ساعات العمل المرنة.. ترجّح الكفة لصالح الأمومة

  • 5/1/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تنطلق غالبية الدعوات إلى تخفيف ضغط العمل من تأثيراته السلبية على الحياة الصحية للفرد والأضرار النفسية والعائلية التي تلحق بحياة العمال نساء ورجالا، وتُضاف إلى ذلك مطالب تخفيف ضغوط العمل على النساء والتي تهم خاصة الأمهات لكي لا تكون الأسرة الضحية الرئيسية للتأثير السلبي للعمل. وتدعو الفئات العاملة حول العالم إلى المزيد من المساواة ودعم الأمهات في مكان العمل. ونشر كتابان جديدان يتعمقان أكثر في تفاصيل هذا الموضوع: الأول، العودة إلى المنزل: الأمومة والعمل ووعود المساواة الفاشلة. والثاني، النجاح في الأمومة: كيف توازن النساء بين المهن ورعاية الأطفال. في الكتاب الثاني، تتحدث عالمة الاجتماع الأميركية كايتلين كولينز عن كيفية تفاقم التوتر بين العمل والأسرة بسبب ثقافة الساعات الطويلة وما تعتبره مواقف المجتمع التي لا تعطي الأمومة حقها. وتشترك الأمهات المتوترات والمجهدات في العالم العربي كما في إيطاليا والولايات المتحدة وغيرهما من دول العالم في تجارب تتناقض مع ما تعيشه أمهات في السويد حيث تمنح السياسات الاجتماعية الأكثر تقدما الآباء إجازة أبوة لمدة 90 يوما، حيث يلعبون دورا أكبر في رعاية الأطفال، مما يجعل نواة التوازن بين العمل والحياة أقرب إلى الواقع. وتشدد كولينز على ضرورة تبني هذا النهج على نطاق أوسع. فلا يمكن لأحد أن يجادل في مسألة أهمية هذه المشاعر والصرخة التي تطالب رؤساء العمل بتقدير وضعيات موظفيهم. كما يمكن إثراء هذا النقاش من منظور جديد. وأحيانا يواجه الطلب البسيط للعمل من المنزل في الواقع بردود تعسفية ومهينة تكشف عن الافتراض السائد الذي يفيد بأن العمال الذين لا يملكون أطفالا لا يملكون حاجة ملحة إلى تحقيق التوازن بين مختلف جوانب حياتهم. وتتحدث كارولين بيلوك، في مقال نشرته في صحيفة الغارديان البريطانية، عن تجربة خاصة مرت بها في عملها، إذ سألها مديرها في المكتب “لماذا تريدين ساعات عمل مرنة على أي حال؟”. في ذلك الوقت، كانت كارولين تعاني من أرق ناجم عن الإجهاد. كان يمكن أن تساعدها ساعات العمل المرنة على تحسين جودة إنتاجيتها. لكن، حتى بعد مشاركتها معلوماتها الطبية الشخصية مع مديرها، رفض طلبها. بقيت في المكتب، تعاني من دقات قوية في القلب وآلام في الرأس. لم تقتصر تجربتها على تلك الحادثة بل عملت في غرف الأخبار، ولصالح جمعيات خيرية عالمية كجزء من فريق مؤلف من أربع وكالات، وفي مدرسة أيضا. وبقي عملها مرتبطا بالمكتب رغم كل ما واجهته. تذكر كارولين أن المحرر قال لها “أنت موافقة على الحضور في هذا الوقت، أليس كذلك يا كارولين؟”، وتضيف “لم ينتظر ردي، وختم قدري للعمل في عيد الفصح. جاء التوقع بأن أكون موجودة لحضور دوام في العيد أو خلال عطلة نهاية الأسبوع، والذي غالبا ما يرد آخر لحظة، من افتراض أنه ليست لدي أي التزامات أخرى”. إن المهلة الممنوحة للوالدين العاملين هي اتفاقية مفهومة وتكون أحيانا مقبولة ولا تمتد إلى جميع الموظفين، وتتجاهل هذه الممارسة أسباب وجوب تقليص دوام العمال حتى إذا كانوا دون أطفال، لكن يمكن أن يحتاج الموظف إلى رعاية قريب مريض أو أحد الوالدين المسنين… ثم تأتي مشكلات الصحة العقلية التي تشكل تحديا صعبا وشاقا في الحياة العملية. ويتردد الشعور بأن رفاهيتك تحت الرادار، كما تسود التناقضات، حيث تأتي ساعات عمل الشخص المرنة على حساب شخص آخر، وتوضع احتياجات الناس ضد بعضهم البعض ليتحول المكتب إلى ساحة معركة يتقاتل فيها الموظفون ويتسابقون ليبدوا أكثر استحقاقا لساعات مخففة.