في عمله الأحدث “مسافة أمان” يوغل المخرج السوري الليث حجو في عمق الأزمة السورية الراهنة، فيقدم عملا فنيا قائما على شبكة من العلاقات الاجتماعية التي شابها الكثير من التشوّه والانحراف، فوصلت بالمجتمع إلى أماكن شديدة الخطر والغربة. وفي المسلسل الذي كتبته إيمان السعيد الكثير من أعباء الفوضى التي تعيشها المجتمعات العربية عموما في فترات ما بعد الحرب، وهو يقدم سبرا عميقا لبعض شخوص المجتمع السوري تحديدا، من الذين تأثروا بما يجري. و”مسافة أمان” من بطولة ثلة من ألمع نجوم الدراما السورية على غرار: كاريس بشار وسلافة معمار وعبدالمنعم عمايري وقيس الشيخ نجيب وندين تحسين بك وجرجس جبارة وهيا مرعشلي وآخرين. “العرب” زارت موقع تصوير المسلسل السوري، وحاورت الليث حجو حول عمله الجديد، فسألته أولا، لماذا “مسافة أمان”، وما القصد من هكذا عنوان؟ فأجاب “في أي مجتمع عانى من الحرب يصبح كل شيء خطرا، بل وأخطر من فترة الحرب ذاتها، بسبب العلاقات المتشابكة والمشوهة التي تنتج عنها، فتصبح طبيعة المجتمع مليئة بالفوضى من ناحية علاقات الحب والعمل والحياة التي تشوبها الأخطاء، ونحن محاطون بالأخطار نتيجة هذه الفوضى العارمة التي خلفتها الحرب”.ومن هناك، يؤكد حجو “يحاول كل شخص منا أن يصنع لنفسه مسافة أمان بينه وبين هذه الأخطار، ليحمي نفسه من ارتدادات هذه المرحلة الحرجة، والعمل يطرح هذه الأسئلة، هل نجح أحد منا في وضع مسافات الأمان تلك؟ أعتقد أن مسافة الأمان التي وضعها كل منا وهمية، فليست هنالك مسافة أمان تحمينا من الفوضى التي وصلنا إليها”. وفي عمله الأحدث يخرج حجو عن مساره الفني المعهود الذي لا يقدم فيه إجابات عادة، ويكتفي بطرح الأسئلة، لكنه في العمل الحالي يقدم حالة خاصة تتمثل في تقديم رؤى جديدة لطرحه، فيقدم أجوبة محددة، وعن ذلك يقول “لا أقدم أجوبة في أعمالي، لكنني وجدت نفسي مضطرا هنا إلى انتهاج أسلوب جديد، لأن النتائج التي نتحدث عنها في العادة قد صارت حقيقية، معيشة في تفاصيل حياتنا اليومية، لا نراها فحسب، بل نعيشها، وجدت أنه من الضروري وضعها في سياق العمل، النتائج واضحة وجلية في علاقات الحب والعائلة والعمل وكل تفاصيل الحياة”. ويضيف “اليوم نحن في لجّة الخطر بكل أنواعه الاجتماعي والاقتصادي وغيره، الفوضى تحكم علاقات المجتمع بأكمله، ونحن نعيش ضمن حالة طارئة، تحمل الكثير من الجديد والغريب والخطر بالطبع، هذا لا يعني أننا انتهينا، فهناك فسحة من الأمل، وهو الذي نصبو إليه جميعا، وهو الذي يجب أن يحركنا إلى الأمام، ولكنه يضعنا أمام خيارات صعبة وحاسمة، فإما أن نبقى على ما نحن فيه ونعيش فترة أطول في الأزمة والفوضى، وإما نخرج منها ونرحل إلى الأمان، نحن في هذا العمل نسير نحو نهاية محددة تتجلى في الجواب، فالنهايات المفتوحة التي كانت هاجسي دائما، تخليت عنها هنا، لأننا نقدم جوابا عن مرحلة نعيش فيها نتائج قاسية نجمت عن الحرب”. ويتميز أسلوب عمل الليث حجو بالبحث عميقا في أغوار النفس البشرية، وهو يسعى سواء في أعماله التراجيدية أو الكوميدية إلى تقديم حالات إنسانية عميقة، وفي عمله الأحدث لا يزال يسير على هذا النهج “الفن بالنسبة لي هو وسيلتي وهدفي الأبعد للوصول إلى عمق الإنسان، وإلّا تحوّل العمل الفني إلى تسلية، وهو نمط فني لست ضده وله أجواؤه ومتابعوه الذين أحترم رأيهم، لكنني أفضل أن أقدم أعمالا لها بعد فكري، إن الإنسان هو هدفي الأول والأخير”. وفي “مسافة أمان” لن يخرج حجو عن هذا المنحى، ويؤكّد “أرى أن كل العناصر من إضاءة وديكور وملابس وطبعا العنصر الأهم وهو الممثل وأيضا الشكل الإخراجي، مسخرة لإيصال الفكرة التي هي هدف الجميع، وأرى أن البساطة في الطرح هي الأهم هنا، وتحتاج إلى جهد أكبر، فالإبهار البصري يخفي عيوبا أحيانا، أنا مع فكرة أن يكون هنالك توازن فني إبداعي يجمع بين كل هذه العناصر، ويخلق بينها هارموني محدد وفق رؤية واضحة وبسيطة، لأكون أمينا من خلالها على نقل الأفكار الموجودة في النص، إني أعمل على إيجاد خطاب مع المشاهد بلغة بصرية فيها إغراء بصري، خاصة في ظل وجود منافسة بصرية عنيفة مع الكثير من الأعمال الفنية الموازية”. ويملك الليث حجو هاجسا سينمائيا يغيب حينا ويظهر حينا آخر، وهو الذي نفذ جزءا منه قبل سنوات من خلال عمل سينمائي وثائقي حمل عنوان “نوافذ الروح”، كما قدم حديثا فيلما روائيا قصيرا مع الكاتب رامي كوسا حمل عنوان “الحبل السري”. ويقول المخرج السوري عن حلمه السينمائي “عندما قدمت مسلسل «أهل الغرام» وبعض لوحات «بقعة ضوء» كثيرا ما ردد بعض الأصدقاء والمحبين أن هذه الأعمال تحمل شكلا سينمائيا، فأغرتني فكرة تقديم أعمالي التلفزيونية ببعد سينمائي، وحملت هاجس العمل في السينما حتى نفذت أخيرا فيلم «الحبل السري»، الذي أعجبتني فكرته وناسبني الشرط الإنتاجي والوقت، فنفذت العمل وحقق النجاح لدى عرضه، لست شغوفا بمسألة المهرجانات بمقدار شغفي بالسينما في حد ذاتها، لأنها عالم جميل أحمل فيه أحلاما كبيرة”.
مشاركة :