ما الهدف من وراء كرة القدم؟ لماذا يتدفق الناس على الاستادات لمشاهدة فرق نادراً ما تقترب من المستوى المأمول منها، بل وأحياناً يبدو اللاعبون كأنهم يتحركون ذهاباً وإياباً بالملعب في نوع من «إثبات الحضور» فحسب؟ لماذا تستثمر الجماهير كل هذه الطاقة العاطفية في كيانات يمكن أن تقع في أي لحظة بأيدي أشخاص فاسدين أو يفتقرون إلى الكفاءة؟ ما المعنى من وراء ذلك؟الملاحظ أن الجماهير أصبحت تستشيط غضباً بسرعة هذه الأيام، لكن الشعور بالصدمة يتطلب وقتاً أطول للظهور. وهذه الأيام، تتصاعد صيحات استهجان داخل الاستادات أكثر مما جرت عليه العادة من قبل، في الوقت الذي توفر فيه شبكات التواصل الاجتماعي متنفساً عاماً لمشاعر سخط كانت ذات يوم محصورة داخل جدران الحانات والمقاهي، الأمر الذي ربما يسهم في تضخيم هذه المشاعر ويضفي عليها في بعض الأحيان طابعاً درامياً. ومع هذا، تبدو معدلات حضور الجماهير في الملاعب اليوم أكثر استقراراً بكثير مما جرت عليه العادة؛ فالناس لا تزال تتوافد على الاستادات.ومع هذا، استقر داخل ليدز يونايتد شعور بالصدمة؛ الأمر الذي انعكس على حضور الجماهير لمشاهدة المباريات والذين تراجعت أعدادهم من متوسط بلغ نحو 40 ألفاً خلال موسم 2001 - 2002، وهو الموسم التالي لوصول النادي للدور قبل النهائي ببطولة دوري أبطال أوروبا، إلى أقل من 22 ألفاً خلال موسم 2015 - 2016. ورغم حدوث ارتفاع في أعداد الجماهير داخل الملاعب خلال الفترة الأخيرة، فإن ما حدث هذا الموسم يبقى مثيراً للشعور بالصدمة. إلا إن مارسيلو بيلسا؛ المدير الفني لفريق ليدز يونايتد تمكن من منح ليدز يونايتد شيئاً كي يؤمن به من جديد.والمؤكد أن ما حدث أمام أستون فيلا، الأحد الماضي، عندما وجه بيلسا لاعبيه بالسماح بدخول هدف في مرماهم من أجل تعويض هدف سجلوه على نحو تعارض مع روح المباراة، سيرسخ جذور بيلسا بوصفه واحداً من الشخصيات الأسطورية التي مرت بتاريخ النادي. كان من شأن تحقيق الفوز الإبقاء على آمال ليدز يونايتد في الصعود التلقائي. لقد كانت تلك مباراة على قدر كبير من الأهمية. وحملت هذه البادرة من جانب المدرب تداعيات شديدة الخطورة.والآن، ماذا لو أن بيلسا لم يأمر لاعبيه بالسماح للفريق الخصم بتسجيل هدف التعادل؟ كان ذلك ليثير صيحات تنديد من بعض الدوائر، بجانب احتمالية انغماس جون تيري، مساعد مدرب أستون فيلا، في موجة غضب عارم حول قواعد اللعب النظيف. ومع هذا، فإن آخرين ربما كانوا ليقرروا أن بروتوكول إطلاق الكرة إلى خارج الملعب احتراماً لتعرض لاعب في فريق الخصم للإصابة، لم يكن ملائماً لهذه المباراة، وأنها كانت مسألة وقت فحسب قبل أن تشتعل هذه الفوضى.وربما كان ليحول البعض دفة الجدال باتجاه ستيوارت أتويل، الحكم الذي سبق أن صعد إلى الدوري الممتاز سريعاً، لكنه يعاني الفترة الحالية من سوء حظ بالغ رغم حسن نواياه. إلا إن بيلسا فضل عدم الفوز على هذا النحو. ونال الأرجنتيني بيلسا إشادة بالغة بتصرفه المثير وغير المعتاد في مباراة فريقه أمام أستون فيلا، الأحد، في ختام مباريات المرحلة الخامسة والأربعين قبل الأخيرة بالمسابقة. وفضل بيلسا الناحية الأخلاقية والروح الرياضية على النتيجة؛ حيث سمح للفريق المنافس بتسجيل هدف في مرمى فريقه حفاظاً على الروح الرياضية. وكان ليدز افتتح التسجيل في وسط الشوط الثاني من المباراة؛ عندما كان أحد لاعبي أستون فيلا مستلقياً على أرض الملعب للإصابة فيما كان لاعبو أستون فيلا يطالبون بتوقف اللعب لعلاجه.