الصين تتجه لتحرير قطاع مالي قوامه 44 تريليون دولار بدمجه في المنظومة العالمية

  • 5/2/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

عندما تتخذ الصين خطوات ملموسة لتحرير قطاعها المالي، فإن المؤسسات المالية الدولية لن يكون أمامها من خيار غير الترحيب بتلك الخطوات، والاستعداد لاقتحام الأسواق الصينية بكل ما تملك من قوة. فالأمر لا يتوقف فقط على أن الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلا أن الأكثر أهمية أن القطاع المالي الصيني يقدر بنحو 44 تريليون دولار. ومع إعلان السلطات المالية الصينية عن خططها لإزالة القيود المفروضة على ملكية البنوك المحلية، فإن تقديرات كثير من المختصين تشير إلى أن النظام المالي العالمي يقف على أعتاب قفزة عملاقة تجاه المستقبل، تشهد مزيدا من الاندماج الصيني في المنظومة الرأسمالية العالمية. ترمي الصين من وراء تلك الخطوة، التي تتضمن إصدار 12 قاعدة جديدة، إلى تحسين إدارة القطاع المالي عبر الآليات التنافسية، فالقطاع المالي الصيني في شقيه المصرفي أو شركات التأمين لا يزال مرتبطا بسلسلة من القيود، تحول عمليا دون دخول البنوك الدولية وشركات التأمين العالمية الأسواق الصينية. المشكلة الحقيقية أن تلك القيود تمتد آثارها بشكل أو آخر لتؤثر في قدرة اندماج الاقتصاد الصيني بمعدلات سريعة في المنظومة الدولية، خاصة في ظل الدور الذي يقوم به القطاع المالي بوصفه حلقة الوصل بين المفاصل المختلفة للاقتصاد الوطني، وبين الاقتصاد المحلي والأسواق الدولية. وستمتد التغيرات التي ستشهدها الصين إلى قطاعات أخرى، مارس عديد من القوى الاقتصادية ضغوطا على الصين لتحريرها، أحد أبرز تلك القطاعات سيكون قطاع التأمين، حيث سيسمح لشركات التأمين الدولية بفتح فروع لها في الصين. بول جيرارد المختص المالي يعد تلك الخطوات سيتجاوز تأثيرها الاقتصاد الصيني، وسيمتد إلى النظام المالي العالمي على الأمد الطويل، لكنه في الوقت ذاته يحذر من الإفراط في التفاؤل السريع بشأن الخطوات الصينية. ويضيف لـ«الاقتصادية»، أن "الخطوات الصينية تأتي في اطار الجهود الرسمية لتحرير الاقتصاد الوطني، لكنها تعد أيضا نتيجة طبيعية للضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية على الصين". ويشير جيرارد إلى أن "الصين سمحت منذ عدة أشهر للشركات الأجنبية، بأن تكون لها حصة الأغلبية في المشاريع المشتركة في سوق الأوراق المالية المحلية، لكن التغيرات المقبلة ستكون أكثر خطورة، لأنها ستسمح بالاستحواذ التام على البنوك المحلية، وهذا لا شك سيحدث تغيرات جوهرية في بنية النظام المالي الصيني، لكن سيكون علينا الانتظار لسنوات وربما عقد أو عقدين، حتى تتحول أسواق المال الصينية إلى أسواق شبيهة بنظيرتها الأوروبية أو الأمريكية". لكن بعض المختصين المصرفيين يرجحون ألا تشهد الأسواق المالية الصينية، هجمة ضخمة من المؤسسات المالية الدولية بشكل عاجل وسريع، ويرجع ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية الراهنة في الصين. فالضغوط الاقتصادية سواء بطء النمو الاقتصادي، أو زيادة الدين العام، أو تنامي حصة الديون المعدومة والمتعثرة من إجمالي الديون المحلية، كلها عوامل تفقد الأسواق الصينية بعضا من جاذبيتها المعتادة. ويراهن بعض المختصين على أن الضغوط الأمريكية ربما تدفع الصين إلى مزيد من تقديم التنازلات لرؤوس الأموال الدولية، وهو ما يدفع المؤسسات المالية الكبرى إلى التمهل قبل اتخاذ قرارات استثمارية ضخمة في القطاع المالي الصيني. ويعتقد الدكتور جون بيست أستاذ الاقتصاد الآسيوي في جامعة ليدز، أن الخطوات الصينية مهمة في مجال تحرير القطاع المالي لديها، لكنها تفتقد البيئة التي تسمح للمؤسسات المالية والبنوك الغربية بالانخراط السريع في القطاع المالي الصيني، ومن دون اكتمال تلك البيئة لن تحقق القرارات الصينية النتائج المرجوة. ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "البنوك الغربية سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية اعتادت العمل ضمن بيئة اقتصادية تعتمد على عنصرين أساسيين، هما الشفافية والتنافسية، وتلك البيئة لا تزال غائبة في الصين إلى حد كبير، والأمر لا يتوقف هنا على أن الشركات المحلية تسيطر على 90 في المائة من السوق المحلية، لكن النظام البيروقراطي الصيني والتداخل بين الحزب والدولة ورجال الأعمال، يجعل المستثمرين الغربيين غير قادرين على التعامل بسلاسة مع النظام المالي الصيني". ويرى بيست أنه "كما أن المؤسسات المالية والبنوك الغربية في حاجة أيضا إلى بعض الوقت لدراسة مدى جدية الصين في المضي قدما في تلك الإصلاحات، لأن هناك مخاوف حقيقية من ألا تكون تلك الخطوات أكثر من محاولة لاستيعاب الضغوط التي تمارسها واشنطن على الصين حاليا، وأن يتم تقليصها أو حتى التراجع عنها في وقت لاحق". إلا أن أبرز ما قد تتضمنه الإجراءات الصينية المرتقبة هو إلغاء اشتراط امتلاك البنوك الأجنبية التي ترغب في افتتاح فرع لها في الأسواق الصينية مبلغ 20 مليار دولار أو عشرة مليارات دولار للبنوك التي ترغب في الاندماج محليا في الصين، ويراهن بعض المختصين المصرفيين على أن تلك الخطوة قد تسمح بدخول لاعبين صغار إلى القطاع المالي الصيني في بداية الأمر، قبل إقدام الشركات الدولية على الاستثمار بقوة في القطاع المالي الصيني لاحقا. ورحب كيني مور المختص المصرفي والاستشاري السابق في بنك إنجلترا، بالإجراءات الصينية ويقول لـ"الاقتصادية"، "إنه ستتم إزالة متطلبات احتفاظ البنوك الأجنبية بمبالغ مالية فلكية لإنشاء بنوك أو فروع لها في الصين، وكذلك ستلغى أو تقلص شروط امتلاك المؤسسات المالية الأجنبية حصصا في الشركات الاتئمانية. والسلطات المالية الصينية أكدت أنها ستتعامل مع جميع الكيانات المحلية والخارجية على قدم المساواة، وستسمح القواعد الجديدة للمؤسسات المالية في الخارج بتملك حصصا في شركات التأمين ذات التمويل الأجنبي العاملة في الصين. وستخفف القيود المفروضة على المساهمين الصينيين في البنوك المشتركة، بينما سيلغى شرط أن يكون المساهم الصيني الوحيد أو الرئيس في المؤسسات المالية". باختصار، يرى كيني مور المختص المصرفي، أن السلطات الصينية تعمل على إثراء قطاعات السوق المختلفة، عبر تحفيز قوى السوق بتحرير القطاع المالي، وهذا سيكون مشجعا لعديد من رؤوس الأموال الدولية الصغيرة للاندفاع والاستفادة من الفرص الإيجابية الناجمة عن الخطوات الأولى لعملية التحرر المالي للأسواق الصينية، لكن لكي تحقق تلك العملية نتيجة حقيقية، فإن البنوك الدولية الكبرى لا بد أن تتدخل في مرحلة تالية، لتثبيت المشهد الاستثماري الصيني، والأهم منح الصين ختما حقيقيا بأن عملية التحرر المالي تسير على قدم وساق وفي الاتجاه الصحيح

مشاركة :