عاصم عبد الخالق بعد أيام قليلة من اعترافه بالسيادة «الإسرائيلية» على هضبة الجولان السورية المحتلة، روى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كيف اتخذ القرار الذي اعتبره من مفاخره. قال أمام حشد من أنصاره، إنه كان يتحدث إلى مستشاريه الثلاثة؛ جاريد كوشنر زوج ابنته، وديفيد فريدمان سفيره في «إسرائيل» وجاسون جرينبلات مبعوثه للمنطقة، عندما قفزت إلى ذهنه فكرة الاعتراف بضم الجولان. واصل ترامب: سألت الثلاثة أريد أن تُسدوا لي معروفاً.. حدثوني قليلاً عن التاريخ.. بسرعة لدي عمل حول الصين وكوريا الشمالية، أعطوني نبذة سريعة (يقصد عن الجولان). انتهت كلمات ترامب بتصفيق حاد من الحضور. وحتى الآن لا نعرف مضمون الدرس الذي قدمه المستشارون الثلاثة، ولكن نعرف ثلاث حقائق، أُولاها أنه لا يوجد في التاريخ ما يقول بتبعية الجولان السورية ل«إسرائيل» اللهم إلا الأساطير الخامدة في عقول المتطرفين. ثانيتها أن المستشارين الثلاثة هم من غلاة اليهود المتشددين، الذين يجاهرون بدعم الاستيطان «الإسرائيلي». ومن ثم فإن ما لقنوه للرئيس هو درس زائف مسكون بمعلومات مسممة لا أساس لها من الصحة. الحقيقية الثالثة أن ترامب في حاجة بالفعل لدروس في التاريخ؛ لأنه لا يهوى القراءة، وليس هذا سراً فلم يدَّعِ يوماً أنه مثقف. والإعلام الأمريكي يفيض بنوادر وأخطاء لترامب تسبب فيها جهله الفادح بالتاريخ. وقبل أيام نشرت مجلة «إيسكواير» تقريراً عن ذلك، تضمن على سبيل المثال حديث ترامب عن فريدريك دوجلاس أحد أبطال المقاومة ضد العبودية والتمييز العنصري. عندما جاءت سيرته أمام الرئيس، وكان عليه أن يعلق بشيء، قال إن دوجلاس يقوم بعمل ممتاز، وإنه يحظى بمزيد من الاعتراف. بينما لا يستطيع الرجل القيام بأي أعمال؛ لأنه توفي منذ العام 1895. وعذر ترامب أن أحداً من مساعديه لم يبلغه بموته!. في مناسبة أخرى تحدث ترامب عن الرئيس الراحل أبراهام لينكولن الذي أنهى الحرب الأهلية. تباهى بأن لينكولن كان ينتمي للحزب الجمهوري، وأن الكثيرين لا يعرفون هذه المعلومة. بينما الحقيقة أن الزعيم الراحل كان عضواً بالحزب المعروف وقتها بالاتحاد الوطني.تفسر المجلة جهل ترامب بالتاريخ، وانعدام ثقافته العامة، بقولها إنه نتاج أربعين عاماً من سياسات المحافظين التي تعادي الثقافة والمثقفين، وتزدري المعرفة باعتبارها مرادفاً للنخبوية. وتطرح المجلة سؤالاً مهماً هو: هل من الضروري أن يلم القادة بالتاريخ؟الإجابة تصدى لها ثلاثة من المؤرخين، أولهم تايا ميلس الأستاذة في جامعة هارفارد التي توضح أن دراسة التاريخ هي دراسة التغيير للإرادة البشرية أي الممكن، والمستحيل، والعواقب. وأن السؤال عن سبب الاهتمام بالتاريخ هو سؤال عن سبب الاهتمام بفهم ما يعنيه أن تكون إنساناً. وأن المعرفة بما فعله الأجداد تساعدنا على فهم أفضل لهويتنا، وكيفية مواجه التحديات الحالية. من نفس النقطة ينطلق كيفين كروس، الأستاذ بجامعة برينستون، الذي يرى أن المسؤولين في السلطة يحتاجون إلى دراسة التاريخ؛ لأن العديد من المشاكل التي يواجهونها لها نظير في الماضي، وبالتالي فإن التاريخ يقدم درساً مهمّاً لاتخاذ القرار، قياساً على ما جرى سابقاً.أخيراً تستمد هيثر ريتشاردسون، الأستاذة بكلية بوسطن، إجابتها من واقع التاريخ الأمريكي نفسه؛ حيث توضح أن الآباء المؤسسين أقرّوا مبدأ أن البشر خلقوا متساوين، ومن حقهم تقرير مصيرهم وحكم أنفسهم. وانطلاقاً من هذا المبدأ نشأت الديمقراطية الأمريكية. من هنا فإن القادة الأمريكيين الذين يجهلون التاريخ لا يعون هذا الدرس. وبالتالي فهم يهددون التجربة الأمريكية بالفشل؛ لأنهم لا يفهمون أن المساواة كانت البذرة الأولى التي أنبتت النموذج العظيم الذي تمثله الولايات المتحدة حالياً. بل إن إنكار هؤلاء القادةِ قيمَ المساواة والعدل وحق البشر في حكم أنفسهم، يهدد بزعزعة الاستقرار في العالم، وليس في أمريكا فقط. هذا هو الدرس الذي يحتاج ترامب لمن يلقنه له، وللأسف فليس من بين مستشاريه المتحمسين ل «إسرائيل» من سيفعل ذلك. assemka@gmail.com
مشاركة :