فشل اندماج "سينسبري" و"أسدا" يضع علامات استفهام حول مستقبل قطاع التجزئة البريطاني

  • 5/1/2019
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

يبدو التحليل الأولى لصناعة تجارة التجزئة في المملكة المتحدة غير مطمئن بالنسبة للكثيرين. فعديد من المتاجر تغلق أبوابها، وكثير من العمال يفقدون وظائفهم، والمبيعات في مواسم 2018 كانت الأسوأ في عشرة أعوام. باختصار كان العام الماضي عاما صعبا بالنسبة لمبيعات التجزئة في المملكة المتحدة. ومع رفض هيئة مراقبة المنافسة في المملكة المتحدة الاندماج المقترح بين سلسلتي متاجر البقالة البريطانيتين "سينسبري" و"أسدا"، تجدد الحديث مرة أخرى حول تأثير هذا القرار على مسار قطاع التجزئة البريطاني، ومستقبله خاصة في ظل الضبابية التي تحيط بعلاقة بريطانيا المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي. ففي مواجهة خيبة الأمل التي برزت في تصريحات كبار المسؤولين في السلسلتين التجاريتين، بدعوى أن الاندماج كان سيحقق فوائد عظيمة للعملاء، ويدعم النجاح المستدام طويل الأمد للأعمال، وفقا لتصريحات مدير سلسلة متاجر أسدا روجر بيرنلي، فإن مسؤولين كبار في الدولة وفي المؤسسات المدافعة عن حقوق المستهلك، رحبوا بالقرار لأنه يضع من وجهة نظرهم مصالح المجتمع على مصالح رجال الأعمال. ربما يكون السؤال الأول لماذا تريد سلسلتي متاجر البقالة البريطانيتين "سينسبري" و"أسدا" الاندماج؟ من جهته، قال الباحث الاقتصادي أندروا مار،: "باختصار الاندماج كان سيسفر عن إنشاء أكبر سلسلة متاجر في المملكة المتحدة، ومن بين كل ثلاثة جنيهات استرلينية تنفق على محال البقالة كان جنيه استرليني سيذهب إليهم، كما أن الاندماج سيخفض التكاليف ما يتيح لهما خفض الأسعار للمستهلكين، كما سيمكنهما من التصدي لمنافسيهما من محال البقالة منخفضة التكاليف، التي تشهد صعودا حاليا في الأسواق وتمثل منافسا حقيقيا لكل من سينسبري وأسدا". لكن تلك المبررات لم تجد قبولا لدى هيئة مراقبة المنافسة في المملكة المتحدة، فوفقا للهيئة فإن صفقة بقيمة 13.3 مليار جنيه استرليني، سينشأ عنها أكبر متاجر تجزئة من حيث الحصة السوقية، لتتجاوز بذلك سلسلة "تيسكو" التي تتصدر الأسواق. فلدى "سينسبري" 1400 فرع في المملكة المتحدة، من بينها 800 متجر صغير، بينما يمتلك "أسدا" أكثر من 600 متجر، والاندماج سيؤدي إلى تراجع المنافسة في محال السوبر ماركت وتسوق البقالة عبر الإنترنت، وكذلك في محطات البنزين التابعة لهما، والنتيجة ارتفاع في أسعار السلع، واحتمال وجود طوابير طويلة أمام المستهلكين. وحول تداعيات فشل عملية الاندماج على مستقبل سوق التجزئة البريطانية، تعلق الدكتورة جيل تيلر أستاذة الاقتصاد البريطاني في جامعة كامبريدج قائلة: "في الواقع هذا يعني أن أي خطط اندماج مستقبلية بين كبريات محال البيع بالتجزئة في البلاد، من غير المرجح أن تحدث، وأن هناك انحيازا حكوميا في تلك اللحظة للمزارعين، بعد المخاوف التي انتابتهم نتيجة أن يسفر الاندماج عن بروز قوة سوقية تسيء استخدام الآليات المنافسة، لأن منتجي المواد الغذائية كانوا قلقين للغاية من أن يؤدي الاندماج، إلى بروز كيان يستبعد الموردين الصغار، ويكون لديه القدرة على الضغط على الأسعار التي تدفع مقابل البضائع ، وأن يتأخر في الدفع". وهذا يكشف من وجهة نظر الدكتورة جيل تيلر على ملمح رئيس في السياسات الاقتصادية البريطانية المستقبلية، التي ستتضمن بالأساس مزيدا من الانحياز لفئة المزارعين، وذلك بسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي، إذ إن المزارع البريطاني يشتكي دائما من التحديات التي يواجهها من السلع الزراعية المستوردة من بلدان الاتحاد الأوروبي ذات التوجه