محمد حنفي – د. أسماء كوار كاتبة وناقدة وإعلامية فرنسية من أصل جزائري، تعمل مديرة لمجموعة «حبر الشرق» ومسؤولة عن تطوير المشاريع الأدبية مع العالم العربي في دار النشر الفرنسية «بونييه& كو» التي تهتم بالترجمة من العربية إلى الفرنسية، وقد اثار كتابها «التفكير في الإسلام»، وهو عبارة عن حوار طويل مع المفكر الفرنسي ميشال أونفري الجدل، كوار كانت في زيارة للكويت أخيرا وأجرت القبس معها هذا الحوار. بحكم عملك في الترجمة والمشروعات التي تسهمين فيها ما أهم الكتب التي تمت ترجمتها؟ – تشهد الساحة الأدبية الفرنسية حركة مهمة في احتضانها الأدب العربي، منذ أن نشرت دار «غاليمار» عام 1947 الجزء الثاني من رواية «الأيام» لطه حسين، ثم ترجمة ثلاثية نجيب محفوظ عام 1988، توجه الاهتمام نحو النصوص العربية، وعرفت دور النشر الفرنسية بعض التزحزح في مركزيتها نحو المشرق، من خلال نهضة في الترجمة «النوعية» ليس بالزخم نفسه الذي كانت تعرفه سابقا، لكن على الأقل تقوم كل دار نشر بترجمة ما يعادل عشرة عناوين مترجمة من العربية سنويا. دار النشر «بونييه& كو» تأسست عام 2010، وهي الأولى في فرنسا من حيث تخصصها بالأدب الشرقي والعربي، ولذلك أنشأ صاحب الدار مجموعة سماها «حبر الشرق» التي تُعنى بالنصوص العربية، وكذلك النصوص الفرنسية التي تخص تيماتها الشرق والعالم العربي بشكل عام، وقد ترجمت الدار عدة كتب منها «القدر المصري» لمصطفى الحفناوي عن تأميم قناة السويس، وكتاب «صقر الخليج» للدكتورة سعاد الصباح. وكتاب ليبيا من الثوار إلى المليشيات. قارئ متوجسكيف تنظرين إلى وضع حركة الترجمة من العربية إلى الفرنسية ووضع الكتاب العربي فيها؟ – تواجه النصوص العربية المترجمة إلى الفرنسية صعوبة في حجز مكان لها في المكتبات الفرنسية والمشهد الثقافي بشكل عام، إذا يبدو لي أن المشهد الإعلامي الفرنسي تشبع بما روج عن العالم العربي في السنوات الأخيرة من تطرف، نسب، بقصد أو بغير قصد، للإسلام والمسلمين، بالرغم من ان رفوف المكتبات تعج بكتب عن الاسلام. هذا التوجه خلق لدى القارئ الفرنسي توجسا رهيبا من كل ما يتعلق بالعالم العربي، من الصعب الحديث عن ذائقة القارئ الفرنسي وتحديد ميوله، لأنه في وقت غير بعيد كان القارئ الفرنسي يبحث عن عناوين لروايات عربية ويقتنيها بشكل مستمر، اليوم معايير «محور الشر» الذي وضعنا فيه عنوة، حيث أصبح القارئ الفرنسي يتجنب العناوين المترجمة من العربية والقادمة من العالم العربي. ورغم التراجع الذي شهدته الأعمال المترجمة من العربية، فانني أعتقد أننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى لترجمة الأعمال الأدبية من العربية إلى الفرنسية، فالنص الجيد المترجم سيصحح الصورة النمطية، ويسمح للقارئ الأجنبي بالتغلغل من خلال النص السردي الجيد في حياة المجتمعات العربية اليومية. حوار الأزمةأصدرت كتابا جدليا عبارة عن حوار طويل مع المفكر الفرنسي ميشال أونفري المعروف بآرائه الحادة ضد الإسلام بعنوان «التفكير في الإسلام»، كيف جاءت الفكرة وما أبرز ما جاء فيه ومتى يصدر الكتاب بالعربية؟ – عقب الاعتداء على صحيفة شارلي إيبدو في يناير 2015، اتخذ الإعلام الفرنسي جبهة معادية للإسلام والمسلمين، فتحولت منابره لمحاكمة للعرب والمسلمين، في تلك الأثناء، ظهر ميشال أونفري على البلاتوهات الفرنسية محللا يحاول أن يخالف الأطروحات المستشرية بقوة في المشهد الاجتماعي والسياسي الفرنسي، بهجومه على النظام الفرنسي الذي يتدخل في شؤون الدول ويقصفها بأسلحته الفتاكة، وهنا أعطى أونفري الانطباع بأنه الوسطي الذي يفكك القضايا الأساسية تفكيكا منطقيا ووفق الراهن. محاولا أن يعطي صورة الفيلسوف الذي يمسك بجوانب فهم قوية للقرآن والكتب السماوية. اقترحت عليه حوارا جدليا في بعض القضايا الإسلامية وفي بعض النصوص