حينما قرأتُ مقالة د. محمد الخازم «جامعة الإمام أفكار لرشاقتها» المنشورة بتاريخ 27-7-1440هـ الموافق 3-4-2019م في زاويته نقطة ضوء، أدركت أن الدكتور محمد كتبه في لحظة انقطاع للكهرباء، وافتقد مقاله لبصمته الأكاديمية وسيطر عليه الطابع الصحفي في الكتابة، وهذه أزمة يقع فيها أغلب كتَّاب المقالة الأسبوعية، فإنَّ المواضيع مهما كانت وفيرة تنتهي، والأفكار مهما كانت غزيرة تنضب. المقال رغم قصره لم يكن رشيقاً، ويحتاج إلى تشذيب فكري منهجي حتى تكون نصائحه قابلة للنظر وإمكانية التطبيق. د. محمد ليس غريباً عن التعليم العالي، وهو الذي كتب فيه 3 كتب آخرها «جامعة 2030»، ولذا يُستغرب منه ما لا يُستغرب من غيره. بدأ د. محمد مقالته بمسألة تخلي الجامعة عن معاهدها العلمية، وجعل ارتباطها الإداري ينبع لوزارة التربية والتعليم، وقد كتب عن هذه الفكرة مقالة وكانت محل نقاش مع الجامعة وغيرها من المتابعين، لكن الدكتور يقول: «القضية تنظيمية ويجب أن يتخلى البعض عن اعتقادهم بأن جامعة واحدة هي حارسة الدين واللغة، في بلد جميع مناهجه وجامعاته تدرس الدين واللغة في مناهجها». ولا ندري مَن هؤلاء البعض، هل هم المسؤولون في الجامعة أم غيرهم، أم هم أناس تمثلهم الدكتور يتبنون نظرية حراسة الدين واللغة. إن عدم استجلاء الدكتور لحقيقة الوضع في الجامعة واكتفائه بالنظرة النمطية التي كونها تجعله يصدر أحكاماً مستعجلة ونافذة لا تقبل الجدل. هل يعلم د. محمد أنه لو أراد أحد خريجي المعهد أن يدخل كلية الطب ويصبح طبيباً فإنه يدخل دورة علمية تأهيلية مكثفة إذا اجتازها بنجاح وبحسب اشتراطات كلية الطلب فإنه يدخلها، وقد درست عدة منهم وهم متميزون وبعضهم في برامج الزمالة الآن ولعلك تقابلهم في إحدى المستشفيات وترى تميزهم عن كثب. النقطة الثانية من المقال كان لجامعة الأميرة نورة نصيب منها، فهو يطالب بضم كلية الطلب بجامعة الإمام إليها لأن جامعة الإمام «ليس لديها مستشفى جامعي ومخرجاتها دون المأمول بدليل نتائج اختبارات الرخصة التي تجريها هيئة التخصصات الصحية، وهي مجاورة لجامعة نورة كما أن تعليم الطب يربك أيدولوجية جامعة الإمام الرافضة لاختلاط التعليم والعمل بين الجنسين، بل يقال إن أدلجة طب جامعة الإمام تسبب في تواضع مخرجاتها». هنا طغى الحس الصحفي على الأكاديمي، فكلنا نعرف أن كلية طب جامعة الإمام ليس لديها مستشفى جامعي وليست الجامعة الوحيدة في ذلك، وهناك جامعات لديها مستشفى ومستواها متذبذب، وأما قضية المخرجات دون المأمول بدليل نتائج اختبارات الرخصة فهذه كما يقال دليل عليك ولعلك تراجع ذلك أكاديمياً وتنظر كيف لكلية ناشئة تتلقى خطاباً من هيئة التخصصات الصحية ومن وزارة التعليم العالي كله ثناء على طلاب الدفعة الأولى والثانية الذين انتضموا في البرامج الداخلية والخارجية ونافسوا على المقاعد الأولى في تلك البرامج، ولا يمكن أن تحكم بموضوعية على تواضع مخرجات كلية ما بسبب نتائج سنة واحدة، وهذا نقوله على محمل التنازل. كما أنه يجب التفريق بين اختبارات رخصة الممارسة المهنية وبين القبول في برنامج معين. وأما مسألة أيدلوجية جامعة الإمام فلا أدري هل تملك كل جامعة لدينا أيدلوجية خاصة بها وكأننا في أوطان متعددة، ومن ولع د. محمد بلفظة الأيدلوجية لم يدعها حتى ختم بما سمعه بأنه يقال إن أدلجة طب الإمام تسبب في تواضع مخرجاتها. طبعاً لا يوجد من قال ذلك سوى د. محمد الصحفي للدكتور محمد الأكاديمي. ولكن هذا الاقتراح بهذه الصورة يصدق عليه المثل «أراد أن يطب زكاماً فأحدث جذاماً»، فالطالبات عددهن قرابة 250، وعضوات هيئة التدريس قرابة الـ30، والكثرة الكاثرة هم الطلاب حيث يتجاوزون 600 طالب وأعضاء هيئة التدريس قرابة 200 عضو هيئة تدريس، فهل يريد سعادة الدكتور أن يكرر مأساة طلاب الكليات العالمية ويتفرقون كأيدي سبأ بين الكليات على الرغم من أن وزر طلاب الكليات العالمية تتحمله وزارة التعليم العالي آنذاك ومستشاروها ومسؤولوها الذين كانوا يتفرجون على الطامة حتى حدثت، وللأسف أن هناك كليات أهلية لديها السناريو المؤلم نفسه. وبالمناسبة تحملت كلية الطب العبء الأكبر في معالجة أوضاع طلاب العالمية وليتها لم تفعل، لا لشيء إلا لأنها لا تملك البنية الساسية المناسبة لاستيعاب تلك الأعداد، لكن بريق أموال الموازي أعمى المسؤولين آنذاك عن تبصر الطريق الصحيح بل وزادوا من كارثة الوضع بقبول طالبات في السنة الثالثة والسنة الرابعة، هكذا وهم لا يملكون وقتها مساراً للطالبات أصلاً. تمنيت لو أنه قصر اقتراحه على ضم شق الطالبات إلى جامعة نورة فيكون النظر إليه باعتباره مقترحاً سائغاً. ثالث المقترحات من الدكتور كان حول فرع الجامعة في الأحساء والمطالبة بضمه لجامعة الملك فيصل، والتعليل هنا بأن فروع الجامعات دمجت بجامعات المناطق إلا هذا الفرع، فهل هناك حصانة لجامعة الإمام بعدم المساس بمعاهدها وفروعها المختلفة، وإن كان هناك حصانة مزعومة لجامعة الإمام فمن المؤكد أنها من قبيل الحصانة نفسها التي تتمتع بها الجامعة التي ينتمي لها د. محمد وهي جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية فلديها فرعان أحدهما في جدة والآخر -وهذه مصادفة جميلة- يقع في الأحساء أيضاً. وختاماً، فإنني أشد على يد الدكتور محمد لدراسة الوضع الحالي لتعليم الطب في المملكة دراسة مستفيضة، فهو يواجه تحديات كبرى ليس فقط في جانب التعليم الجامعي بل ما بعد الجامعي، وأيضاً ارتباطه بالنظام الصحي الذي يحتاج إلى خلخلة كبيرة حتى يكون تعليمنا الطبي متميزاً وثمراته يانعة. ** ** أستاذ علم الأدوية المشارك - كلية الطب - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
مشاركة :