أظن أن هذا سؤال بدهي يناسب المرحلة .. (الرياضة .. هل صارت تفرّق - ولا تجمع ؟) . باعث هذا السؤال الحانق .. ستجدونه في ثنايا المقال .. لكن دعونا بداية - نتأمل هذه الواقعة ؟ . . روى لي أحد الأصدقاء هذه الحكاية قال : كنا مجموعة من حوالي 10 أصدقاء - في (طلعة) مودة ومحبة إلى أحد المطاعم .. ثم تصادف وجود مباراة في كرة القدم ، فظل الرفاق يشاهدونها بشغف باااالغ .. ثم فجأة بدأت التعليقات والمماحكات إلى أن تطورت إلى كلمات غير لائقة .. فما كان من 3 إلا أن غادروا المكان غاضبين - قبل أن يصل الطعام .. ثم لحق بهم 4 من المتعاطفين معهم .. ولم يبق إلا 3 الـ 3 الباقون - ولسوء حظهم دفعوا فاتورة العشاء كاملة ... ثم أكلوا ربع الطعام - وشبعوا .. وظلوا يبحلقون في ثلاثة أرباعه الباقية ، التي ظلت كما هي على السفرة ... . منطقيا وموضوعيا - الصواب هو ... أن (الرياضة تجمع - ولا تفرق) ويجب أن تكون كذلك دائمًا وأبدًا .. فذاك هو الأمر الطبيعي والصحيح لكن لدى أهل العقول ... . أما وقد زادت وتيرة الهوس الكروي .. واستفحل التعصب الرياضي .. حتى وصل الى مثل هذه الحالة المتطرفة والخطيرة ...(المثال أعلاه) وغيره كثير .. فقد صرت أخشى أن عبارة (الرياضة تجمع ولا تفرق) في خطر ... وأرجو ألا تتحول إلى مجرد (إكليشة) نرفعها ذرًا للرماد في العيون ، أو لمن (يبروزها) على الحائط ، أو يودعها في (فترينة) أنيقة للزينة .. بينما تعاملاتنا في الواقع وفي حياة أكثرنا .. لا يكون العمل إلا بعكسها تماما .. . وتعالوا نعقد مقاربة للتوضيح ولـ (نقرب المعنى) .. مع أن اللبيبُ بالإشارة يفهم .. فأنت تشجع الأهلي مثلا .. وأنا أشجع الاتحاد أو أنت الهلال .. وأنا مع النصر إلى بقية أندية الوطن العزيزة . كلانا أصدقاء وأحباب .. لكن عندما يصل الأمر للرياضة .. فنحن أشبه بالأعداء ، متباغضون ، كل منا لا يطيق الأخر ، بل ولا يريد أن يرى (رقعة وجهه) وهذا هو حال عدد ليس قليل منا - مع الاسف . والسبب في ذلك ... هو الجهل .. وضعف الوعي .. وعدم فهم أن الكرة عموما - والتشجيع خصوصا - هو حالة من الترفيه البريء الجميل ، الذي يُسريّ عن النفوس ويمتعها .. . والواقع أنني بما أسمع وأرى ... ألاحظ – كما تلاحظون أنتم - ألاحظ مشاهد غريبة ، ومواقف عجيبة .. بل إنها - في الحقيقة - مزعجة ، ومؤلمة جدًا .. فأحدنا لا يسمح لنفسه أن يرى ويقبل فرحة مشجعي ذلك الفريق المنافس وهم يبتهجون بفوز فريقهم .. فضلا عن كونه يقدم التهنئة لهم . . يستكثر عليهم – وهم أصدقاؤه - الفرحة .. ويراها غير لائقة بهم ، بل ويتمنى في حقيقة نفسه لو خسفت الأرض بأولئك - وبفريقهم ... وهذا ليس مجرد سلوك معوج .. أو مجرد شعور غير مهذب .. بل هو في الحقيقة (مرض) .. نعم هو مرض بالكراهية والحقد .. . وعليه فقد أصبح مع الأسف من أبرز مواصفات ومعايير أن تكون صديقي الحبيب في هذا الزمان ، أن تكون انت تشجع نفس فريقي .. وإلا فانت (صديق على خفيف) أو صديق (على الهامش) يا الله ... أإلى هذه الدرجة ؟ حتى وإن كنت أنت أخوه / ابن عمه أو من جماعته / أو زميله القديم في العمل ؟ أووفففف .. ما هذا ؟ . ودعوني أسوق أمثلة تدل على الوعي والتحضر ، وأن التشجيع أو الاهتمام بشؤون الرياضة شيء .. والصداقة والمحبة شيء أخر هو أهم ، وأعظم ، وأكبر ... هل تتذكرون ... أ . أحمد المرزوقي و د . خالد المرزوقي .. هما أخوة أشقاء .. الأول ترأس النادي الأهلي ، والثاني ترأس نادي الاتحاد .. لكنهما عاشا ويعيشان بسلام وحبّ . وغازي كيال اتحادي وشقيقه طارق كيال أهلاوي .. وأحمد عطيف وعبدالله عطيف - شقيقان (الشباب والهلال) .. ونايف هزازي وإبراهيم هزازي - شقيقان (الاتحاد والأهلي) .. هذه أمثلة محلية ... وخارجيا .. كمثال فقط - الاخوان "داسيلفا" التؤام البرازيلي (مان يونايتد وكارديف سيتي) والقائمة تطول .... محليا ، وعربيا ، ودوليا .... . وكل شقيقين من هؤلاء بعد نهاية المباراة يخرجان مع أسرتيهما يتعشون معاً ، في محبة وسعادة .. بينما الجمهور يظل يتعارك - بعضهم مع بعض - على تفاصيل صغيرة (يجعلون من الحبة قبة) بل لقد رأيت ذات مرة عددًا من نجوم الأهلي والاتحاد في جلسة حميمية بمطعم ، وهم في غاية من المحبة والألفة . أولئك وغيرهم فهموا أن الرياضة والتشجيع .. لا أقول ينتهي بانتهاء المباراة .. ولكن يبدأ وينتهي باحترامك لمشاعر الأخر .. وقدرتك على ضبط مشاعرك عند سقف محدد ، لا تتجاوزه إلى منطقة أبعد ، تجعلك تخسر الناس من حولك ، تخسر صديقك ، ابن عمك ، ولد جماعتك ، زميلك القديم في العمل . . أعرف أن هناك من يضبط أعصابه ، وأولئك يكسبون احترام الناس لهم ، لانهم أصلا احترموا انفسهم .. وأنا ارفع لهم العقال احتراما وتقديرًا . فيما هناك أخرون يمكن للواحد منهم أن (يهدم المعبد) بسهولة فوق كل صداقاته ومعارفه .. من أجل كورة .. و(ما أحد درى عنك يا مسكين) . . يا - أيها الاخوة : دعونا نستمتع بتشجيع الرياضة .. وحتى بالرقص في محرابها لمن يريد - لابأس .... ولكن من دون أن نؤذي الأخرين .. وأيضًا نؤذي أنفسنا بهذا الهوس العجيب والتعصب المقيت .... الذي ليس يفقدنا وقارنا وحسب ، بل ويفقدنا أصدقائنا .
مشاركة :