تقييم واقع التعليم العالي .. وآفاق المستقبل

  • 5/2/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

ليس "التنافس على التميز" هو فقط ما يشغل بال الجامعات حول العالم في عملها على تحقيق منجزات تتطلع إليها والوصول إلى مكانة تنشدها، بل إن "التعاون والشراكة المعرفية في العمل على تحقيق التميز المشترك" في الإنجاز هو أيضا مسألة مهمة في تحقيق الطموحات، خصوصا مع تفكك الحدود المعرفية وسهولة انتشار المعرفة بكفاءة وفاعلية عبر "العالم السيبراني". ومن باب الشراكة المعرفية، ولكن على المستوى الشخصي، أرسل إلي الزميل العزيز "الدكتور خالد الشلفان"، الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وثيقة حديثة صادرة عام 2019 تختص "بتقييم وتصنيف أنظمة التعليم العالي" في "50 دولة حول العالم" بينها السعودية الدولة العربية الوحيدة المطروحة في التقييم. والجهة التي أصدرت الوثيقة هي "تحالف جامعي" يهتم بالتعاون والشراكة بين الجامعات على مستوى العالم. وغاية هذا المقال هي التعرف على هذا التحالف، وعلى معطيات الوثيقة الصادرة عنه، وتقديم بعض المرئيات بشأنها. يحمل "التحالف الجامعي"، الذي أصدر الوثيقة، اسم "يونيفرسيتاتس-21 Universitas-21"، حيث يمثل العدد "21" القرن الـ 21. أما كلمة "يونيفرسيتاتس Universitas" فتعود في أصلها إلى "اللغة اللاتينية"، لغة "روما" القديمة، وتحمل معنى "الجمع أو الكل"، ومنها اشتقت كلمة "جامعة" University. تم تأسيس هذا التحالف في مدينة "ملبورن Melbourne في "أستراليا" عام 1997، وكان عدد الجامعات المؤسسة له "11 جامعة". ويبلغ عدد الأعضاء فيه في الوقت الحاضر "27 جامعة"، موزعة على "17 دولة" في كل من: أستراليا؛ نيوزيلندا؛ وآسيا؛ والولايات المتحدة؛ وكندا؛ وأمريكا اللاتينية؛ وأوروبا؛ وبريطانيا"؛ وليس بين أعضاء هذا التحالف الجامعي أي من الجامعات العربية. يسعى التحالف إلى تمكين أعضائه من التعاون والشراكة المعرفية العابرة للحدود والممتدة على مستوى العالم بأسره. ويقوم بتحقيق ذلك عبر برامج ونشاطات ومبادرات مشتركة بين الجامعات الأعضاء، حيث تتمكن كل جامعة من تحقيق منجزات لا تستطيع تقديمها بمفردها أو حتى من خلال الاتفاقيات الثنائية مع جامعات أخرى. وتتيح جامعات التحالف لطلابها إمكانات التحرك فيما بينها، والدراسة في برامجها المشتركة، دون متاعب تعديل المقررات وإطالة زمن الدراسة. كما تعمل أيضا على تفعيل إمكاناتهم وتأهيلهم للتوظيف في وظائف مناسبة؛ وتركز، في هذا المجال، على تعزيز توجهات الابتكار في التعليم. وتهتم قبل ذلك وبعده بدعم الشراكات البحثية في مختلف المجالات، حيث تتجدد المعرفة لتقدم فوائد غير مسبوقة. وللبحث العلمي في هذا التحالف أهمية خاصة، لأن جميع أعضائه من الجامعات التي ينظر إليها كجامعات بحثية. "جامعة ملبورن" الأسترالية، التي انطلق منها التحالف المطروح هنا، هي الجهة المسؤولة عن الإصدار السنوي "لوثيقة التقييم"؛ والإصدار الحالي لعام 2019 هو الإصدار الثامن لهذه الوثيقة. يشمل التقييم "أربعة محاور" رئيسة: محور "المصادر المتاحة" Resources؛ ومحور "البيئة" Environment؛ ومحور "التواصل" Connectivity؛ ثم محور "المخرجات Output. ويعطي