أحيت التفجيرات التي شنّها إسلاميون يدينون بالولاء لتنظيم داعش الإرهابي في سريلانكا، جدلا متجددا حول الدوافع الحقيقية التي تجعل من العالم يعيش في أحلك الفترات التي تتغذى فيها نعرات التعصّب والتطرف سواء من اليمين المتطرف المسيحي أو من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة. وتتعدد التفسيرات لدى الخبراء بشأن تزايد مشاعر الكراهية والحقد العرقي أو الديني في العالم، مما قد يجعل الدول العلمانية تجد نفسها في مأزق جدي لدى التعامل مع الظاهرة، فعام 2019 لم يقتصر على الأحداث الدموية المروعة في سريلانكا العنيفة، بل شهد أيضا إقدام متطرف يميني على تفجيرات نيوزيلندا بدوافع دينية متعصّبة. هذه الدوافع عادت إليها صحيفة “فايننشال تايمز″ البريطانية، بتأكيدها في تقرير يبيّن أن الهجمات الأخيرة على الكنائس والفنادق الفاخرة في سريلانكا والتي أودت بحياة ما لا يقل عن 250 شخصا بريئا، هي بمثابة تذكير صارخ بأن البشرية تعيش في عالم ترسم الكراهية الدينية والعنصرية معالمه بشكل متزايد. وأن الدول العلمانية ستجد نفسها في مأزق مزدوج. وتقول الصحافية كاميليا كافينديش “إن ما حدث في سريلانكا يُعد هجوما على القيم اليهودية والمسيحية”، وتنقل عن “مؤسسة الأبواب المفتوحة الخيرية” أن 245 مليون مسيحي حول العالم يعانون من الاضطهاد.وتشير أيضا إلى الحالة الهندية بتأكيدها أن الخطاب الذي يتبناه القوميون الهندوس المتطرفون في حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي يوحي بأن المسلمين والمسيحيين هم مواطنون من الدرجة الثانية في أحسن الأحوال. وتنضم كاميليا كافينديش إلى دائرة المنادين للحكومات الأوروبية بوجوب التعامل بفاعلية مع كل التوجهات المتطرفة بتأكيدها أن الحكومات العلمانية عادة ما تنزعج وتحار أمام بروز مظاهر التعصب القديم. ويتوجب على هذه المؤسسات أن تتصارع ضد أي نوع من هذا التطرف. إن الوضع السائد اليوم في العديد من الدول الأوروبية يوجد به تعمد واضح تحاول تمريره بعض المجموعات اليمينية المتطرفة للتعريف الجديد للإسلاموفوبيا الذي يخلط بين العرق والدين. وكدليل على تزايد التعصب المذهبي، ففي بريطانيا استقال تسعة برلمانيين من حزب العمال هذا العام لأسباب من بينها هواجس من معاداة السامية المتصاعدة داخل حزبهم. وتلفت كافينديش إلى أن بريطانيا تعاني أيضا من “التعصب المذهبي” المتنامي. وأعربت عن قلقها من الحملة الأخيرة الرامية إلى إقناع الحكومة البريطانية لوضع تعريف ملزم قانونيا لظاهرة الإسلاموفوبيا (الخوف من الإسلام). وأوضحت أن التعريف الذي اقترحته مجموعة برلمانية مؤلفة من جميع الأحزاب بشأن المسلمين البريطانيين، يصف الإسلاموفوبيا بأنها “نمط من العنصرية يستهدف أشكال التعبير عن سمات المسلم”. ولتعليل موقفها بشأن ما يتعرض له المسلمون في دول أوروبية من عنصرية الجنس الأبيض، تتطرق كاتبة المقال إلى ما أخبرتها به مسلمة محجبة قالت لها إنها تعرّضت للبصق في حافلة بسبب ارتدائها للحجاب وهي حادثة تندرج تحت توصيف التعصب، لكنها أبدت مخاوف من أن يحجب هذا التعريف في المقابل النقد المشروع للإسلام. وترى المجموعة البرلمانية أن القوانين السارية في بريطانيا، التي تُجرم التحريض على الكراهية، غير كافية لحماية المسلمين، ولذلك فإنه من الضروري إدانة أولئك الذين ينزعون إلى “شيطنة” جميع المسلمين. وبحسب كافينديش، فإنه من غير الواضح ما إذا كان سنّ المزيد من القوانين فيه رد على تلك الكراهية. وأضافت أن التعريف المقترح للإسلاموفوبيا يرمي إلى وصف ظاهرة التحامل على المسلمين وعقيدتهم. وتؤكد أن التعصب ضد المسلمين آخذ في الارتفاع. حيث تكافح المملكة المتحدة أيضا مع الطائفية المتنامية، والتي تظهر في عمليات القتل بدوافع دينية . إن التطرق لمثل المخاطر، ليس جديدا بل تعرّضت له عدة ندوات ومحاضرات مؤكدة على أن ذلك قد يزيد في حدة مخاطر الأعمال الإرهابية. وسبق لصحيفة “التايمز” البريطانية أن نشرت تقريرا للصحافي الاستقصائي دومينيك كينيدي بعنوان “تعريف جديد للإسلاموفوبيا يخاطر بمساعدة الإرهابيين”. ويقول كينيدي إن الرئيس السابق لوحدة مواجهة الإرهاب في شرطة سكوتلاند يارد ريتشارد والتون أصدر تحذيرا من أن المؤامرات التي يدبرها الإرهابيون قد تزداد فرص نجاحها إذا وافقت رئيسة الوزراء تيريزا ماي على تعديل تعريف الإسلاموفوبيا. ويوضح أن والتون حذر من أن السجون في بريطانيا والقضاة والمحققين قد يصبحون “معادين للإسلام” إذا خضعت ماي لضغوط أعضاء في مجلس العموم يطالبون بتوسيع المعنى القانوني لمصطلح العنصرية ليتضمن أي أفعال أو تصرفات تعادي المظاهر الإسلامية.وينقل كينيدي عن والتون تحذيره من أن تغيير تعريف الإسلاموفوبيا قانونيا قد يسمح للجماعات الإسلامية بالاحتجاج القانوني على تصنيف جماعات كمنظمات “إرهابية”، كما يهدد بحرمان وزارة الداخلية من إلغاء جنسية المواطنين البريطانيين الذين ينضمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وبنفس الطريقة تقريبا، فإن من وجهة نظر كافينديش حول الخلط بين العِرق والدين يوحي على ما يبدو بأن انتقاد الإسلام هو أحد أشكال العنصرية. فيما ينفي البرلمانيون أنهم يسعون إلى “إسكات الآراء”، وأن “نقد الدين حق أساسي في أي مجتمع منفتح”. وتخلص إلى أن المجلس الإسلامي البريطاني اتهم أحد المترشحين لمقعد في البرلمان بعدائه للإسلام لقوله إن “من الخطأ الادعاء بأن الإسلاموية (أو الإسلام السياسي) ليس من الإسلام في شيء”. ومع أن غالبية المسلمين يبغضون تنظيم داعش، إلا أن كاتبة المقال ترى أن ما تسميه “التطرف الجهادي” ظاهرة تمت للإسلام بصلة ذلك لأن “المتطرفين” يعتبرون أنفسهم مسلمين. وتذهب إلى أن المجتمعات الليبرالية تجد نفسها في “مأزق مزدوج”، ففي الوقت الذي تتمسك فيه بحقوق الأقليات، تسعى إلى حماية الحق في نقد الدين باعتباره مؤسسة اجتماعية.
مشاركة :