تتقاسم الكثير من الأسر في الدول العربية قناعة بأهمية كتب الأطفال كعنصر أساسي لبناء الشخصية وتكوينها المعرفي والدراسي، وتكرس بعضها الوقت والجولات بين رفوف المكتبات في الفضاءات العمومية وبمناسبة معارض الكتب وغيرهما في أنشطتها الترفيهية الموجهة للصغار، كما تبحث الكثير من الأمهات عن مطبوعات ونشريات مختلفة تناسب مراحل الأطفال العمرية وتساعد على تعديل السلوك بعيدا عن الأسلوب التربوي المباشر الذي قد يكون فوقيا وغير مجد. وبات أدب الأطفال عنصرا أساسيا في التربية يغني الأبوين عن اللجوء إلى أساليب النهي والتحذير والعقاب المعتاد، وعبر القصص يمكن شد انتباه الطفل إلى أضرار السلوك الخاطئ، وغرس قيم إيجابية وتطوير يقظته العقلية، باعتباره يتعايش مع أبطالها ويقلد سلوكهم الإيجابي. وأمام زيادة الجمهور الصغير، حاولت بعض المكتبات تحويل القراءة إلى نشاط من الاستمتاع الأسري بتخصيص ركن للطفل ووالديه، حيث يمكنهم الاستماع إلى رواة لديهم قدرات أداء عالية، يحكون قصصا مختارة عربية ومترجمة من أدب الطفل العالمي بما يناسب متوسط أعمار الأطفال. وافترش أطفال الأرض في مكتبة “ديوان شمال القاهرة”، بأفواه مفتوحة وعيون شاخصة إلى سيدتين تحكيان مجموعة من الحكايات المصورة بأداء تمثيلي أكثر منه قراءة نمطية، وبجوارهما مجموعة من الدمى لحيوانات قريبة الشبه بأبطال القصة المروية.ويتفاعل الأطفال مع الأسلوب الدرامي للقصة ويحاكون آية ضرغام ومها فتحي، في تعبيرات وجهيهما في الابتسامة والغضب والفزع ليلعبا دورا في القراءة الدرامية، فعندما يقرأ الطفل يتفاعل بحواسه ويفضل الصغار منهم أن يشبعوا أيضا حاسة اللمس فيقتربون من دمى الحيوانات، ويتفحصونها للتعرف على عالم جديد لا يرونه في الواقع. وتقول مها فتحي لـ“العرب” إن “كل مرحلة عمرية تتطلب نوعا معينا من القصص والأداء والتعامل، ومع الأعمار الصغيرة أحاول كسر جبل الثلج بالجلوس وسطهم، وحكي حكايات عن نفسي في عمرهم وأستخدم الغناء وأخصص فترات للعب بين كل قصة وأخرى للتغلب على تشتيت الانتباه”. وتؤكد دراسات علمية ضرورة تعزيز حب القراءة في الأعمار المبكرة، فعندما يتعرض الأطفال للكتب بأشكال مختلفة تصبح بالنسبة لهم تجربة حياة يشعرون بها، ويتزايد التأثير عند استخدام نمط فريد من القراءة ينقل الفكرة بسهولة ويتحول إلى أسلوب عملي لأسرهم يمكنهم تكراره في البيت.وتعاني بعض الأسر من رفض الأبناء للقراءة، بدءا من سن السابعة، لكن الأمر مقترن بالتكرار، فالطفل يعشق الروتين وحال تعوده على الاستماع للأبوين لن يستطيع الاستغناء عن ذلك، بشرط توفير مضمون يناسب عمره وإثارة تساؤلات في ذهنه لا يستطيع فهمها بمفرده، فيشعر بحاجته الدائمة إلى التفسير منهما باعتبارهما أكثر معرفة. وتضيف فتحي لـ”العرب” أن القراءة للأعمار ما قبل المراهقة تتطلب تحويل الأمر إلى استمتاع أسري بالكامل، عبر اللعب أو الأداء الدرامي، ويشترك الطفل في الإلقاء، وبناء على تجربتها الخاصة نجح أسلوب الحكي مع الأطفال حتى عمر الـ11 عاما بانتقاء قصص أقرب للتنمية البشرية حول تقبل الذات وإشراكهم في الأداء استجابة لرغباتهم في التمرد والقيادة. وتعتمد حلقات القراءة للأطفال على القصص الأجنبية البسيطة باعتبارها أجود في التصميم والرسوم، ومضمونها يناسب طبيعة العصر، أو القصص الصامتة التي تضع قصة مصورة وتفتح المجال للراوي لينسج من وحيها القصة التي يريدها ويترك المجال للأطفال لابتكار قصص أخرى من وحي خيالهم. وتقول هالة محمد (28 عاما) لـ”العرب” إن أبناءها الثلاثة استمتعوا بحلقات حكي الكتب التي رسخت في أذهانهم بكل سهولة ويتذكرون تفاصيل القصة، ما دفعها إلى تكرار الأمر في المنزل والبحث عن أنواع من القصص تناسبهم وتتعلق بتقويم السلوكيات السلبية، ومن بينها الكذب. تقتصر حلقات الاستماع للكتب أحيانا على الأمهات والأبناء ثم بدأ بعض الآباء في الحضور لمشاركة ابنائهم هذه المتعة. وتتسم مطبوعات الأطفال الجديدة بجمعها بين “القراءة واللعب” في وقت واحد من خلال تصاميم مبتكرة. وألحقت دور نشر عربية بعض الطبعات بوسائط سمعية وأقراص مدمجة ودمى وألعاب بلاستيكية لأبطال القصص مع المطبوع، بجانب تطعيم الورق بخيوط من الكتان وألياف صناعية... وتسعى المكتبات إلى كسر الصورة الذهنية الراسخة عنها من محراب مقدس يعتريه الصمت إلى مكان يعطي الحرية للطفل القارئ، مهما كان عمره في القراءة كترفيه، ليخلع الأطفال أحذيتهم ويختاروا الوضعية التي تريحهم في القراءة ولتصبح المكتبة بالنسبة لهم مكانا شبيها بالمنزل في ظل تواجد الأبوين أو أحدهما.
مشاركة :