الزراعي مثل اليونان وفرنسا وإسبانيا. لكن البعض يرى أن رفض الجهات الرسمية البريطانية صفقة الاندماج، يعد علامة فارقة تمثل إعادة التوازن المفقود لرأسمالية السوق الحرة. بدوره، قال لـ"الاقتصادية" كروميل دومينكان العضو الأسبق في هيئة مراقبة المنافسة: "الهيئة أرسلت رسالة قوية للشركات التي تخدم العملاء مباشرة، بأنها ستواجه عقبات كبيرة إذا كانت تريد المضي قدما في الصفقات التي تعود بالفائدة على المساهمين على حساب المستهلكين والموردين، ففي العقود الأخيرة حاولت سلطات المراقبة تجنب التدخل في الآليات الخاصة بالسوق الحرة". وأضاف: "لم تمنع عديد من الصفقات مثل استحواذ سلسلة متاجر "تيسكو" على تجارة الجملة "بوكر". لكن الأمر اختلف الآن، لإدراكها أن المستهلك قد يعاني من ارتفاع الأسعار نتيجة عمليات الاندماج، وهذا سيؤدي إلى تنامي الغضب الشعبي، خاصة مع إدراك الجهات الحكومية أن القدرة التنافسية الفطرية والتلقائية لأسواق البقالة وتجارة التجزئة، لا تستطيع في كثير من الأحيان الحفاظ على الحد الأدنى للأسعار، وذلك على الرغم من تعهد "سنسبري" و"أسدا" بتقديم مليار جنيه استرليني تخفيضات في الأسعار للمستهلكين إذا تم المضي قدما في الصفقة". لكن بعض من رجال الأعمال في المملكة المتحدة لا يخفون اعتراضهم على تلك السياسة، خاصة في المرحلة الراهنة، التي يشهد فيها قطاع الأعمال حالة من عدم الثقة في ظل عدم اتضاح الرؤية النهائية، فيما يتعلق بعلاقة المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبي. رجل الأعمال البريطاني جورج دنيس يرى أن صناعة التجزئة البريطانية صناعة تحت الضغط، وموقف هيئة مراقبة المنافسة يزيد الطين بلة على حد وصفه. ويؤكد لـ"الاقتصادية"، أن ثقة المستهلك انخفضت في النصف الثاني من عام 2018، ومع عدم اليقين بشأن مفاوضات خروج بريطانيا، والتباطؤ الاقتصادي العالمي والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، يظل المستهلكون حذرين، ومن جانب آخر التكاليف ترتفع، إذ بلغت الأجور أعلى مستوياتها في عشر سنوات في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، كما ظلت أسعار الأعمال والسلع مرتفعة. وقال: "تجارة التجزئة وكعديد من الصناعات تمر بمرحلة انتقالية في غاية الخطورة، ومن الأساليب التقليدية، إلى ما يعرف بالمتجر الرقمي، فإن بعض الشركات تزدهر، إلا أن بطء التأقلم يكافح من أجل البقاء، فمستويات الخصومات حاليا وصلت لمستويات قياسية، وشهدنا تسارعا في عدد عمليات إغلاق المتاجر، حيث حاول تجار التجزئة الذين يعانون من ضغوط كبيرة إعادة هيكلة أعمالهم، والعام الماضي أغلق 7500 متجر بزيادة قدرها 37 في المائة مقارنة بعام 2017 ". وحول المستقبل أضاف: "يبدو العام الجاري عاما غير مؤكد بالنسبة للمستهلكين في المملكة المتحدة. النظرة الاقتصادية الكلية إيجابية لزيادة الإنفاق الاستهلاكي، ومع ذلك من الصعب القول بكل تأكيد ما الذي سيحدث، بالنظر إلى أن ذلك يعتمد إلى حد كبير على طبيعة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي". ويرى خبراء التسويق أن مستقبل صناعة التجزئة البريطانية سيعتمد على الثورة التي ستشهدها المتاجر البريطانية. بدورها، تشير أوليفيا برونتي الباحثة المساعدة في مجال الاقتصاد الجزئي في جامعة غلاسكو إلى أنه في المستقبل سيكون هناك عدد أقل من المتاجر نظرا لزيادة التسوق عبر الإنترنيت، وسيتمكن تجار التجزئة من زيادة الاستثمار، لضمان تلبية تلك المتاجر لاحتياجات المستهلكين. وتقول: "نظرا لأن تجار التجزئة التقليديين يغلقون متاجرهم ويقللون محافظهم التجارية، فإننا قد نشهد موجة جديدة من المتاجر التي تفتح أبوابا لعلامات تجارية جديدة وخدمات جديدة وتجارب جديدة"

مشاركة :