أبوظبي: نجاة الفارس تواصلت فعاليات مؤسسة بحر الثقافة على هامش أنشطة المعرض حيث قدمت سمو الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان محاضرة بعنوان «الثقافة والمثقف والتباس المفاهيم» ذكرت في بدايتها أن الثقافة أسلوب، ورفيق عمر، ودليل على التجدد، وأكدت أن هناك إشكالية في العلاقة بين المثقف والناس، وأنّ المثقف العربيّ في الوقت الحالي عاجز عن الوصول إلى الناس؛ لأنّه لا يملك اللغة البسيطة، أو الوسيلة المناسبة التي تؤهله لذلك، وفي رأيها أنّ المثقف العربي نخبويّ، ويمتلك لغة صعبة، ويفتقر أسلوبه إلى العناصر الجاذبة التي تؤهله لشدّ الناس إليه. تابعت الشيخة الدكتورة شما أنّ الموضوعات التي يتطرق إليها المثقف لا تلامس قضايا الناس اليومية، ولا تحظى بثقتهم، أو تلبي احتياجاتهم، ولذلك أدار الناس ظهورهم إليه، وتركوه وحيداً في برجه العاجي، يجترّ الغربة، ويعيش الوحدة، ويعاني العزلة بين الجدران، وفي رأيها أنّ المثقف يمكن أن يستعيد ثقة الناس من جديد، إذا انخرط في واقعه، وعايش الناس في مشاكلهم، وأفلح في أن يخاطبهم، ويكسب ثقتهم، تماماً كما فعلت النائبة اللبنانية (بولا يعقوبيان) حين تبنت قضية البيئة في وطنها، وأفلحت في اكتساب ثقة الناس، وفي جعل (المحافظة على البيئة والدفاع عنها) قضيتها الأولى مستخدمة كل االأساليب الممكنة لفعل ذلك، وهكذا نجحت في أن تحول (البيئة ) إلى مطلب سياسي، وأن تجعلها هماً سياسياً يومياً بخلاف كثيرين من المثقفين الذين لم يفلحوا في فعل ما فعلته لعجز في استخدام اللغة المناسبة والطريقة التي تجعل من الثقافة أسلوب حياة. مفارقة وقدم الناقد والباحث الدكتور عبد الله الغذامي محاضرة بعنوان المرأة والهوية تطرق فيها إلى مفهوم الهوية، وذكر أننا نستقبل الأخبار والأشياء من خلال حمولات ذهنية أصبحت تحكمنا، وهذا ما يجعلنا بعيدين عن أن نكون أحراراً عند تأويلنا لما نقرأه، أو نسمعه، أو نواجهه في حياتنا، ونبّه إلى أنّ الهوية قد تعني عند بعضهم السِّمات التي تميز شخصاً من آخر. وأوضح الغذامي أنّ الهوية ليست علامة وجود، ولا دليلاً على اكتمال الصّيرورة للمرأة أو الرجل معاً، بل هي دليل على اكتساب شخصية محدَّدة تميِّز إنساناً عن آخر، ويمكن أن نجد مفهوم الهوية في تراثنا الشعريّ العربي، فابن قتيبة يذهب في بعض كتاباته إلى أنّ هوية شاعر معين تنبثق من استخدامه للغة تميزه من غيره، وهذا ما جعل أبا تمام مثلا يختلف عن البحتري، وجعل بعض النقاد كالآمدي يعقدون في بعض كتبهم فصولا لبحث المشاكلة والاختلاف بين هذين الشاعرين، والحديث عن (الهوية الفنية) التي يتميز بها المتنبي عن أبي العلاء المعري، وفي الظنّ أنّ مفهوم الهوية طُبِّق على مفهوم المرأة والرجل؛ فغدت المرأة ناقصة الهوية؛ لأنها لم تمتلك الصفات التي يمتلكها الرجل، وما امتلكته من صفات ميزها من الرجل لم يُنظَر إليه على أنه هوية خاصة بها مع أنه كذلك؛ لأنّ هويتها في رأي كثيرين