاق الليبية، قولها إن “15 ضابط استعلامات فرنسي وصلوا، منتصف فبراير الماضي، غريان (80 كم جنوب العاصمة طرابلس)”. وأضاف المصدر أن مهمة هؤلاء الضباط هي “مساعدة قوات خليفة حفتر، في تحضير الحرب على طرابلس”. والجمعة الماضي، قطعت الداخلية الليبية كل تعاون مع فرنسا واتهمتها بدعم الجيش الليبي. ومعروف أن فرنسا من أكبر الداعمين الدوليين للجيش الليبي في حربه على الإرهاب. وفي منتصف العام 2016 أعلنت باريس مقتل ثلاثة عسكريين فرنسيين في بلدة قرب مدينة بنغازي، مؤكدة بذلك للمرة الأولى وجود عسكريين فرنسيين في ليبيا. وفي 4 أبريل الجاري، أطلق حفتر عملية عسكرية للسيطرة على طرابلس، في خطوة أثارت رفض واستنكار حلفاء حكومة الوفاق التي فشلت على مدى السنوات الماضية في إيجاد حلّ للميليشيات التي تغوّلت على المؤسسات الوطنية، وخاصة مصرف ليبيا المركزي ومؤسسة النفط الوطنية.
مشاركة :