القرآنية، طالما ردد مرارا أنه درس القرآن والسنة النبوية. قبل فكرتي، وتمكنت من انتزاع ثقته من الجلسة الأولى، وتطورت فكرة الحوار الجدلي ليصبح بعد مرور عام كامل نصا قابلا للنشر في كتاب عنوانه «التفكير في الإسلام» صدر عن دار نشر فرنسية وهي دار غراسيه 2016. الكتاب كان من المفروض أن ينزل إلى المكتبات في 2015، ولأسباب تعلقت بمحتوى الكتاب واحتقان المشهد الفرنسي بعد تفجيرات باريس الكبرى نوفمبر 2015، والهجوم القوي على أونفري وعلى محاورته (أسماء كوار) اضطر الناشر لتأجيل صدور الكتاب، ونشر في تلك السنة في ايطاليا وهولندا بلغة البلدين، وأجل نزوله في المكتبات الفرنسية إلى غاية 2016. وطبعا كان هذا الحدث نقمة ونعمة علي، واجهت سخط الساخطين على الدين من الفرنسيين، وواجهت سخط المتطرفين ممن يلبسون عباءة الدين الإسلامي ويكفرون المرأة (الناقصة عقلا ودينا) والتي تخوض في مسائل العقيدة والتشريع وتجادل شخصا لا يدين بأي دين سماوي. مأزق التعليم والثقافةهل ثمة أزمة تعانيها الثقافة العربية في السنوات الأخيرة؟ – أعتقد أن النكسة الثقافية التي يعانيها العالم العربي ترتبط بالأساس بمشكلة صناعة الوعي، الذي يكون في غالب الأمر إما موجها أو مقيدا تحت طائل مادي أو معنوي، مقصودا أو عن جهل. لأن صناعة الوعي لأي مجتمع كان لا تتم إلا بالاهتمام بالتعليم وتطوير مناهجه. فالتعليم جانب مهم من جوانب النهضة، وعدم الاهتمام بالمعرفة، أدى إلى تداخلات وصعوبات في بناء أنظمة ثقافية متحررة منهجيا. بالإضافة إلى أن التعليم في العالم العربي يعاني نقائص، سواء في ضحالة البنى التعليمية أو في الوظائف، لكونها لا ترقى لمستوى صناعة وعي يستطيع أن ينتج ثقافة متزنة، تفكك مواطن الخلل المجتمعي الذي نعيش فيه. إعادة القراءةكتبت كثيرا عن التراث العربي وضرورة إعادة النظر في قراءته وكتابته من جديد. فما الذي توصلت إليه في هذا الموضوع؟ – مهما كانت قراءتنا للتراث، فإنه يبقى في حد ذاته معتملا في نفوس الأشخاص لا شعوريا ولا إراديا، متمثلا بالفعل موضوعيا وماديا، على شكل نص، أو فكر، وكذلك في عرف أو ممارسة تقاليد، وكذلك في صرح، أو حتى متمثلا في نظام حكم وفي أشكال تعبيرية لغوية أو لهجات، وهو محكوم بتاريخ معين وزمن معين ينتسب إلى الماضي، ولهذا فهو تراث؛ أي أنه أثر، لذلك أعتقد أن إعادة القراءة، يجب أن تنطلق من إعلاء الواقع الثقافي وإعطاء الأولوية للمعاملات، والتجارب الأيديولوجية، وطرح البدائل وتشكيل الأنموذج المتغير ضمن سياق قراءة الأثر (الثابت) ورسم المتغير.فضيلة الصباح حضرت حفل التكريم في باريس ممثلة عن الدكتورة سعاد الصباح تكريم سعاد الصباح كُرّمتْ د. سعاد الصباح في معرض باريس في دورته الـ39 وقد جاء اختيارها باقتراح منك. فلماذا سعاد الصباح؟ وهل هناك توجه لترجمة بعض الأعمال الكويتية؟ – فعلا المقترح جاء مني بعد انضمامي إلى إدارة معرض الكتاب، مستشارة ثقافية للمعرض مختصة بالعالم العربي، وبما أن الاهتمام كان كبيرا بمشاركة متميزة لدول العالم العربي في معرض الكتاب، اقترحت أن يتم تكريم شخصية ثقافية في المعرض، وخلق هذا التقليد السنوي في كل طبعة، واقترحت اسم الدكتورة سعاد الصباح، لاني أعلم أنها استثمرت كثيرا في الثقافة، وكانت جسرا مهما بين الشرق والغرب من خلال حركة الترجمات الأدبية التي كانت راعية لها بالإضافة للجوائز الأدبية التي أنشأتها من أجل ترقية الأدب والاهتمام بجيل الشباب، بالإضافة لكون الكويت مركز إشعاع ثقافي مميز. تم اختيار الدكتورة سعاد الصباح، وكانت بالفعل أيقونة للثقافة العربية بإنجازاتها وحضورها الثقافي المميز الرمزي في معرض باريس الدولي، وقد لقي التكريم صدى واستحسانا عند الفرنسيين والحضور العربي المميز، وبالفعل هناك توجه كبير نحو ترجمة الأعمال الكويتية النوعية إلى الفرنسية.
مشاركة :