قلعة مارد الأثرية... حصن الجوف المنيع

  • 4/27/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

دفعت القيمة التاريخية والطراز العمراني الفريد لقلعة مارد في محافظة دومة الجندل بمنطقة الجوف عدداً كبيراً من السائحين والمؤرخين إلى زيارة الموقع في أزمان متقطعة، للتعرف على هذا الموقع التاريخي، الذي يُعد أبرز المواقع التاريخية بمنطقة الجوف التي تزخر بالعديد من المواقع التاريخية مرت بمختلف الحضارات البشرية. وأوضح المدير العام لفرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمنطقة الجوف ياسر العلي، أن قلعة مارد تعد معلماً أثريّاً بارزاً بالمنطقة، ويقصدها الزوار بأعداد كبيرة، وقد أقيمت بالمنطقة التاريخية المحيطة بها العديد من الفعاليات التراثية والسياحية، كما أقامت هيئة السياحة مشروعاً لترميم القلعة وتأهيلها، لتتحول بعد ذلك إلى مقصد للسُّيَّاح، إضافة إلى أعمال الصيانة الدورية للقلعة. وبيّن العلي أن هيئة السياحة أقامت أخيراً سوقاً تراثيّاً ومطعماً ومقهى تراثيّاً بمحيط القلعة ساهم برفع الزيارات للموقع للتنزه بنكهة التاريخ وحياة من عاش فيها بالماضي في نزهة يحبها أبناء الوطن. وتقع قلعة مارد في الطرف الجنوبي للبلدة القديمة بمحافظة دومة الجندل على تل مرتفع، وتشرف على المدينة، ويرتفع مستوى أرضيات القلعة عن مستوى مباني البلدة القديمة بنحو 25 متراً تقريباً، وتمثل حصناً منيعاً أمام الأعداء، ويعود تاريخ بناء القلعة إلى قرون عدة تسبق العصر الإسلامي، وأقدم ذكر لها في القرن الثالث الميلادي، عندما غزت «زنوبيا» ملكة تَدْمُرَ دومةَ الجندل وتيماء، ولم تستطع اقتحام القلعة فقالت مقولتها الشهيرة: «تمرّد مارد وعزّ الأبلق»، كذلك تحدث ياقوت الحموي عن القلعة، وأفاد بأن حصن دومة الجندل يسمى مارداً، وأن المدينة سميت دومة الجندل لأن حصنها شيد بحجر الجندل. وكشفت الحفريات التي جرت على الجزء الأسفل من القلعة في العام 1976 عن بعض الخزفيات النبطية والرومانية التي ترجع إلى القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، وفي كتابه «في شمال غرب الجزيرة العربية»، قال العلامة حمد الجاسر عن قلعة مارد: «لقد تجولت بكل ما يحيط بالحصن من بنايات، فشاهدت أن هذا الحصن يقع على جبل أو تل صخري، بمعنى أصح يطل على الجوف من الجهة الغربية ممتداً نحو الشرق، حيث تقع شرقه وشماله أرض منخفضة تنتشر فيها بساتين البلد وبعض قصوره القديمة التي تقع بجوار الحصن، ويسيطر الحصن على الأمكنة الواقعة حول الجوف، بحيث يشاهده كل من يقدم إليه من أي جهة من مسافات بعيدة، والحصن مرتفع ارتفاعاً شاهقاً وهو مبني من الصخر القوي». ويذكر عبد الله التميم في كتابه «صور تاريخية عن حضارة الجوف»، أن عصر بناء قلعة مارد هو عصر حياة أمة تتصف بقوة جبارة، وقد يكون لثمود قوم صالح عليه السلام يدٌ في بناء بعض منه، والحصن مكون من أبنية وقلاع وحصون، وشيدت أبراج المراقبة على امتداد الحصن من قطع حجرية صُلْبة تستطيع الاحتفاظ بلونها الأحمر الفاتح لأزمنة طويلة من دون أن ينالها أي تغيير، والمنطقة كانت محصنة بسور من الحجر لصد هجمات الغزاة، والدخول إليها يكون من طريق مدخليها الرئيسين، أحدهما قرب الحصن في الجنوب، والآخر من جانب البرج في الشمال، ولهما بابان قويان أقفالهما حديد وشدت حولهما سلاسل حديد، وتعلو أسوار قلعة مارد بيوت المنطقة التاريخية بدومة الجندل، لتشكل منظراً جماليّاً يحلو للكثيرين تصويره بخاصة وقت الغروب، كما أن من يصعد أعلى القلعة فإنه يشاهد المدينة من جميع الجهات. وقلعة مارد أقيمت على هضبة صخرية ارتفاعها 620 متراً فوق سطح البحر، حيث كان اختيار مصمم البناء للهضبة الصخرية المقام عليها الحصن اختياراً موفقاً من الناحية الاستراتيجية، ذلك أن المطل من أعلى الحصن يستطيع أن يشرف على المنطقة المحيطة به ويرى كل من يقدم إلى البلدة من مسافات شاسعة، أما من حيث تخطيطه فهو غير منتظم، فطوله من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي 43 متراً، وعرضه من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي 28 متراً، ويحيط به ممر مكشوف من جميع الجهات عدا الجهة الشمالية الغربية، وطول هذا الممر يبلغ 48 