ووسط موجة الغضب التي اجتاحت لاعبي أستون فيلا والجماهير، طالب بيلسا لاعبيه بالتوقف تماماً في أماكنهم والسماح للاعبي أستون فيلا بتسجيل هدف التعادل بعد هدف ليدز مباشرة. وقال عدد من النقاد الرياضيين في بريطانيا: «بيلسا منح اللعبة محاباة رائعة... المدرب الأرجنتيني جلب العافية للكرة الإنجليزية المجنونة».ووجه الفرنسي آرسين فينغر المدير الفني السابق لآرسنال الإنجليزي شكراً كبيراً لبيلسا على هذه «اللفتة النبيلة». وقال فينغر في تصريحات إعلامية: «يلعبون من أجل العودة للدوري الإنجليزي (الممتاز)... العالم كله سينظر لهذه اللفتة النبيلة».وانتقد فينغر فريق أستون فيلا، مشيراً إلى أن لاعبيه المحترفين كان يجب ألا يتوقفوا عن اللعب بعد سقوط زميلهم مصاباً، خصوصاً مع مواصلة ليدز اللعب.وذكرت مصادر إعلامية مختلفة: «ليدز استفاد من توقف لاعبي أستون فيلا عن اللعب. أستون فيلا كان المخطئ في هذا... كان يجب ألا يتوقف أستون فيلا عن اللعب. لم تكن إصابة زميلهم في الرأس، كما أن الحكم واصل اللعب، وكان الأفضل للجميع أن يواصل الفريقان اللعب». وأشادت المصادر بتصرف بيلسا؛ لكنها تركت الباب مفتوحاً أمام الآراء حول مدى صحة هذا التصرف، ووصفت الوضع بأنه «منطقة رمادية».في أغسطس (آب) الماضي، توجهت لحضور مباراة يوركشاير أمام ورشستر في إطار «بطولة المقاطعة»؛ (كاونتي تشامبيونشيب)، في سكاربورو. وخلال وجودي داخل القطار في طريقي إلى هناك، دار الحديث ليس حول الكريكيت، وإنما بيلسا. داخل المدرجات، تحدثت مجموعة من الأشخاص في العقد الثامن من العمر بحماس نادر حول بداية ليدز يونايتد للموسم، وخاضوا مشقة بالغة حتى يتمكنوا من ضمان مشاهدة مباراة جرت ذلك المساء على ملعب سوانزي سيتي.وكان ذلك بعد انضمام بيلسا إلى النادي بشهر لم يفعل خلاله سوى إجبار لاعبيه على جمع القمامة كي يدركوا حجم الرفاهية الذي ينعمون به. وحتى تصريحاته العلنية وتعامله مع مترجمه سليم لامراني الذي طالت معاناته، اتسمت دوماً بالنزاهة. في الواقع، بيلسا ليس مدرب كرة قدم غريب الأطوار وصاحب رؤية ملهمة فحسب، وإنما يملك مبادئ أخلاقية لا يحيد عنها. ولهذا، أثارت مزاعم التجسس التي ظهرت في يناير (كانون الثاني) الماضي منه، رد فعل حاداً للغاية اقترب من التشنج العصبي.وفي ظل البيئة السائدة اليوم التي يكاد ينحصر خلالها الاهتمام بجني أكبر قدر ممكن من المال في أقصر فترة زمنية ممكنة، يدرك بيلسا جيداً فكرة كيف أن نادياً ما يمثل منطقة وسكانها، وأنه أكثر من مجرد تجمع لشخصيات شهيرة تخلق محتوى يحصد اهتمام شبكات التواصل الاجتماعي. ويدرك بيلسا جيداً ما تعنيه فكرة الدعم وأن يكون نادي كرة قدم ما جزءاً من إرثك؛ جزءاً من كينونتك. ويعي كذلك أنه في ظل مثل هذه الظروف، يشكل النجاح مجرد جزء مما هو مهم. وبغض النظر عما سيحدث خلال مباريات التصفيات، فلن تنسى جماهير ليدز يونايتد هذا الموسم أبداً، وستبقى في أذهانهم ذكرى الأيام التي عاد خلالها الحب إلى جنبات ناديهم. ومع أن بيلسا ربما لا يحقق انتصارات بالمعدل المطلوب، لكن ما قيمة الفوز إذا تحقق دون هذا المستوى من النبل؟
مشاركة :