تعمد إسرائيل والولايات المتحدة إلى فرض ضغوط مالية على السلطة الفلسطينية التي لا تزال المعارضة قوية في صفوفها لخطة السلام الأميركية المنتظرة وكذلك مشاعر الغضب من العقوبات الإسرائيلية. ويرى محللون في التخفيضات الحادة في المساعدات الأميركية للفلسطينيين في العام الأخير محاولة لدفعهم لقبول خطة تعد واشنطن بأن تتضمن فوائد اقتصادية، غير أن السلطة الفلسطينية تتنبأ بأنها لن ترقى إلى حد إقرار الدولة الفلسطينية المستقلة. وخلال حملة الدعاية في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي فاز فيها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فرضت حكومته اليمينية عقوبات دفعت بالسلطة إلى الأزمة المالية. وفي فبراير الماضي أعلنت إسرائيل أنها ستخفض بنسبة 5 بالمئة عائدات الضرائب البالغة 190 مليون دولار التي تحولها للسلطة الفلسطينية كل شهر عن واردات تصل عن طريق المنافذ الإسرائيلية إلى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة الذي تديره حركة حماس. وتمثل النسبة التي خفضتها إسرائيل المبلغ الذي تدفعه السلطة الفلسطينية، لعائلات الفلسطينيين الذين أصدرت إسرائيل عليهم أحكاما وسجنتهم. ورفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبول التحويلات الضريبية الجزئية من إسرائيل وقال إن من حق السلطة الفلسطينية الحصول على كامل الأموال بمقتضى اتفاقات السلام المرحلية. ويشير البنك الدولي إلى إنه ما لم يتم تسوية هذه المشكلة فإن العجز التمويلي لدى الفلسطينيين قد يتجاوز مليار دولار في 2019 الأمر الذي يفرض المزيد من الضغوط على اقتصاد يعاني من معدل بطالة يبلغ 52 بالمئة. ويواجه الفلسطينيون شعور المانحين الدوليين بالإرهاق المالي وقد تلقوا ضربة كبيرة من جراء قرار إدارة ترامب قطع مساعدات بمئات ملايين الدولارات في العام الماضي. وأعلنت الوكالة الأميركية في فبراير للتنمية الدولية أنها أوقفت كل المساعدات للضفة الغربية وقطاع غزة. وفي حين أن كلا من الولايات المتحدة وإسرائيل تمارس ضغوطا مالية على السلطة الفلسطينية لأسباب مختلفة فإن ذلك يحدث في وقت تواجه فيه السلطة الفلسطينية ضغطا لقبول خطة السلام الأميركية. ورغم لي الذراع فإن الفلسطينيين يشعرون بشكوك عميقة إزاء المقترحات الأميركية التي لا تزال طي الكتمان والمقرر أن تعلن في يونيو كما أن تحديهم للعقوبات الإسرائيلية مترسخ. وقال خالد العسيلي وزير الاقتصاد الوطني في السلطة الفلسطينية في إن السلطة تكافح لمواصلة أداء مهامها بإيرادات تمثل 36 بالمئة فقط من الإيرادات الواردة في الميزانية. وخفضت السلطة مرتبات موظفي الحكومة في أشهر فبراير ومارس وأبريل للتكيف مع أزمة الميزانية كما تم خفض رواتب بعض الموظفين الفلسطينيين بمقدار النصف. وقال العسيلي “إذا لم يجدوا حلا فستكون كارثة على الاقتصاد الفلسطيني”. ومع اقتراب الكشف عن “صفقة القرن” التي يعدها ترامب شكك طارق باقوني المحلل لدى مجموعة الأزمات الدولية في الحكمة من ضغوط واشنطن المالية على الفلسطينيين.واعتبر أن هذه الاستراتيجية تنبع من “الاعتقاد الخاطئ أن الفوائد الاقتصادية قد تكون جذابة بما يكفي لدفع الفلسطينيين إلى التخلي عن مطالبهم السياسية”. وفي تصريحات عامة في واشنطن الأسبوع الماضي امتنع أحد مهندسي خطة ترامب، وهو جاريد كوشنر مستشار الرئيس وصهره، عن قول ما إذا كانت الخطة تدعو لحل الدولتين وهو الحل الذي استهدفته الجهود السابقة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ورفض عباس ومسؤولوه التعامل على المستوى السياسي مع إدارة ترامب منذ اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل في العام 2017 ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة المقدسة في مايو الماضي. وبدوره رفض رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية تماما دخول الفلسطينيين “في عملية سياسية لا تلبي الحد الأدنى من حقوقهم والمتمثلة في دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 1967، مع القدس عاصمة لها وحل عادل لقضية اللاجئين”. وفي الوقت الذي ينتظر فيه الطرفان المقترحات الأميركية من المحتمل أن تشكل العقوبات المالية تحديا للسلطة الفلسطينية. وتفاقم الأزمة المالية متاعب الفلسطينيين. وفي مدينة رام الله بالضفة الغربية قال كاظم حرب (50 عاما)، الذي يعمل موظفا بوزارة الاقتصاد في السلطة الفلسطينية ولديه أربعة أبناء أكبرهم بنت في الجامعة، إن تخفيض المرتبات أرغمه على إرجاء سداد قروض. وقال “نعمل على اختصار كل شيء. نشتري فقط الأشياء الأساسية”. وأضاف “لم أتمكن من دفع قسط ابنتي في الجامعة وقلت لها أن تؤجل الفصل الدراسي”. وقال ضابط في الشرطة في غزة، طلب تعريفه بالاسم الأول أحمد فقط، إن مرتبه خُفض بنسبة 65 بالمئة في مارس. ووصف أحمد (39 عاما) التخفيضات بأنها “كارثية” وقال “لم أقدر على دفع مصاريف الجامعة لابني في هذا الفصل الدراسي”. وتدخلت دول ومؤسسات مانحة لمحاولة سد العجز المتزايد في الميزانية الفلسطينية. وبطلب من عباس عقدت الجامعة العربية اجتماعا في القاهرة الأسبوع الماضي حصلت فيه السلطة الفلسطينية على وعد بالحصول على 100 مليون دولار شهريا. وستضاف تلك الوعود إلى زيادة في الأموال المحوّلة من دول الخليج العربية في أعقاب التخفيضات الأميركية. فقد قال البنك الدولي إن السعودية قدمت 222 مليون دولار للسلطة في العام الماضي ارتفاعا من 92 مليونا في 2017. وقدمت الكويت 53 مليون دولار في العام الماضي. ومع ذلك فقد واجهت السلطة الفلسطينية فجوة تمويلية كبيرة في 2018 تبلغ حوالي 400 مليون دولار أي نحو 10 بالمئة من ميزانيتها الأمر الذي فرض عليها متأخرات عن قروض من البنوك المحلية وغيرها من ممولي القطاع الخاص.
مشاركة :