احتشد عشرات الآلاف من المحتجين الجزائريين، للجمعة العاشرة على التوالي، مطالبين برحيل النخبة الحاكمة في العاصمة الجزائر، في ختام أسبوع شهد استقالات جديدة وملاحقات قضائية على خلفية شبهات فساد بحقّ رموز نظام عبدالعزيز بوتفليقة. وتواصلت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى التظاهر حتى رحيل «النظام» بأكمله، وكان من اللافت استهداف احتجاج الجمعة العاشرة، سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري السابق. وكان سعيد بوتفليقة محط غضب المتظاهرين بشكل خاص، واتهموه بأنه «زعيم العصابة». وعنونت صحيفة «الوطن» على صفحتها الأولى لعدد نهاية الأسبوع «لا نصف ثورة»، مع دعوتها أيضاً إلى مواصلة الاحتجاج حتى رحيل «النظام» كاملاً. أما صحيفة الخبر، فعنونت «جمعة التأكيد على خيار الشعب» في المطالبة برحيل كل «النظام»، وهي الشعارات نفسها التي رفعها المتظاهرون الأوائل في ساحة البريد المركزي، القلب النابض للاحتجاجات منذ بدايتها في 22 فبراير. وتوافد متظاهرون مع بداية صباح الجمعة لتفادي إغلاق الطرق المؤدية للعاصمة، كما فعل سمير (27 عاماً) الذي يعمل تاجراً، وقدم من برج بوعريريج على بعد 200 كلم. وقال لوكالة «فرنس برس»: «الجمعة الماضية لم أتمكن من الوصول إلى العاصمة بسبب ازدحام مروري كبير، وغلق الطريق من طرف الدرك الوطني». وواجه السائقون صعوبات كبيرة للوصول إلى العاصمة من مداخلها الثلاثة، شرقاً على مستوى منطقة رغاية آخر نقطة مراقبة، وهو أهم مدخل، سواء لسكان الضواحي أو القادمين من تيزي وزو وبجاية والبويرة على وجه الخصوص، وغرباً على مستوى مدخل بوشاوي للقادمين من تيبازة خاصة، وجنوباً في نقطة تفتيش الدرك الوطني بابا علي للقادمين من البليدة والمدية، بحسب شهود تحدثت إليهم وكالة «فرنس برس» وصور تم نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. وذكر حميد (44 سنة)، أنه جاء من البليدة (50 كلم): «قضيت أكثر من ساعتين في نقطة المراقبة في بابا علي». ويأتي هذا اليوم الاحتجاجي في ختام أسبوع شهد استقالات جديدة وملاحقات قضائية بحقّ رموز للنظام وتوقيف رجال أعمال أثرياء، ما قد يشجع المحتجين على الاستمرار في التظاهر. لكن السلطة لا تستجيب حتى الآن للمطالب الأساسية، وهي رحيل الرموز الأبرز لنظام عبدالعزيز بوتفليقة، الذي استقال في الثاني من أبريل 2019 بعد 20 عاماً من الحكم، وتنظيم انتقال للسلطة خارج الإطار المؤسساتي الذي نص عليه دستوره. ويبقى حتى الآن عبدالقادر بن صالح، الذي رافق بوتفليقة على مدى عقدين من الحكم، رئيساً مؤقتاً، فيما يظلّ نور الدين بدوي، وهو أيضاً من المقربين من بوتفليقة، رئيساً للوزراء لحكومة «لا تمثل الجزائريين»، كما ردّد المحتجون. ووفقاً للمسار الدستوري، الذي يتمسك به الجيش الذي أصبح محور السلطة بعد رحيل بوتفليقة، قرر بن صالح تنظيم انتخابات في الرابع من يوليو، وهو ما يرفضه الحراك الشعبي الذي «لا يثق بنزاهة هذه الانتخابات». وغير بعيد عن ساحة البريد المركزي، قام محتجون بنصب صندوق اقتراع، يشبه الصناديق المستخدمة في «الانتخابات الرسمية» مع ورقات بيضاء كبطاقات، حيث يمكن لأي شخص أن يدون ما يريد ويضعه في الصندوق. ولم تدم العملية طويلاً حتى تدخلت الشرطة لتوقيفها. وأودع خلال الأسبوع المنقضي الحبس المؤقت ثلاثة من الأخوة كونيناف، العائلة التي تملك مجموعة للأشغال العامة والبناء، حيث استفادت من مشروعات حكومية كبيرة في الجزائر، وهو إجراء لا يمكن إلا أن يرضي المحتجين. ويشتبه في تورط الأخوة كونيناف