الرواية لم تعد جنسا أدبيا مكتفيا بذاته

  • 4/28/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

عقدت الجلسة الثانية في ملتقى القاهرة الدولي للإبداع الروائي في قاعة المؤتمرات بالمجلس الأعلى للثقافة، برئاسة الناقد السوري نبيل سليمان، وتحدثت فيها الباحثة زهور محمد شتوح عن تداخل السرد والشعر والسينما والموسيقى في رواية "صقيع" لمحمد سناجلة، وقالت إن الرواية الرقمية كسرت جميع الحواجز التي سارت عليها الرواية التقليدية الورقية، ويمكن اعتبار المكونات الرقمية عاملا وظيفيا وفنيا وجماليا يسهم في الارتقاء باللحظة المتخيلة لنص حكائي في وضعية النصوص السردية. واختارت الباحثة شتوح رواية "صقيع" التي تختلف عن أعمال سناجلة السابقة في كون مؤلفها وظّف فيه جميع عناصر التكنولوجيا الرقمية التي تخدم هذا العمل الأدبي، وتلاحظ الباحثة تداخلا بين الأجناس المختلفة داخلها، إذ نجد السرد والشعر والسينما والموسيقى والأغنيات، وكذا الحركة المستمرة لتأخذ القارئ حتى نهاية العمل وسط جو من الدهشة والانبهار، مما أدى إلى المساءلة حول طبيعة العمل وجنسه، أهو رواية أم قصة أم شعر أم سينما؟وعن الرواية بين تداخل الأنواع والتفاعلية (أحمد الجنايني وهروب عاريات موديلياني أنموذجا) تحدثت الناقدة الدكتورة زينب العسال قائلة إن المعلوماتية صارت أحد المرتكزات التي تحتكم إليها حياتنا، وحين نتحدث عن العلاقة التفاعلية بين المعلوماتية والرواية كنص سردي، والمعلوماتية فإننا نتعرف إلى ما يسمى بالرواية التفاعلية لما لها من سمات جمالية، وبنائية تعتمد على الحضور والغياب، وعلى الوجود والانزياح في فضاء لا يعطي نفسه بسهولة كما هو الحال بالنسبة إلى النص السردي الخطي. وتشير العسال إلى أن كل حركة من "الماوس" أو ضغطة زر على "الكيبورد" أو إدخال عناصر أخرى تعتمد على وسائل الاتصال والإنترنت، تضيف إلى استخدام برامج من قبل الفوتوشوب وغيره. وترى أن بنية النص التفاعلي هي بنية شجرية تفرعية، ومن ثم تؤثر على الحبكة، فلا حبكة تقليدية خطية هنا، تشطر عبر التداخلات والانزياحات. في الرواية التفاعلية يتم التبادل بين موقع الكاتب المبدع والمتلقي، بين الإبداع والتأويل .. الخ، فالمتلقي عليه أن يقف على مسافة قريبة جدا من المؤلف في خلق هذا النص التفاعلي، بل هو مشارك بقوة فيه. وتؤكد الناقدة زينب العسال أن الكتابة هنا موجزة لصالح هذا الانزياح والتدخلات لصالح تشظي الخطاب وتقطيعه، بل تعمد إلى كسر حدوده. فالمسارات المتعددة تمنح النص تفاعله عبر المكانية المحتملة والناشئة، وعبر تعدد الروايات المكونة لها، باستدعاء المؤثرات السمعية والبصرية، واللغة هنا تؤدي دورا في تحقق مشهدية الحدث، لا حكائيته فقط. وعن رواية أحمد الجنايني "هروب عاريات موديلياني" قالت إنها تمثل نموذجا لرواية تفاعل الأنواع، حيث نجد النص السردي يعتمد على اللوحة في الفن التشكيلي والتدرج اللوني والخطوط والرسائل وأدب الرحلات والسيرة الذاتية والوثائقية والشعر واستخدام المونتاج والمكساج، فضلا عن تقديم الجنايني نصه في طبعة على سي دي، أي أننا أمام عمل أجاد استخدام الرواية التفاعلية. وعن تداخل الأصناف الأدبية تحدث الروائي سعيد سالم وقال: إن التنوع يضيف كثيرا إلى قدرات الكاتب الفنية، وقد قمت بتحويل عديد من رواياتي إلى مسلسلات درامية إذاعية، والعكس أيضا، فقد قمت بتحويل بعض مسلسلاتي الدرامية إلى نصوص روائية، بالإضافة إلى ذلك فقد قمت بتحويل قصة قصيرة لي بعنوان "قانون منع الخلوة" بعد نشرها إلى فيلم كوميدي سينمائي بعنوان "ممنوع اللمس" اشترته