التقييم كلا من المحاور الثلاثة الأولى وزنا نسبيا في التقييم النهائي قدره "20 في المائة"؛ أما المحور الرابع، وهو محور "المخرجات"، فله في التقييم النهائي وزن يبلغ "40 في المائة". وتصنف الوثيقة الدول الـ50 التي تقيمها تبعا لكل محور من المحاور الأربعة؛ وكذلك تبعا لإجمالي المحاور على أساس أوزانها النسبية. يشمل محور "المصادر المتاحة" خمسة مؤشرات رئيسة تتعلق "بالإنفاق على التعليم العالي" آخذة في الاعتبار حجم الناتج المحلي وحجم السكان والطلاب والعاملين في البحث العلمي. ويتضمن محور "البيئة"، خمسة مؤشرات أيضا، يتفرع أحدها إلى ثلاثة مؤشرات فرعية. وتركز مؤشرات البيئة على ثلاثة جوانب رئيسة: جانب سياسات وأنظمة وإدارة وبيانات التعليم العالي؛ وجانب استجابة التعليم العالي لمتطلبات التطور الاقتصادي؛ ثم جانب وجود المرأة كطالبة ومدرسة في التعليم العالي. أما محور "التواصل" فله ستة مؤشرات، ترتبط بثلاثة جوانب رئيسة: جانب الشراكة المعرفية التطبيقية، بما يتضمن نقل المعرفة إلى الشركات لتوظيفها والاستفادة منها، والنشر العلمي مع باحثي هذه الشركات؛ وجانب الجاذبية والشراكة المعرفية الأكاديمية، ويشمل حجم الطلاب الأجانب، والبحوث المنشورة بمشاركة خارجية؛ إضافة إلى جانب الموقع على الإنترنت وكفاءته. ونأتي إلى المحور الأخير، وهو محور "المخرجات"، المحور الأعلى وزنا في التقييم الإجمالي، ويتضمن تسعة مؤشرات، ترتبط بثلاثة جوانب رئيسة: جانب البحث العلمي بما يشمل مخرجاته حجما وأثرا، والعاملين فيه والمستفيدين منه؛ وجانب مكانة الجامعات على المستوى الدولي؛ ثم جانب الحاصلين على فرص للتعليم العالي، ونسب خريجي التعليم العالي بين السكان. ولعله لا بد من وقفة هنا أمام ثلاث ملاحظات رئيسة تشمل: صدقية التقييم؛ وحداثته؛ ومدى شمولية مشهد التقييم. فصدقية أي تقييم تستند إلى توافر البيانات من جهة، وإلى مدى الثقة بمصادرها من جهة ثانية. ولعلنا نفترض أن لدى التقييم المطروح البيانات اللازمة، وأن مصادرها موثوقة؛ والسبب في ذلك أن التقييم صادر عن مؤسسة أكاديمية مرموقة لا تغفل عن ذلك. أما حداثة التقييم، فصحيح أن التقييم صادر عام 2019، إلا أن كثيرا من بياناته تعود إلى عامي 2015 و2016، ولعل سبب ذلك أن هناك مشكلة في مسألة وجود تحديث مستمر للبيانات لدى كثير من الدول. ونأتي إلى شمولية مشهد التقييم، فلا شك أن التعليم أوسع من أن يقيم بما مجموعه "27 مؤشرا"، لذا يمكن النظر إلى التقييم المطروح على أنه إلقاء للضوء على بعض الجوانب الأساسية للتعليم العالي في "50 دولة رئيسة" حول العالم. إذا نظرنا إلى نتائج التقييم الخاصة بالمملكة نجد أنها حازت في التقييم الإجمالي المركز الـ"22" بين "الدول الرئيسة الـ 50" التي تم تقييمها؛ وأنها حازت المركز "السابع" في محور "مصادر الدعم المتاحة". ولعله من المفيد دراسة كل من مكامن القوة ومواطن الضعف في نتائج مؤشرات التقييم، للعمل على تحديد السياسات اللازمة لتفعيل القوة ومعالجة الضعف، وربما دخول بعض التحالفات الجامعية المتقدمة والاستفادة من تجارب الآخرين، وصولا إلى نظام تعليم عال أكثر تقدما يلبي احتياجات التنمية ويعزز استدامتها ويضع المملكة في مركز عالمي متقدم

مشاركة :