وثيقة «الأخوّة الإنسانية» في مواجهة الإرهاب

  • 4/27/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا تزال أصداء الحادث الإرهابي البشع الذي ضرب سيريلانكا الأحد الماضي قائمة سيما، وأن أعداد الضحايا وقت كتابة هذه السطور قد بلغت قرابة 300، فيما الجرحى فاقوا 500، وهي أرقام مرشحة للتزايد مع ظهور هذه الكلمات للنور. لقد صدق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حين أشار إلى أن ما جرى هو موجة إرهابية جديدة تطال الإنسانية والعالم، وذلك في إدانته للتفجيرات الغادرة التي حصدت أرواح الأبرياء في مجزرة الفصح البشعة. موجات الإرهاب التي تحدث عنها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ربما تكون وراءها «داعش» أو جماعات أصولية سيريلانكية أخرى، ضمن المجموعات العرقية المختلفة المتناحرة في الداخل السيريلانكي، حيث 22 مليون نسمة هم عدد سكان تلك الجزيرة المنكوبة، 70% منهم بوذيون، و12% هندوس، و10% مسلمون، و6% كاثوليك، وبروتستنانت 1%. لا يستبعد أحد أن تكون أصابع «داعش» وراء الحادث، والجميع يعلم تمام العلم أنه بعد الاندحار الكبير الذي تعرضوا له في العراق وسوريا، فإن جل تركيزهم الآن ينصب على منطقة شرق آسيا، وأنهم يستغلون الأوضاع السياسية والأمنية المتردية هناك، عطفاً على الصراعات العرقية والأهلية، تلك التي توفر لهم حواضن بشرية لاستجلاب مزيد من الإرهابيين إلى دوائرهم الشريرة. إلا أن هذا الاحتمال لا ينفي أيضاً إمكانية أن يكون ما جرى ضمن حسابات الكراهية التي تنشا في قلوب المتصارعين والمتقاتلين في داخل تلك الجزيرة ذلك انه منذ عام 2017، شهدت سيريلانكا عشرات الهجمات التي نفذها بوذيون على مسلمين، تضمنت إحراق شركات خاصة بهم، وهجمات بقنابل بنزين على المساجد، وفي عام 2014 أسفرت أحداث شغب أججتها جماعات بوذية متشددة عن مقتل عدد من المسلمين.. هل حان الآن وقت الانتقام من المسيحيين في الداخل السيريلانكي؟ عند العارفين بشؤون ذلك البلد المصاب بوباء الإرهاب العرقي والطائفي فإن المحور الديني اليوم أصبح ومن أسف ركيزة رئيسة في الصراع الدائر هناك، فاعتناق الأغلبية من عرق «السنهالية» بشكل شبه كامل للديانة البوذية، جعل إحساسهم مختلفاً عن مشاعر الأقلية «التاميلية» التي تنتمي إليها الطوائف الثلاث الأخرى أي الهندوس والمسلمين والمسيحيين، الأمر الذي ضخم الفارق الديني وعمّق الأزمة العرقية في البلاد. السؤال المزعج هل أضحت الأديان عامل شقاق وفراق على هذا النحو المثير والقاتل الذي نراه؟ وهل للتوقيت الذي جرت فيه الكارثة السيريلانكية دلالة بعينها؟ أغلب الظن أن الجواب عن السؤال المتقدم يحتاج إلى مراجعات عميقة، غير أنه وفي كل الأحوال يمكننا القول ومن أسف أشد، أن البعض من اتباع الأديان سواء الإبراهيمية أو المذاهب الوضعية بات القاضي والجلاد، وهذه كارثية الذين يؤمنون بامتلاك الحقيقة المطلقة، إنهم لا يقبلون الآخر بالمرة، ولا يكتفون بالإزاحة الأدبية أو الفكرية، من القلوب والعقول، بل إنهم يسعون إلى الخلاص منه دفعة واحدة، وبعيداً عن سياق الحوار والجوار، بعزله وإقصائه أول الأمر، ثم بالخلاص المادي منها كما في نهاية المطاف، كما رأينا في كنائس سيريلانكا وفنادقها. جزء من الإشكالية في فهمنا وتعاطينا مع الإرهاب السنوات الماضية، هو أننا ركزنا على الجماعات الإسلاموية، وإفرازات الإسلام السياسي فقط، وإن كنا تالياً بدأنا نلحظ تصاعداً واضحاً ضمن الجماعات اليمينية الأوروبية، ولم نلحظ الكثير من الإرهاب الآسيوي ضمن سياقات البوذية والهندوسية وغيرها، ولا نقول إن هذه الديانات تحث أتباعها على العنف وسفك الدماء، بالقطع لا، فالكثير من القراءات لتلك التوجهات الوضعية تحث مريديها على السلام الداخلي والعالمي، وعلى رفض العنف والإرهاب، وعدم قتل النفس البشرية. ويمكننا القطع بأن الإجرام الذي شهدته سيريلانكا قبل أيام وراح ضحيته مئات الأبرياء من القتلى والجرحى، الذين كانوا يحتفلون بعيد الفصح في كنائسهم وفنادقهم، هو الوجه الآخر لما جرى في مذبحة نيوزيلندا ضد المسلمين في مساجدهم. بالقدر نفسه، يمكننا القطع بأن الذين فجّروا الكنائس والفنادق في سريلانكا، والسفاح الذي قتل المصلين في نيوزيلندا، جميعهم شربوا من نهر الكراهية والتطرف والتعصب، ذلك المثلث الذي بات يهدد الحياة والمستقبل على هذا الكوكب، والذي تتمدد فيه بشكل مخيف مشاعر التطرف والكراهية والتعصب، بينما تنحسر بصورة مخزية مساحات وقيم التسامح والتعايش والاعتدال شرقا وغرباً. هل حان الوقت لأن يعمل العالم برمته على قراءة عميقة متأنية نافذة لوثيقة الأخوة الإنسانية التي صدرتها أبوظبي إلى العالم في فبراير الماضي، والتي وقع عليها البابا فرنسيس وشيخ الأزهر؟ إنها وثيقة تعيد تذكير العالم بالمهمة التاريخية للأديان، أي إفشاء السلام وتأمين الإنسان، وتعزيز ثقافة الحوار والجوار عن القتل وسفك الدماء.

مشاركة :