مني المخرجة إيناس الدغيدي لكن ظروفا خاصة حالت دون إنتاجه. ويخلص سعيد سالم من شهادته الروائية إلى أن الخبرات المكتسبة من تنوع ممارسة الكتابة في فروع الأدب المختلفة ينتح عنها: تعلم حرفية الحوار المكثف شكلا ومضمونا بما يتناسب مع شخصية المحاور، والاستفادة من الحوار في تطوير سير الأحداث في العمل بالانتقال من زمن إلى آخر، وكسر ملالة السرد المتواصل بتنويع أشكال الكتابة داخل النص الواحد، مما يضاعف من متعة القارئ في التعامل مع النص والتفاعل معه. وأشار إلى روايته "آلهة من طين" التي صدرت عام 1985 التي تحتوي على العناصر الأدبية المختلفة من السرد والحوار الإذاعي والمونولوج الداخلي والسيناريو السينمائي والخطابات. وعن الرواية وتداخل الأجناس أشار الروائي العراقي عائد خصباك إلى أن دراسات كثيرة ومتنوعة تناولت موضوع "تداخل الأجناس الأدبية" وسعت إلى الوصول إلى نتيجة أنه ليس هناك جنسا أدبيا نقيا، أردنا ذلك أم لم نرد. وقال: عرف الأقدمون واللاحقون أن الجنس الأدبي ليس معطى ثابتا، وإنما يتغير من حقبة زمنية لأخرى نتيجة لتغير العلاقات بين الأنساق المكونة لذلك الجنس، ويتغير نتيجة لعوامل أخرى اجتماعية وغيرها، أو نتيجة للاثنين معا، لذلك فمن غير المجدي إقامة أي تصنيف صارم لأي نوع من الأجناس الأدبية، لأنها ليست ثابتة ولا مطلقة الوجود. ويرى خصباك أنه ما عاد ينفع في الوقت الحاضر على الأقل رأي من يرى ضرورة فصل الأجناس الأدبية عن بعضها البعض، واعتبارها عوالم منفصلة أو كانتونات معزولة ومكتفية بذاتها لتبقى نقية الدم والجنس، فالمتغيرات على الأصعدة كافة في هذا العالم المتحول وغير الثابت جعلت من ديستويفسكي الأمس غير ديستويفسكي اليوم، نعم هو واحد من بناة الرواية العظام، ولكن أشياء كثيرة في الكتابة تغيرت، وهذا ينطبق على همنجواي وفورستر وغيرهم. وأضاف أن الرواية لم تعد اليوم بوجه خاص جنسا أدبيا مكتفيا بذاته، وما بين أيدينا من روايات عالمية أو عربية التي لاقت الكثير من القبول والاستحسان تشير إلى أن الرواية لكي تبقى في الساحة الأدبية بقوة عليها أن تتفاعل مع غيرها من الأجناس الأدبية لتضمن بقاءها، وأن انفتاحها على الأجناس الأدبية الأخرى من مسرح وشعر وسينما كان له دور متميز في تحسين جمالياتها والارتقاء بها، فالرواية قادرة على التمرد على القوانين وعلى ذاتها أيضا. والقضية الأهم في نظر خصباك هي ضرورة معرفة حدود كل جنس أدبي، فنقول هذه رواية أو هذه قصيدة أو مسرحية، فداخل كل منها عناصر أساسية وعناصر ثانوية أو فرعية، وإذا طغت في الرواية العناصر الفرعية على الأساسية ما عادت الرواية منتمية لجنسها. وفي النهاية الأمر يتوقف على الصياد الخبير في حقل الفرص المتاحة أو غير المتحققة. وكان آخر المتحدثين في تلك الجلسة الناقد السوداني مجذوب العيدروس الذي تحدث عن "الرواية وتداخل الأنواع: شعرية السرد قراءة في روايات عربية معاصرة" فقد لاحظ العيدروس تزايد الاهتمام بتداخل الأنواع الأدبية مع قدوم المناهج النقدية الحديثة التي أخذت موقعها في مناهج الدراسة في الجامعات وفي الدوريات المتخصصة في النقد الأدبي. وقد ركزت مداخلته على التطورات في تقنيات الكتابة السردية العربية، والتي جاءت مرافقة لموجة الرواية العربية، والتي مثلت فيها رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، منتصف الستينيات، علاقة فارقة. وتتطرق العيدروس إلى التجنيس الأدبي، وهل هو ضرورة في نظرتنا وتقويمنا للعمل الأدبي المنجز؟ ثم قدم نماذج تطبيقية على بعض أعمال جمال الغيطاني وواسيني الأعرج.

مشاركة :