لم يتح لها الاكتمال بسبب أنها لم تحمل الصفات نفسها التي حملها الرجل. إنجازات وفي محاضرة قدمتها بولا يعقوبيان النائبة في البرلمان اللبناني ذكرت أن المرأة في الإمارات نالت حقوقها أكثر من المرأة اللبنانية، وأنها لم تضطر للنزول إلى الشارع، أو تخرج في مظاهرات كي تحصل على هذه الحقوق بسبب حصافة السلطة السياسية في بلدها وحكمتها، وحرصها على أن تنال كل ما تستحقه من حقوق بطريقة سلمية وآمنة، وبيّنت أنها لا تزال تحلم بأن تكون المرأة اللبنانية في بلدها كالمرأة الإماراتية في احترام السلطة لها، وفي المكانة التي تتبوأها. واستطردت قائلة: إن السلطة في لبنان أقامت جدراناً عازلة بينها وبين الناس، وأصمّتْ آذانها عن سماع نداءاتهم، أو الاستجابة لمطالبهم، وهذا ما اضطرها هي بوصفها مواطنة لبنانية للنزول إلى الشارع وزيارة البيوت لكي تجعل الناس يتبنون القضايا التي تدافع عنها، وتحارب من أجلها، وفي مقدمتها قضية البيئة، وذكرت أنّ المواطن اللبناني يعاني إهمال السلطة له، ومن انسياقها وراء مصالحها، وإهمال قضاياه الملحة، ومشاكله اليومية، وأن الإصابة بالسرطان بسبب التلوث البيئي وصل إلى أرقام قياسية، وهذا مبعثه انسياق السلطة وراء مصالحها وإهمالها لحياة الناس، وإدارة ظهورها لمشكلاتهم. وبينت أن المواطنة تعني بالنسبة إليها أن يحصل كل مواطن على حقه في حياة حرة كريمة خالية من النزعات العرقية والدينية، وهذا لن يتم إلا باختيار التغيير الديمقراطي كحل وحيد ومتاح للتغيير السياسيّ، والحصول على حياة آمنة تحقق السلام والرخاء للجميع بمعزل عما تريده الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان. فرصة ثمينة من جهة أخرى ناقش الحضور رواية (الوصايا) للكاتب المصريّ عادل عصمت، وهي الرواية التي وصلت إلى القائمة القصيرة في جائزة الرواية العالمية للرواية العربية البوكر، وقد اعترف الكاتب بسعادته بهذا الفوز، وذكر أنّ ذلك وفّر له فرصة ثمينة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من القرّاء العرب، وأسهم في نشر اسمه على نطاق واسع في الوطن العربيّ كله، وتطرّق، في حديثه عنها، إلى أنّها (رواية أجيال)، وأنّها تقوم على تقديم مجموعة من الوصايا لحفيد مرذول لا اسم له بغية تقويم حياته الأخلاقيّة، وأنّ ذلك لا يحمل أيّ نوع من المباشرة؛ لأنّ الوصايا يفترض أن تتغلغل في أعماق الحفيد، وتترسّخ جذورها في داخله، ثم تنبثق منه بشكل طبيعيّ، وتوجِّه حياته كأنّه هو الذي أبدعها، ومع ذلك ف (الوصايا) ليست رواية أجيال بالمعنى التّقليديّ الذي نعرفه عند نجيب محفوظ أو عبدالرحمن منيف، وإنما هي رواية عن أسرة يهيمن عليها صوت أحاديّ، ولكنّها تمتدّ في الحاضر، وتترك أثراً واضحاً فيه، وهي تعتمد على تكثيف الزّمن وتقطيره، وتسجِّل حركته وأثره في حياة الشّخصيّات، من دون أن تميل إلى توثيقه، أو ملاحقة تفاصيله وجزئيّاته، كما هو الحال في الرّواية الواقعيّة أو التقليديّة.
مشاركة :