عبده خال: خرجت من جلطة دماغية متجسداً لأفكار رواية أنفس.

  • 4/26/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عن رواية «أنفس» يقول الروائي عبده خال إنه جلب إلينا الفجيعة، هذه كانت البداية، وبالدخول إلى عوالم عبده خال ستجد عوالمَ تكتظ بالغرائبي والمتوحش والسحري، وكأنك أمام مزيج مدهش من كل أعماله، وثيماته وأساطيره وطقوسه المذهلة في اجتراح الحقيقة من جدران الصمت وصخور الحقيقة القاسية. وليس هناك مقدمة أفضل من الخوض في تفاصيل الحوار نفسه. r أحب أن أبدأ حواري بالتوقف ممعنين معك في رواية أنفس، التي صدرت لك أخيراً، فماذا جلبت لنا معك؟ - جلبت لكم الفجيعة! رواية أنفس هي التحليق خارج ما هو كائن إلى فضاء ما هو محتمل، فمخرجات العقل حكاية لا نعرف كيف تحدث إلا أنها تجسد ما هو ممكن، وأتذكر أنني كتبت في رواية ترمي بشرر أن ما هو شاذ من أفكار سيأتي زمن يكون هو السائد. r هل هذا يعني أن رواية أنفس خرجت من رحم ترمي بشرر؟ - لم أقصد ذلك.. فرواية أنفس مغايرة تماماً لرواية ترمي بشرر، هي رواية معجونة بالجنون ولن يقبل بها إلا المجانين. r هل تقبل أن يتصف قراؤك بالمجانين؟ - نحن لم نعط الجنون مرتبته الحقيقية، فهو المحرك والطاقة القادرة على تحويل غير الممكن إلى ممكن. r بلمحة سريعة منك عن رواية أنفس؟ - لو شئت فعل ذلك لأخبرتك أفكارها ولما كتبتها كرواية. r قلت ذات مرة إن هناك روايتين إحداهما كادت تودي بك إلى الموت وأخرى أعادتك من الموت، فما تلك الروايتان؟ - كل رواية أكتبها تدفع بي إلى الموت، ورواية أنفس كنت أكتبها منذ خمس سنوات مضت، ولأني أسعى مع شخصياتي لتجسيد واقعها كما تعيشه الشخصية، فقد أعياني بطل رواية أنفس لذلك وجدت نفسي أخوض مغامرة الموت من خلال جلطة دماغية خرجت منها متجسداً لأفكار رواية أنفس. بعد إصابتي بالجلطة كنت مرعوباً بأنني لن أستطيع كتابة أي شيء آخر، وعشت أياماً حرجة مع الكتابة، إذ وجدت نفسي غير قادر على كتابة كلمة واحدة، ولأن الخوف أمسك بتلابيبي بدأت بكتابة الحروف وجمعها من أجل كتابة مفردة واحدة، كنت أخطئ، ومع الإصرار على تجاوز حالة الضعف تلك، كنت أطلب ممن هم حولي مساعدتي بالتحفيز على الكتابة، والتحفيز الذي كنت أطلبه هو أن يتجاوز من يقرأ كلماتي عن الأخطاء في تقديم حرفٍ على حرف أو تشابك الجملة. كانت زاويتي (أشواك) التي أكتبها يومياً قد توقفت بسبب حالتي الصحية، وكنوع من التحدي طلبت من صديق العمر هاشم الجحدلي أن أعاود الكتابة مع التجاوز عن تداخل الحروف والكلمات. كانت أياماً صعبة قبلت بالتحدي، في أول مقالة كتبتها عن إصابتي بالجلطة استدعت كتابة ثلاث مقالات متتابعة في وصف كيف للإنسان أن يذهب إلى الموت ويعود، كيف لك أن تصف سقوط ذاكرتك كزجاج مهشم... أذكر أنني كتبت تلك المقالات بمساعدة زوجتي حنان الجهني وابني وشل كمراجعين للمقالة، كانت الأخطاء صارخة فيعيدان الحروف المتقدمة والمتأخرة ويقوم هاشم بما هو لازم باستواء المقالة. وكان هاجسي بأني لن أستطيع كتابة رواية بعد الآن، كان هذا الإحساس يمثل رعباً حقيقياً لي، وكان علي أن أتجاوز عجزي الواضح، فبدأت بكتابة رواية (صدفة ليل) بقيت ستة أشهر لا أبرح مكاني فقط أكتب تلك الرواية مع إصرار أن أنهيها في أسرع وقت ممكن لاستعادة ثقتي بنفسي، فعلت ذلك مع أنني تعودت أن أكتب الرواية خلال ثلاث سنوات (صدفة ليل) أعادتني للحياة الكتابية. r هل هذا يعني بأنك وجدت عمق الدلالة لسؤال من أين يأتي الريح؟ - (من أين يأتي الريح ) هذا عنوان لإحدى قصصي، فعلى المستوى العلمي فإن أي دارس لعلم المناخ سيجيب عنه وسيعتبر الإجابة سهلة جداً حتى يمكن اتهام السائل بقلة المعرفة إلا أن السؤال على المستوى الفلسفي يغوص بين لجج الإجابة يقيناً ونقضاً، فكل يقين جاء من شك، وكل شك بحاجة إلى يقين. r وأين رواية ترمي بشرر من هذه الثنائية؟ - ترمي بشرر كانت تيمتها (السقوط) في مستوياتها المختلفة فحملت نقيضها على أن يتحول إلى يقين بينما السقوط يكون يقينه فناء ولذلك ظلت الرواية تتأرجح كي لا تصل إلى تثبيت الفناء. r ألا تخشى أن تتسبب الألفاظ اللغوية ذات المستوى العالي والتي تصعب على القارئ العادي بضياع الفكرة المطروحة في النص؟ وهل هذا ملحوظ بالنسبة لك؟ - لا تستطيع ككاتب أن ترتهن لمزاجية القارئ، أو ضعفه أو قوته أو رضاه أو سخطه، أنت تكتب رسالة ومن تصل إليه إما فهمها أو عدم ذلك، ومن يفهم سوى يقدر صنيعك بأنك جلبت إليه عالماً يضاف إلى الحيوات التي عاشها أما من لا يفهم سيكون الحل لديه سهلًا بقذف الرواية جانباً ولن أخسر أنا أو هو. r يعد طرحك الروائي شفافاً إلى درجة قد تمس بالخطوط الحمراء بالنسبة للمجتمع المحلي تحديداً كونه المجتمع المتناول في أعمالك، هل يعرضك هذا النوع من الطرح للهجوم؟ - من يكتب لا يخشى شيئاً، فالخشية تعني أنك ستكون مدجناً والكتابة لا تتسامح مع المدجنين.. وإذا كان المثل الشهير (لا ترمى إلا الشجرة المثمرة) فأنا أرحب بكل حجارة المعمورة. r تتناول رواياتك جزءاً وفيراً من الأحداث السياسية المحلية باختلاف زمن حدوثها، ما سبب الوفرة في هذا الجانب؟ - السياسة هي الوعاء الحقيقي الذي تعجن فيه الحياة ولا يمكن لأي فعل أن ينجو من أثر الفعل السياسي، وقد أصل إلى القول إن شراء صحن فول له علاقة بالسياسة، لذلك لا يمكن لأي رواية أن تكون خالية من الأقانيم الثلاثة: (الدين والسياسة والجنس) أو ما تم التعارف عليها بمصطلح التابو. ولأن السياسة تدخل بفعلها على كل شيء أجد فيها خلفية لكل حدث وكتابة أثر قراراتها على الناس. r غالباً ما تقوم أحداث رواياتك في المجتمع السعودي وتحديداً على أرضية جدة وجازان، لماذا؟ وهل ستصدر لك روايات بإطار مجتمعات أخرى؟ - الفضاء المكاني لأي عمل روائي هو فضاء الشخصية المكتوبة ولذلك تتعدد الفضاءات بتعدد الشخصية، وفي رواياتي وجدت فضاءات عدة سواء في مدن المملكة أو خارجها.. ومن يقرأ تلك الروايات سيجد تعدد تلك الأمكنة كي ينفي سؤالك بأن أعمالي تدور في فلك مدينتين وحسب. r تتناول رواياتك الواقع بصورة قريبة وربما تصل إلى أسماء الحارات والأحياء والمناطق والقبائل، مما يجعل العمل ذا طابع حقيقي هذا يجعلني أسألك عن مكانة الخيال بالنسبة لك؟ - أرى أن السؤال حمل النقيضين ومع ذلك فإن الواقعي والمتخيل هما المادة الخام لكتابة رواية جيدة إلا أن الخيال أكثر خصوبة وأعمق أثراً، وهذا الخيال اتخذت منه تيمة أساسية في رواية أنفس، إذ إن الكون قائم في أذهاننا على المتخيل، والخيال هو الابن الشرعي لكل المخترعات والاكتشافات في حياتنا وقد أنهك وهو ينقل المجرد إلى المجسد. r الجانب العاطفي بأعمالك مملوء بالشقاء بشكل ملحوظ وبخاتمة غالباً حارقة ومشبعة بمعارك المجتمع المكررة في أكثر من عمل، هل بهذا التكرار تأكيد للواقع العام أم للواقع الشخصي أم إنه يعود لنظرة الكاتب للحياة العاطفية! - مع أن كل افتراض من افتراضاتك يمكن أن تكون صائبة إلا أن القضية ليست لدي، بل لدى القارئ الذي يمكن له تحميل كل فرض على هيئة الرواية وظروفها. كما أن التأكيد على حالة بعينها والمعاودة في التكرار تقرأ قراءة ثقافية بما يحيط بالمجتمع من استنساخ حياته أو جمودها أو التأكيد على الرتابة والسكون. r يكثر طرحك لقضايا دينية عبر حسابك في التويتر وكأنك تدعو إلى أمر معين، ماذا هناك؟ - جرى الناس على السماع للخطباء والدعويين من غير مراجعة لما يقال، وظللنا لسنوات طوال إمعات يقال لنا فنتبع من غير تمحيص لما يقال، حتى تحولت العادات إلى دين وتحول الخطباء والدعاة إلى قديسين.. ولهذا ومع انفتاح المجتمع على أدوات التواصل والاطلاع على تعدد الرؤى في القضية الواحدة كان لازماً الإشارة إلى أن هناك طرقاً أخرى أجمل من طريق الكراهية.. فكما كانوا ينادون لثقافة الموت كان على الكتاب المناداة بثقافة الحياة. r قمت بدعوة للمطالبة بالسنوات الممزقة التي أحدثتها الصحوة، ما الغرض من البلاغ؟ وممن تريد أن تقتص تحديداً؟ - أنا شاهد عصر، وأعرف الشخصيات التي استلبت المجتمع وحملتنا كوارث عديدة، ويمكن في تلك المطالبة كشف الوجوه التي جعلت من الدين مصدر تكسب.. وعندما طالبت باسترجاع السنوات التي مزقتنا فيها الصحوة وأصحابها كنت راغباً في كشف التحايل الذي سلكه أولئك الصحويون في تدمير الأمة الإسلامية ونشروا ذلك التدمير في جميع بقاع العالم متخذين من الكره شعاراً لمواجهة كل ما هو جميل.

مشاركة :