مروة حسن الجبوري في ظل أزمة الوظائف في البلد، وانحصارها بالوساطة والرشا، وترك الكفاءة والخبرة، والتي أثرت على مستقبل الشباب وضياعه في مستنقع المقاهي والأماكن التي لا تخلو من رفاق السوء والمحرمات، ومع انعدام فرص العمل لتشغيل الشباب، والتنفيس عن همومهم حيث يجتمعون لرؤية الأصدقاء، وتبادل الحديث، وتصفح صفحات الانترنت للتسلية، وإن اختلفت أعمارهم فمنهم من تركوا الدراسة لأسباب مادية وعائلية وهم في سن السابعة عشر، والرابعة عشر ليلتحقوا مع رفاقهم في المقهى ويقضون فيها ساعات في شرب (النركيلة) والشاي، إذ يستنزف نقودهم على قلّتها ليستمتعوا معا، ولا يقتصر تواجدهم في المساء فقط، بل هناك مقاهي في الصباح أيضا تحتضن هؤلاء الشباب العاطلين عن العمل. تحدث أحد الشباب الذين يرتادون المقهى (لشبكة النبأ المعلوماتية) عن سبب جلوسه هنا فقال: أشعر بالسعادة عندما اجلس مع زملائي، ونتحدث بالأمور الرياضية، ونتصفح الفيس بوك، ننسى همومنا ومشاكلنا خلال وقت وجودنا هنا، علما إني معلم تاريخ ولكن لم أحظ بفرصة عمل إلى الآن في المدارس الحكومية، وهذا ما جعلني اعمل في محل لبيع الملابس، وبقيت شهادتي معلقة على جدار الغرفة. في المقاعد الخلفية للمقهى يجلس شاب لم يتجاوز العشرين من عمره، الدخان يتدفق من فمه وصوته يملأ المكان، ما جذبنا للحديث معه، فبعد هذه الضحكات دموع يخفيها في جوفه، تحاور معنا بكل رحابة صدر وقال: انا هيثم عمري 17 سنة، سمعت حديثكم مع الشاب وأضيف بأني أختلف معه فلست خريجا ولا متعلما، أنا لم اكمل الاعدادية حتى، تركت المدرسة منذ عام ونصف بسبب عائلتي لأننا نسكن في أحد الأحياء السكنية العشوائية (التجاوز) وأبي معاق حرب لا يعمل ولم يسجل له أي راتب شهري أو مستحقات، مما دفعني إلى ترك المدرسة والبحث عن عمل يعين عائلتي ويوفر العلاج لأبي، عملت بأكثر من عمل والآن اعمل في الحدادة وبعد انتهائي من العمل الشاق أأتي هنا، وألهو مع زملائي الذين تعرفت عليهم هنا لعبة الدومينو، ونشرب السجائر والشاي، من دون عائلتي، وأشار إلى أن الأسعار بشكل عام مناسبة جدا. الشاب (رياض عليوي خريج قسم المحاسبة) قال بأنه: يجلس مع مجموعة من الشباب لساعات طويلة في المقهى، شاردا من كلام الأهل وطلباتهم التي لا تنتهي، وانه عجز من البحث عن وظيفة، وفكر كثيرا في الهجرة، لكنه فشل ايضا في تحقيق حلمه، عاطل عن العمل هكذا يصفه الاصدقاء، لا يعرف كيف يقضي وقته، بين المقهى والمقهى تراه يبحث عمن يشاركه نفس (النركيلة) وشرب الشاي، ليكون المقهى هو بيته الثاني. في حديث عن أسباب ارتياد الشاب إلى هذه الأماكن كانت معنا الباحثة الاجتماعية (رنا عباس) فقالت: هنالك أسباب كثيرة وراء ارتياد الشباب الى هذه الاماكن، وإن كانت أهمها: - الوظيفة فقد عرف ان من يجلس في المقهى فارغ لا عمل له، احصائية البطالة في العراق كانت "ووفقا لإحصائية صدرت عن الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية مؤخرا، فان نسبة البطالة بين صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة بلغت 30 في المائة، فيما بلغ معدل البطالة بين جميع مكونات المجتمع 15 في المائة. - إهمال الاهل هو السبب الآخر في جلوس الشاب في المقهى من دون خوف أو خجل من والديه لمعرفته بعدم المراقبة فقد يكون راحة لبال الأهل من جلوسه بالبيت وتنفيذ طلباته. - عدم محاسبة اصحاب المقاهي في الاعمار التي يسمح لها بالدخول فقد كانت المقاهي في السابق هي للشيوخ ولكبار السن، والآن عكس ذلك تراه في الثانية يجلس مع الكبير. - بسبب أوقات الفراغ القاتلة لا يعرف الشاب كيف يقضي يومه. - الهروب من المدرسة والجلوس في وقت الدوام في المقهى من دون أن يعرف احد. - أصدقاء السوء والحث على الحضور في هذه الأماكن ولعب الألعاب المحرمة. - الهروب من الفشل في الحصول على الوظيفة وكلام الأهل فتكون المقهى الحصن الحصين له. وبعد معرفة الأسباب لابد لنا من تحميل الأهل مسؤولية دخول الابناء هذه الأماكن المختلطة بالصالح والطالح، وبحكم دورها الرئيسي في تربية الابناء ومن الممكن التصدي لهذه الحالة بالوازع الديني والأخلاقي، وتعريف الأبناء بمخاطر التدخين وشرب (النركيلة)، بالإضافة الى انها لا تكون نظيفة بسبب استخدمها من قبل الجميع فتتسبب في نقل المرض من شخص الى اخر. لذلك على الحكومة المحلية متابعة هذه الأماكن ومنع دخول من هم تحت السن القانوني خوفا عليهم من السقوط في هاوية الانحراف والانحطاط الأخلاقي، ومن المخدرات والقصص التي نسمعها من رواد هذه المقاهي، وينبغي تأمين فرص عمل لأصحاب الشهادات وتوظيفهم من ضمن القطاع الحكومي، كما ينبغي توعية الشباب حول الأضرار التي يمكن أن تلحقها بهم هذه الأماكن والألعاب. وعلى الجهات المختصة أن تقوم بتشييد وبناء أماكن ترفيه عصرية لملء أوقات الشباب مثل (المسابح.. النادي الرياضي.. نادي المعرفة والهوايات.. نادي القراءة..) إذ يشكل هؤلاء الشباب نخبة طيبة تنفع المجتمع. كذلك يستحسن استثمار الأموال التي يصرفها المراهق على المقاهي بشيء مفيد ونافع كفتح المحلات، وبيع الأجهزة التي يحتاجها الشباب وان كانت بقيمة بخسة، لكنه أفضل من صرفها بشيء يضر صحته. وعلى اصحاب المقاهي أن يجعلوا الله نصب أعينهم في الشباب والنظر بعين الأب لهم، وعدم بيعهم هذه الاشياء، حتى يكون رزقهم حلالا.
مشاركة :