متراً، وعرضه يراوح بين 1,10 و5,50 متر، وهذا الممر يربط بين الجدران الخارجية والداخلية للحصن، وتوجد في نهاية الممر بالجهة الشرقية منه بئر بعمق 34 متراً تقريباً قطرها نحو70 سم وهو مبني بالحجارة، ويصعد إلى الجهة الشرقية بواسطة درج متهدم لم يتبق منه سوى أربع درجات. كما توجد بالحصن أربعة أبراج مخروطية الشكل في جهاته الأربعة، وبفناء الحصن مجموعة من الغرف الطينية تقع في الجهة الشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية التي استخدم في بنائها اللّبِن وهي من المباني المضافة، وفي الجهة الشمالية الغربية يوجد مبنى من الحجر مكون من دورين، والحصن مبني من الحجر «الجندل»، أما المباني الطينية في الأجزاء العلوية منه سواءً على الجدران الداخلية أم الخارجية أم الأبراج فهي من المباني المضافة إلى القلعة، وشيدت الواجهة الشمالية الغربية من الحجر ويبلغ ارتفاعها 21 متراً، وتعد هذه الواجهة من الأجزاء الأصلية في القلعة، كما تعد أعلى جدران الحصن ارتفاعاً، وتوجد في الجزء الغربي منها أربع فتحات مستطيلة الشكل على مستويين سفلي وعلوي، ويبلغ سمك جدار الواجهة الغربية بين 70 و109 سـم، ومادة ربط الأحجار هي الطفلة والجير، وتوجد فتحة أسفل هذا الجزء على ما يبدو أنها لتصريف المياه. كما توجد ثماني فتحات أخرى في الجهة الغربية غير منتظمة الشكل، وقريبة إلى الاستطالة، وهي على مستويين، السفلي وبه خمس فتحات، والعلوي به ثلاث فتحات، وبهذه الجهة نجد باباً مسدوداً بالحجر، له عتب علوي من الخشب والحجر، وعلى جانب هذا الباب ست قطعٍ حجريةٍ نقشت عليها كتابة بالحفر الغائر بحروف عربية. أما الواجهة الغربية من القلعة الواقعة داخل الملحقات الموجودة غرب الحصن، فتوجد بها بقايا درج يوصل إلى المدخل العلوي الموجود بالجهة الجنوبية الغربية والذي يفتح مباشرة على فناء الحصن، وبالنسبة للجهة الجنوبية فقد تساقطت أجزاء منها وقد بنيت أساسات هذه الواجهة من الحجر ويبلغ ارتفاعها بين 7,5 و9 أمتار، وسمك الواجهة 57 ســم تقريباً، وتعلوها مبانٍ طينيةٌ. وقد بنيت أساسات الواجهة الشرقية من الحجر ويراوح ارتفاعها بين 7,70 و8,3 متر، وتوجد في أعلاها مبانٍ طينية كما توجد بها فتحة عرضها 17 سم وارتفاعها 28 سم، وفي منتصف هذه الواجهة تقريباً قطعتان من الخشب تبرزان عن الجدار، ويبدو أنهما تستخدمان لإلقاء المواد الحارقة أو لإطلاق النار، ويبلغ سمك جدار الجزء المبنى من الحجر من 45 إلى 90 سم. وبنيت أساسات أبراج القلعة من الحجر/ في حين بنيت الأجزاء العلوية منها بالطوب، فالبرج الشمالي مخروطي الشكل قاعدته من الداخل على شكل غير منتظم، ويبلغ مقاس قاعدته بين 2,75 و3,40 متر تقريباً، ويبلغ ارتفاعه الكلي 11,25 متر، وأساساته من الحجر ارتفاعها 6,65 متر، وتعلوها مبانٍ ارتفاعها 4,60 متر تقريباً، والبرج كانت له ثلاثة مستويات يفصل بينها سقف من جذوع الشجر، ووضعت في الجدار بعض الأحجار البارزة لتستخدم سلالم للتنقل بين الأدوار في داخل البرج. أما البرج الجنوبي فيعد أفضل الأبراج تماسكاً، وهو مخروطي الشكل، قاعدته من الداخل ليست مستديرة تماماً، ويبلغ مقاس قاعدته بين 2,20 و3 أمتار، ويبلغ ارتفاعه الكلي 8,45 متر، وأساساته من الحجر ارتفاعها 4,15 متر، وينقسم البرج الى ثلاثة أدوار بواسطة سقفين من جذوع الشجر وسعف النخيل، فيما لم يتبقَّ من البرج الشرقي إلا جزء من الأساسات الحجرية، فقد تهدم معظمه، ويبدو أنه كان مخروطي الشكل مقارنة بالأبراج الموجودة، ويبلغ مقاس قاعدته مترين تقريباً، ويبلغ ارتفاعه الحالي 4,25 متر، ويدخل إليه بواسطة باب عتبه العلوي من الحجر، وعرضه 60 سم، وارتفاعه 74 سم، وهو آيل للسقوط. وبني البرج الغربي على قاعدة مخروطية الشكل قاعدته من الداخل ليست مستديرة تماماً، ويبلغ مقاس قاعدته بين 2,85 و3,40 متراً، وأساساته من الحجر ارتفاعها 5,20 متر، وارتفاعه الكلي 6,20 متر، وعلى ما يبدو أنه كان مكوناً من ثلاثة أدوار. وتشتهر منطقة الجوف بموقعها التاريخي، حيث تحتضن الكثير من المواقع الأثرية التي ورد ذكرها في كثير من الكتابات التي تهتم بهذا الشأن، وتعكف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني على تأهيلها وفتحها أمام الزوار.

مشاركة :