متابعة الأفلام والمسلسلات والبرامج عبر منصات تلفزة رقمية Over-the-top media services، ازداد حول العالم أكثر من الضعف لهذا العام مقارنة بالعالم الماضي، وإيرادات هذه الصناعة الجديدة الإعلامية في الشرق الأوسط وحده تقدّر بأكثر من مليار دولار بحلول العام المقبل 2020. المنافسة في قطاع التلفزة الرقمية محتدمة جدا، وفي إقليمنا «الشرق الأوسط» لعلها أكثر احتداما، إذ إن هناك كثيرا من المنصات تتنافس على قليل من المحتوى، وقليل من صانعي المحتوى. عالميا، أمثلة بسيطة توضّح جدية التنافس على سوق التلفزة الرقمية، كالتالي: 1. استحواذ «ديزني» على «فوكس 21 سنشري»، وكذلك على «ناشونال جيوجرافيك». وقرارها سحب كل منتجاتها ومنتجات الشركات التي تم الاستحواذ عليها من «نتفلكس» 2. قرار «يونفرسال» سحب كل منتجاتها من «نتفلكس» 3. قرار «وارنو بروس» سحب كل منتجاتها من «نتفلكس» 4. لم يتبق لنتفلكس سوى قليل من الشركات الشهيرة مثل (Paramount Pictures، وسوني)، ومخاطر الاستحواذ عليها وسحب محتواها ما تزال قائمة كنتيجة لذلك، وكمحاولة للقتال لإثبات الذات، نتفلكس قرر أن يصرف كل إيراداته في إنتاج محتويات أصلية، ليملأ فيها نفسه بنفسه، للحد الذي جعله لا يجني أي أرباح هذا العالم، والسبب الأوحد في حرب المحتوى هذه التي يواجهها «نتفلكس»، هو أن كل المنصات سالفة الذكر قررت أن تنشئ لها منصات تلفزة رقمية خاصة بها، Over-the-top media services،. وتداعيات ذلك على نتفلكس -عالميا- تكمن في خسارة عدد من مورّدي المحتوى المهمين، وبالتالي حاجته المتزايدة للمحتوى، وهناك إستراتيجية خاصة قرر نتفلكس اتباعها للنجاة في خضم هذا التعقيد والتنافس والبيئة الرقمية سريعة التغيير. خصصت رسالتي للماجستير للحديث عن هذه الإستراتيجية، والتي لا يمكنني الإفصاح عنها الآن، بيد أنني أتنبأ لنتفلكس بالبقاء، والهيمنة في بعض الظروف، لكن ليست الهيمنة الدائمة لكل الوقت، والحاضرة في كل سوق إعلامي. يذكر أن المحلل الإعلامي القارئ والمطّلع، لن يجد في أي مما سبق ذكره جديدا. فالتاريخ في الملكيات الإعلامية يعيد نفسه، منذ الثمانينات الميلادية حينما بدأ HBO ببيع «دي في دي» الأفلام، ليتابعها الناس في منازلهم، قررت شركات سينمائية تقليدية مثل Paramount وWarner وMCA الاتحاد سوية لتوفير خدمات مشابهة بإرسال الأفلام إلى المنازل، وقد نجحوا بالفعل في كسر احتكار سوق الـ«دي في دي» آنذاك، واستعادة مكانتهم السوقية market share. باختصار، استمتع «نتفلكس» بما يمكن تسميته «شهر عسل» في عالم التلفزة الرقمية بين الأعوام 2014 و2018، ولكن بدأت المنغصات في الظهور، مثل استعادة بعض الأقوياء في السوق مكانتهم، ودخولهم هذا المجال الرقمي الحديث، مستعينين -خلال دخولهم- بخبرتهم الواسعة والممتدة عقودا في السوق السينمائي والإعلامي عموما، فهل سيتمكن «نتفلكس» من الصمود في وجه منافسيه القدماء المتجددين؟! مجرد طرح هذا السؤال اليوم يعكس واقع التنافس المحتدم في سوق التلفزة الرقمية الحالي.
مشاركة :