وكانت المناسبات التي تمكنت فيها كارولين من العمل بمرونة مفيدة لرفاهيتها العقلية، مما أعطاها دفعة نفسية بفضل تحكمها في أجندتها وحياتها. وساهمت ممارستها للتمارين الرياضية خلال أوقات ملائمة والتواجد في الخارج في تدفق الأندورفين في جسمها، وهو هرمون يساعد على تخفيف الآلام ويعطي شعورا بالراحة والتحسن. وقد أثر ذلك إيجابيا على حالتها المزاجية بطريقة لم تشهدها أثناء عملها في مكتب لمدة ثماني ساعات. علاوة على ذلك، وبعيدا عن الثرثرة ومكالمات الآخرين قرب مكتبها، ازدادت إنتاجيتها. وتجد البروفيسورة شارون كلارك والدكتورة لين هولدسوورث، من كلية أليانس مانشستر للأعمال، علاقة مباشرة بين العمل المرن وانخفاض التوتر المهني. وفي تقريرهما لعام 2017، تحت عنوان “المرونة في مكان العمل: آثار ساعات العمل المرنة على الأفراد والفرق والمؤسسات”، تكشف المؤلفتان زيادة إنتاجية الموظفين الذين تمتعوا بدوام أكثر مرونة. ويحث التقرير على وجوب اعتماد هذه السياسة باستمرار. وفي السياق ذاته كشفت دراسة استقصائية دولية جديدة عن ارتفاع غير مسبوق لمستويات التوتر في المكاتب والشركات حول العالم، في حين تعاني النساء توترا وقلقا أعلى مما يعانيه الرجال. وصدرت الدراسة عن الشركة الدولية للتأمين الصحي، “Cigna”، حيث أظهرت أن 88 بالمئة من النساء يعتبرن العمل الذي يقمن به موترا، بينما سجلت نسبة أقل عند الرجال بلغت 85 بالمئة. وقامت الدراسة الدولية المسماة “Cigna 360 Wellbeing Survey” بتقييم الصحة العقلية والنفسية لأكثر من 13 ألف شخص في العالم، بينهم 507 من الرجال والنساء في دولة الإمارات العربية المتحدة. وكشفت النتائج عن ارتفاع مستويات التوتر في الشركات الواقعة في دولة الإمارات، من 35 بالمئة في 2018 إلى 45 بالمئة في العام الحالي، وعلى نطاق دولي، توصلت الدراسة الاستقصائية إلى أن أهم مسببات التوتر والضغط على العاملين هي إشكاليات التمويل الشخصي (بنسبة 17 بالمئة)، وضغط العمل (بنسبة 16 بالمئة)، وكذلك المشكلات الصحية (بنسبة 14 بالمئة).وتعاني النساء العاملات من رفاه فيزيائي أقل مقارنة بالرجال، حيث تكون عندهن ساعات نوم أقل وتنقص ممارستهن للرياضة في حياتهن اليومية، ما يعرضهن للمزيد من التوتر. كما وجدت الدراسة أن النساء العاملات يعانين بشكل أساسي من مشكلات التوفيق بين عملهن والتزاماتهن تجاه أطفالهن وعائلاتهن، الأمر الذي يعرضهن لضغط وتوتر أكثر من أي عامل آخر. وتوصلت الدراسة إلى أن مستويات التوتر العالية تؤثر بشكل سلبي على مدى راحة العاملين في مكاتبهم، كما تسهم كثيرا في تدني صحتهم الجسدية، حيث اقترحت “Cigna” على الشركات اتباع إجراءات هامة وعاجلة، كتلك التي تعزز الأمان الوظيفي للعاملين وتمنحهم وقتا إضافيا لحياتهم الشخصية.

مشاركة :