من الثورة العربية الكبرى إلى الربيع العربي

  • 4/27/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كثيرة هي الأحداث التي مرت خلال القرن العشرين والتي كنا نؤمن بها على أنها من الحقائق التي يتم تدريسها لنا من قبل الأنظمة الحاكمة على المجتمعات، أو ما يمكن تسميتها النظم القوموية والدينوية ما بعد الاستقلال عن الخلافة العثمانية أولًا وعن الاستعمار الأجنبي (فرنسا وبريطانيا) ثانيًا. قرنٌ مرَّ وشهدنا خلاله حربين عالميتين حصدت عشرات الملايين من الضحايا من البشر في منطقتنا، وما زلنا نقدم الضحايا من أجل "لا نعرف ماذا؟".كانت الحرب الكونية الأولى والتي نسميها نحن "الثورة العربية الكبرى"، والتي بدأت في 1916 وهدفها التحرر من الخلافة العثمانية التي دامت أربعة قرون ونيف على صدر الشعوب التي ذاقت خلالها كل أنواع الظلم والقهر والجهل. ثارت جميع الشعوب والقوميات والأديان ضد هذا الظلم العثمانوي القميء، الذي لم يسلم منه أحد، وسُميّ زورًا "الثورة العربية الكبرى"، وكأن الذي ثار هم فقط العرب، ناسين أن جميع الشعوب والقوميات والأديان ثارت بنفس الوقت والحماسة ضد ظلم السلاطين العثمانيين وقدموا الضحايا للتخلص من كل من له علاقة بالعثمانوية من قريب أو بعيد. المحرض البريطاني كان له الدور الأكبر في هذه الثورة والذي كانت له أطماع أخرى غير التي ثارت من أجلها الشعوب، إذ إن البريطانيون كانت عينهم على الخليج والمنطقة المشرق أوسطية والأفريقية لنهب الخيرات واستعباد شعوبها، فكان لها ما تريد تحت مظلة الملوك الذين تم تعيينهم خلفًا للسلاطين، فعلمت على تقسيم المنطقة والتركة العثمانية إلى دول تم رسمها بجداول هندسية رياضية منفعية على حساب الشعوب، والذي أفرز الاستقلال الثاني من هذا الاستعمار الأجنبي الفرنسي – البريطاني. وتم اختراع واكتشاف الدستور والبرلمان وصفة الرئيس.قرنٌ مضى وما زلنا نحتفل بعيد الاستقلال عن هذا المستعمر الأجنبي الذي قسم منطقتنا إلى دول متناحرة ومتصارعة وكل منها يتربص بالأخرى، قرنٌ ونحن نلعن من قسمنا ونقيم الحفلات والأعياد لعيد الاستقلال وتشكيل الوطن والدولة والزعيم الخالد.وبعد دخولنا ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين اكتشفنا فجأة أن كل الرؤساء هم أداة بيد نفس الاستعمار الأجنبي فرنسا وبريطانيا ولكن هذه المرة زادت أمريكا عليهم مع غض النظر عن التبعية لروسيا والآن للصين. اكتشفنا بعد سنوات من التصفيق للرؤوساء والتهليل لهم وعلى أنه لولاهم لما كنَّا. لكننا اكتشفنا أنهم ألعوبة لنهب خيرات البلد وتكديس الأموال في البنوك الأجنبية وعملاء للاستعمار. ورحنا نثور من جديد ونحرض الشعوب على الثورة على هؤلاء الحكام الذين أصبحوا بين ليلة وضحاها (دكتاتوريين) وعملاء لقوى الرأسمال، واخترعنا الإصدار الثاني من الثورات وسميناها "ثورات الربيع العربي"، وذهبنا نستجدي المعونات بكل أنواعها "السياسية، العسكرية، المالية، الإنسانية.. إلخ"، لكي نتخلص من الحكام الدكتاتوريين والأنظمة العميلة للغرب.نتوسل للغرب كي يخلصنا من عملاء الغرب، نستجدي الاستعمار الخارجي الفرنسي والبريطاني والأمريكي، وكذلك الروسي ليحررنا من العدو الداخلي، الذي هو بالأصل أداة وصنيعة نفس الجهة التي نستجديها.كل أعياد وحفلات الاستقلال التي كنا نرقص لها فرحًا لم تكن سوى رقصة لاستمرار الجهل والاغتراب عن الذات، لأنه لم يكن استقلالًا ولا هم يحزنون، استقلال عن ماذا؟؟؟ اكتشفنا بعد قرن من الزمان أننا ما زلنا نلهث وراء الجهل والغباء، ولم نكن يومًا نعيش الاستقلال الذي بات المظلة التي تقينا حقيقتنا الزائفة.ونحن نعيش ثورات الربيع العربي نكتشف يومًا بعد يوم أننا لم نكن نعيش الاستقلال لا عن الخلافة العثمانية، التي ما زلنا نتغنى بها إلى الآن على أنَّ أردوغان هو الخليفة والمخلص، ولم نكن مستقلين عن الاستعمار الفرنسي البريطاني – الأمريكي وحتى الروسي، الذين ما زلنا نستجدي الحرية منهم كي يخلصونا من الاستعمار الداخلي.بين ثورتين؛ الثورة العربية الكبرى 1916 وثورات الربيع العربي 2011 والتي ما زالت مستمرة، هو نفس الجهل والاغتراب عن الذات وعن الحقيقة المجتمعية. ما زلنا نعول على تركيا أردوغان والاستعمار الاجنبي الغربي ونجلد ذاتنا كي نصل لشواطئ الأمان للدول التي قسمت وجزأت أراضينا ومنطقتنا.الجهل في الثورة الأولى كانت نتيجته تقسيم المنطقة على حساب الكرد والفلسطينيين، وبعد قرنٍ من الزمان ونحن في الألفية الثالثة، ما زال معظمنا على نفس الجهل سائرون. إلا أنَّ ما يمنحنا ولو بصيص من الأمل هو ما يتبناه الشعوب في الشمال السوري من فلسفة جديدة على أساس العيش المشترك وأخوة الشعوب، التي استطاعت أن تقضي على داعش وتُفشل مخططات أردوغان، هذه الفلسفة التي تبنت شعار أنَّ المرحلة التي نعيشها هي ثورات الشعوب وليس ثورة شعب بعينه، لأن الشعوب هي التي تنتفض ضد النظم الحاكمة وأدواتها، كي لا يتم سرقتها ثانية كما حدث خلال الثورتين.إنه ربيع الشعوب وثورات الشعوب على جهلها اولًا وعلى كل العادات والتقاليد البالية التي ورثناها من النظم المتسلطة على رقاب الشعوب، إنه ربيع الاستقلال الحقيقي والعودة إلى الذات الحياة المجتمعية.

مشاركة :