ش ش ش يعني "شقاوة شباب شبرا".. لعل هذا هو الدرس الأول الذي يلقنه كل أب لفلذات أكباده في مراحل عمرهم المبكرة ليصبح كالنقش على الحجر وليرسخ في ذهنهم أن شبرا ليست مجرد حي ولدنا فيه ولكنها روح تسكن فينا ومشاعر وتربية تلازمنا حتى نفارق الحياة .وربما يستكثر البعض هذه الكلمات أو يعتبرها من قبيل المبالغة ، وهنا الرد جاهز وثابت "بكل تأكيد انت مش شبراوي" ، فأهل شبرا هم أكثر من يقدرون قيمة ميلادهم في هذا الحي العتيق الذي يضرب بجذوره في عمق التاريخ حتى قيل أن شبرا هي أصل كل شيء في مصر فهي مهد الفن والفنانين والسياسة والسياسيين وتقدروا تكملوا طبعا الاقتصاد والاقتصاديين .. وهي كذلك وأهم من كل ما سبق عاصمة الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة المسلمين والمسيحيين .حيث يتشارك أبناء الحي جميعا مسلمين ومسيحيين في جمع "فلوس زينة رمضان" ، ولا عجب في أن ترفض "أم محمود" دفع حتى 50 قرش ، ليس من باب الفقر أو البخل ، وإنما لمعاناتها من الصداع الذي تسببه لمبات الزينة والأعلام الملونة لالتفاف كل أبناء الشارع حولها وبسببها ويسهرون حتى ساعات متأخرة وهي تفضل النوم مبكرا، في حين تسابق أم جورج لدفع المبلغ المطلوب للمساهمة في شراء مستلزمات الاحتفال وهي تدري جيدا أن ابنائها سيزاحمون اخوانهم المسلمين في الفرحة والسهر والاحتفال بالشهر الفضيل الذي ليس من قبيل التضخيم يعشقه مسيحيون ربما أكثر من بعض المسلمين ، تماماً كما يقدس المسلمون السيدة مريم ويجلون مكانتها ربما أكثر من بعض المسيحيين انفسهم .وفي شم النسيم تكاد لا ترى مظاهر احتفال وتلاحم كتلك التي تراها في أرض شبرا .. فينظر إليه الجميع على أنه "عيد مشترك" أو بالأحرى عيد للوحدة الوطنية لا يفرق فيه بين مسيحي ومسلم ويكفي أن تمر بشارع شيكولاني والترعة البولاقية ومن بعدهما دوران شبرا ، لا تقول لي دبي ولا الشانزليزيه فتشعر أن لا أحد موجود في منزله لذا تتميز شبرا بأنها كما يقول أهلها عنها أرض الأمن والأمان ، أما المثقفون بزيادة ممن اضطرتهم الظروف للابتعاد جغرافياً عن شبرا فينظرون إليها على أنها "أرض الميعاد" .فإذا أتيحت لأي شخص أصيل تربي في حي شبرا فرصة إيجاد مسكن مناسب بأموال متوفرة فإنه ربما لن يتردد فيمتو ثانية في العودة إليها ، ومن باب أولى بطبيعة الحال عدم الخروج منها من الأصل ، ولا تندهش أن أهل هذا الحي العتيق يبلغ بهم مدى الذوبان عشقاً فيه ، فكاتب هذا السطور "أنا وأعوذ بالله من كلمة أنا" بحسب التعبير الشبراوي الأصيل سمعت بأذني البعض يعلنها صريحة مريحة : "ورشة سمعان ذكرت في القرآن" ,, ويعتبر هذا أحد أشهر شوارع الحي المعروف بطيبة وجدعنة أهله وناسه .بطبيعة الحال يعاني حي شبرا ، كغيره من بعض الأحياء الشعبية ، من بعض المشكلات ولعل في مقدمتها انتشار المخدرات المدمرة في بعض المناطق ، إلا أن أجهزة الأمن لا تقصر جهداً في مكافحة هذه الظاهرة المدمرة .. أما قصة "الخناقات" التي تتكرر كل نصف ساعة أو أقل .. فإن ما يجعل أهلها صابرين عليها أنها دائما تكون "طق حنك مش فتح مطاوي" .. وكمان "مصارين البطن بتتعارك" وبعدها كلمتين حلوين نفضل حبايب .
مشاركة :