المقربين من عائلة بوتفليقة، خصوصاً من سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل ومستشاره، بـ«عدم احترام التزامات عقود موقعة مع الدولة، واستعمال النفوذ مع موظفين حكوميين من أجل الحصول على امتيازات». كما قرر القضاء أيضاً الحبس المؤقت للمدير التنفيذي لشركة «سيفيتال»، أكبر مجموعة خاصة في الجزائر، وهو يسعد ربراب صاحب أكبر ثروة في البلاد، الذي كان على خلاف منذ سنوات مع السلطات الجزائرية، ما جعل الشكوك تحوم حول الأهداف الحقيقية من هذه الملاحقات القضائية. واعتبرت بعض الصحف أن دعوات الرجل القوي في الدولة، رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، إلى «تسريع وتيرة التحقيقات» في قضايا الفساد «تدخلاً في عمل القضاء». واضطرت وزارة الدفاع إلى نشر توضيح حول «القراءات المغلوطة» لبعض الصحف حول «الأوامر المزعومة بخصوص فتح الملفات المرتبطة بالفساد وتسيير المرحلة الانتقالية». ويرى بعض المحللين أن هذه التحقيقات تمثل نوعاً من التفاهم الضمني بين المحتجين الذين يحصلون على محاكمة «رؤوس الفساد» وتنحية رموز السلطة السابقة، مقابل تخفيف المطالب المتعلقة برفض الانتخابات الرئاسية التي يصر الفريق قايد صالح على إجرائها في موعدها الدستوري. وقد يكون ذلك محاولة لتقسيم المحتجين الذين يرى جزء منهم في يسعد ربراب، المستثمر الذي تحدى عراقيل السلطة و«المافيا الاقتصادية» التي حصلت على كل الامتيازات بينما حُرم هو منها. ولحقت موجة الإقالات مدير إقامة الدولة، حيث يقيم الوزراء وقادة الجيش وبعض «رموز النظام» السابقين والحاليين، وهي عبارة عن فيلات مطلة على البحر لا يسمح لغير المقيمين دخولها. كما أقيل أيضاً المدير التنفيذي لشركة النفط العامة «سوناطراك»، التي طالتها قضايا الفساد خلال الـ10 سنوات الماضية. وقررت النيابة أيضاً إعادة فتح ملف وزير النفط الأسبق، شكيب خليل، المقرب من بوتفليقة بعد أن استفاد من إسقاط التهم عنه. ومن الملفات القديمة أيضاً، بدأ البرلمان رفع الحصانة عن عضوي مجلس الأمة جمال ولد عباس والسعيد بركات وزيرا التضامن والفلاحة سابقاً. وعلى الرغم من نداءات قايد صالح بعدم اعتراض عمل المسؤولين، منع محتجون في ولاية سعيد (شمال غرب) وزير السياحة عبدالقادر بن مسعود من زيارة المدينة. قوى من المعارضة الجزائرية ترحب بدعوة الجيش رحبت «قوى التغيير لنصرة خيار الشعب» بدعوة مؤسسة الجيش الجزائري للحوار حول السبل الكفيلة بالخروج من الأزمة التي تعرفها البلاد. وأكد بيان للتحالف، الذي يضم أحزاباً من المعارضة وشخصيات وطنية، أول من أمس، على «موقف فعاليات قوى التغيير لنصرة خيار الشعب الداعي إلى تفتحها على كل مبادرة يمكنها الإسهام في تلبية مطالب الشعب، والالتزام بمبدأ الحوار في إيجاد الحلول التي تستجيب لذلك، وعليه فإننا نبارك الدعوة للحوار المعبر عنها في بيان مؤسسة الجيش ليوم الأربعاء 24 أبريل 2019». كما دعا البيان إلى «تشكيل لجنة لتنظيم لقاء وطني لقوى التغيير، يكون مفتوحاً على كل فعاليات المجتمع، باستثناء الذين كانوا سبباً في الأزمة الحالية أو طرفاً فيها، من أجل البحث عن حل يستجيب للمطالب الشعبية السلمية». وعن قضايا الفساد التي فتحتها العدالة، أخيراً، أكد المجتمعون على «ضرورة استقلالية القضاء في معالجة جميع الملفات باحترام قواعد العدالة والنزاهة والمساواة، والمطالبة باستمراره في فتح جميع ملفات الفساد، والتذكير باتخاذ إجراءات احترازية استعجالية». الجزائر - وكالاتطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :