أوقف مركز الدوحة لحرية التعبير جميع نشاطاته بصورة مفاجئة، وألغى حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، مكتفيا بمنشور وحيد على موقعه الإلكتروني “يتقدم جميع العاملين بإدارة مركز الدوحة لحرية الإعلام بالشكر الجزيل لجميع الشركاء والمتابعين إبان فترة العمل والتي امتدت لسنوات عديدة”، دون أن يُبدي أي تفاصيل أخرى. ويأتي إغلاق المركز بهذه الطريقة دون توضيح الأسباب من قبل مديره أو القائمين عليه في بيان رسمي كما هو متعارف عليه في مثل هذه الأوضاع، مناقضا لأهمية المركز التي روّجت لها السلطات القطرية منذ إطلاقه في أكتوبر 2008، بأنه “المركز الدولي الأول من نوعه الذي يتأسس في دولة غير غربية، ويعمل لخدمة حرية الصحافة والتعبير في قطر والشرق الأوسط والعالم”. ويبدو أن المركز لم يحقق الغاية المرجوّة منه ولم يترك التأثير المطلوب، رغم تجنيد صحافيين للعمل فيه من دول عربية وأجنبية متعددة، فأضحى بالنسبة للسلطات مضيعة للمال والجهد والوقت، خصوصا وأنه بعد فترة قصيرة على تأسيسه بدأت المشكلات تتفاقم بين مؤسسيه والمسؤولين القطريين الذي “لم يقبلوا يوما بمركز مستقل له الحرية في التعبير عن مواقفه بعيدا عن أي اعتبارات سياسية”، وفق ما ذكر روبير مينار الذي كان أول مدير له. وكان هدف المركز الأساسي الترويج لحريّة الصحافة في مختلف أنحاء العالم وتأمين ملاذ للصحافيين المهدَّدين. لكنه نادراً ما غطى أخبار قطر. وذكرت تقارير سابقة لوزارة الخارجية الأميركية أنّ الصحافة القطرية تمارس الرقابة الذاتية بصورة روتينية، لذلك عمل المركز في بيئة منافية عمليّا لحرية التعبير والصحافة. ويرى متابعون أن الدوحة تريد التركيز على حرب واحدة، فقناة الجزيرة هي الواجهة الإعلامية لقطر، والدوحة بحاجة إلى منع التشتت ودفع كل جهودها باتجاه الجزيرة التي تكلفها الكثير ماليّا ومعنويّا، لاسيما مع تراجع تأثيرها ونسب مشاهدتها في الدول العربية. وكان موقع المركز الإلكتروني، قبل إغلاقه متوفرا، باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية. بالإضافة إلى تغطية نشاطات المركز، واستعراض أخر مستجدات عالم الصحافة، إلى جانب نشر تقارير استقصائية عن حرية الإعلام والتعبير حول العالم، دون التطرّق إلى أوضاع الصحافة في قطر.وقال المركز عن مهمته بأنه يوفّر لحرية الإعلام برنامج المساعدة في حالات الطوارئ “مساعدة مباشرة ضمن نطاق إمكانياته للصحافيين في حاجة عاجلة طرأت نتيجة أدائهم مهنتهم. ويساعد فريق برنامج المساعدة في حالات الطوارئ الصحافيين المحترفين على إيجاد حلول مستدامة ليعودوا إلى عملهم في أقرب وقت ممكن عبر تقديم المشورة وإدارة حملات التوعية، بالإضافة إلى توفير الموارد المادية”. لكن خلف عبارات التسويق لأنشطته والترويج لدعمه حرية الصحافة والصحافيين بكافة الأشكال، كان هناك حقيقة أخرى بأن المسؤولين القطريين لم يكونوا يولون أهمية كبرى لقيم الصحافة الحرة وأن المطلوب من المركز هو خدمة أجندة سياسية فقط، وهو ما يظهر في تغريدة الإعلامي القطري جاسم سلمان، على حسابه في تويتر، قائلا إن فكرة المركز “كانت رائعة لكنه كان بحاجة لتفعيل حقيقي، خصوصا في أزمة حصار قطر ومقتل خاشقجي على سبيل المثال لا الحصر”. وأضاف جاسم سلمان، نائب مدير تحرير جريدة الشرق القطرية، “أن الأزمات في الوقت الحالي تحتاج إلى إعلام قويّ وسلاح أكبر لمواجهتها”. وكانت السلطات القطرية ذكرت أن إنشاء مركز الدوحة لحرية الإعلام، في ديسمبر 2007 بهدف تحديد الانتهاكات ضد حرية الإعلام، والدفاع عن حرية الصحافة، لضمان حق كل إنسان في التمتع بحرية التعبير والإعلام. لكن لم يمض عامان حتى أعلن الناشط الفرنسي روبير مينار عن استقالته من إدارة المركز “بسبب انعدام الحرية”. وذكر مينار وهو أيضا مؤسس منظمة “مراسلون بلا حدود”، في بيان أصدره “أن المركز يختنق، لم تعد لدينا الحرية ولا سبل العمل”، مضيفا أنه غادر المنظمة مع فريقه.وشكا مينار من تحفظ بعض المسؤولين عن حرية المركز، ذاكرا بصورة خاصة رئيس مجلس إدارة المركز، وقتها، الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني وقال مينار في بيانه أن هؤلاء الأشخاص لم يقبلوا يوما بفكرة منحنا الاستقلالية وحرية الكلام، ولم يتوقفوا عن وضع العراقيل أمامنا، وبذلك كانوا يخالفون الالتزامات المقطوعة”. وفي ديسمبر 2013 أنهت السلطات القطرية مهام مدير المركز الهولندي يان كولن، دون ذكر الأسباب أيضا، لكن كولن كان قد سبق له توجيه نقد لاذع للصحافة القطرية أغضبت العديدين في الدوحة. وكان يان قد عيّن على رأس المركز في 2011، خلفا لمينار، وقال كولن نفسه إنه لا يعرف سبب إعفائه من منصبه، وفق ما أكد في حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. وكتب “ما زال هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها في ما يتعلق بالطريقة التي سُرّحت بها من منصبي”. ويدرك غالبية الكتّاب والصحافيين القطريين الهامش الضيق المتاح لهم بنقد السلطات والعمل الحكومي، دون المس بالأسرة الحاكمة والفساد بأي طريقة نقد بنّاء من أجل مصلحة البلاد. وسبق وأن عوقب الصحافي القطري فرج مزهر الشمري، المرشح السابق للمجلس البلدي، على معارضته للسلطات بتجريده من الجنسية ومن أملاكه ونفيه خارج البلاد. وكان الشمري كتب مقالا بعنوان “عين عذارى” يطالب فيه بتخفيض الرسوم والضرائب على القطريين، وذلك في عموده الصحافي الذي كان يحمل عنوان “البُعد الرابع”، في صحيفة الراية القطرية. وجرت هذه الأحداث في ظل ضوضاء نشرتها قناة الجزيرة القطرية ومسؤولون بقطر حول ضرورة نشر الحريات بلا حدود في المنطقة.
مشاركة :