«إذا شعرتِ عندما تقرأين شعراً أنَّه يعبِّر عن لحظة في حياتك أنت، ويعبر عنها بطريقة موسيقية فإنك بصدد شعر، وشعر ناجي قريب من قلبي لهذا السبب» (غ/قاف) الأديب المفكر والشاعر الإنسان غازي القصيبي مر في حياتنا جميعاً كومضة سريعة خاطفة، ولكن هذه السرعة أتت بإنجازات كثيرة عامة وخاصة، وبقيت صورة القصيبي عالقة في الأذهان تكبر على مرور الأيام ملاحقة الزمن ومواكبة للأجيال لأنه كان موهوباً، واستخدم مواهبه بحكمة، فحدْسه أشار إلى ذاته بأنه سيذهل من مقدار الإلهام الذي وزعه ونشره في حيوات الآخرين، وقد أدرك بعض الأشياء من ردود الفعل في حياته، أما بعد رحيله فلا زال صورته باقية متحركة في أفعال وأقوال كان قد عملها وقالها، وما كتبه يتداول بين الناس من مختلف الأجيال بأشكاله المختلفة، فكتبه العدية تواجهك في المكتبات العامة والخاصة (فكرية، واجتماعية، وإبداعية، وسياسية). وإبداعه في الشعر حلَّق في سماوات العالم القريب والبعيد بلغته العربية الأصيلة، وبلغات أخرى عالمية كذلك بعض كتبه حيث ترجمت إليها. الحديث عن القصيبي لا تسعه زاوية محددة الكلمات، لكون ما قدمه يستحق ويفرض أن يدون في كتب ومجلدات، ولكن المحب يريد أن يقول البعض مما يكنه تجاهه من مشاعر أملتها شخصية ونتاجات من أحب، وفي قراءتي لكتابه «مع ناجي.. ومعها» أحسست أنني أكتشف الشاعر إبراهيم ناجي صاحب الأطلال من جديد وبشكل آخر زادني معرفة ومحبة بشاعري الجميل عن طريق محب لناجي فاقني بدرجات كثيرة لأنه قال ما كنت أود أن أقول شيئاً منه، ومحبتي للشاعرين جعلت مني متلهفاً لما يقوله القصيبي عن ناجي وأخذه كأمر مسلم به، لأن أبا «سهيل / يارا» له مكانته في فكري وقلبي معاً أفدت منه الكثير في مسيرتي الحياتية والثقافية بالمواجهة الشخصية وما قرأت له من كتب ودواوين وما حضرته من محاضراته وندواته وحواراته القيمة. القصيبي المعجب بناجي يخاطب ملهمته: «كان ناجي مولعاً بالنجمات، نجمات المسرح ونجمات السينما، هل أنت نجمة يا صغيرتي العذبة؟.. لا تزالين طفلة ترتدي جسد امرأة شهية، وماذا حدث للفراشة البشرية بعد السقوط والاحتراق؟ إسمعي ناجي: برئت نفسي من الحقد ولم أخف ضغنا لك بين العبرات إن يوما واحدا أسعدني جمع الأطراف طراً من شتات وهو عمرٌ كامل عشت به كل أعمار الورى مجتمعات لست أنساك وقد علمتني كيف يحيا رجل فوق الحياة ويصف الشاعر المحب بالفارس وما صوره في أبياته من مشاعر تمور في النفس الشاعرة الشقية بالحب والجمال وتمنى أنه لو كان رساما لرسم هذه الأبيات في لوحة معبرة ولكنه « كنت أفشل الطلبة في مادة الرسم عبر تاريخي الدراسي كله، ونلت ذات مرة درجة صفر، وهذا إنجاز عظيم « ويذكر أن الشاعر نزار قباني صاحب ديوان «الرسم بالكلمات» قد رسم له صورة شخصية ولما عرضها عليه قال له: إنها مجرد كاريكاتير، وعما يحسه في أبيات ناجي السابقات أنه تذكر مرة أنه (غازي القصيبي) كتب قصيدة فيها من المشاعر المشابهة لأبيات ناجي: تركت من ظلمات الليل أودية تضم روحي وذئبا يرتدي جسدي تركت أشواكك الحمراء في شفتي تركت أطواقك السوداء حول يدي تركت من كبريائي زهرة ذبلت فبعثرتها رياح اليأس في كمدِ لكنني وخيال الحب في خلدي أقول لا زلت في دنيا من الرغدِ من جرب الحب لم يقدر على حسدٍ من عانق الحب لم يحقد على أحد يمضي شاعرنا الموله بناجيه الشاعر فيرسمه بالكلمات متتبعا حياته العملية والعاطفية باحترافية يندر نظيرها لكونه يملك ناصية ما يريد أن يصوره للآخر عمن أحبه بإسراف المولع الولهان.
مشاركة :