أدب الخيال العلمي والفانتازيا على مائدة ملتقى الرواية

  • 5/3/2019
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

تمثل رواية "قطط العام الفائت" للروائي إبراهيم عبدالمجيد حالة توثيقية لأحداث وقعت افتراضيا، زاد من واقعيتها فن البناء المعتمد، وفتنة السرد الخفية. هكذا رأي الباحث د. حمدي النورج رواية عبدالمجيد التي صدرت عام 2017 واختارها ليدلل على التخييل التاريخي وفانتازيا البناء ضمن أبحاث ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي "الرواية في عصر المعلومات" الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة خلال الفترة من 20 – 24 أبريل/نيسان 2019. وفي الجلسة التي رأسها د. السيد فضل أشار النورج إلى أن الرواية تذهب في الاعتماد على التخييل التاريخي الذي يستوثق من الحدث التاريخي ثم يضيف عليه بناء تخيليا جديدا، فلا هو ينكر الواقعي ولا يفترض أحداثا لم تقع، إنه يتكيء على الحقيقة ليقدم بناء جديدا وأحداثا مفترضة، وعلى ذلك فإن أول ما يجليه البحث هو آلية التخييل الروائي وسماتها الحاضرة داخل النص الروائي وحدودها، وكيف هي واقعة في نص إبراهيم عبدالمجيد، وصور هذا التخييل تنميطيا. ويوضح الباحث النورج أن الرواية اعتمدت أيضا البناء الأليجوري مع سعي لأسطرة الواقع في حالة من الموازاة الرمزية المبتدأة من أسماء الشخوص، وصولا إلى نوعية الحدث بكل تفاصيله (وقائع، أحداث، تاريخ، أزمنة، شخوص، نتائج، وسائل .. ) في عرض مواز للواقع، وهنا يأتي الافتراض البحثي، وهو ما حدود الإفادة من التناصيات السياسية داخل العمل الروائي؟ وكيف تسمح التنوعات البنائية داخل البناء السردي للرواية عامة بالإفادة من التقنيات المرئية الجديدة: (تقنيات كتابة السيناريو، تقنية المونتاج والتقطيع، تقنيات اللقطات التصويرية من خلال لعبة الكاميرا، البناء السردي الفلمي ..)؟ ويبين النورج أن بناء الحدث السياسي في صورة فانتازيا ماكرة، تقدم الواقع وتفتح آفاقا شتى من القراءة والمراجعة، فالكاتب يوظّف الاغتراب الجمالي ضمنا في بنية الفانتازيا بغية التحرر والكشف وقراءة الأحداث في صورة تحليلية جديدة عبر بنية روائية جذابة، ومن ثم يفترض أن يكون هذا السلوك الروائي الجاد تحرى منطلقا بحثيا ضمن مباحث البحث في رواية "قطط العام الفائت". ولأن التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة متجلية الآن نمطيا وتفاعليا في حياتنا – حسب النورج – فإن الرواية تثبت مضارعة آفاق الشباب الذين نشأوا في عالم الألعاب الإلكترونية، ويستطيعون بناء فضاء وتقويضه بكبسة زر، فالرواية توظف هذه الإمكانات داخل أحداثها ومتنها السردي. ويوضح الباحث أن عالم الفيسبوك وتغريدات التويتر والهواتف المحمولة وإعادة ضبط آلة الزمن، تمثل فضائل الإبداع في تفعيل الحس التاريخي والحس الواقعي والحس التخييلي، مع اعتماد الرواية أكثر من مستوى لغوي استهلاكا للإفادة الممكنة من كل التقنيات، ومن ثم يأتي الافتراض البحثي حول سمات الكتابة الروائية في "قطط العام الفائت" ودور التكنولوجيا في البناء الروائي. وأشار الباحث إلى جملة مباحث توضيحا لخطته ومنهجه أثناء تناول رواية عبدالمجيد ومنها: بنية التخييل التاريخي، الفانتازيا والتناصيات السياسية، الآليات النصية القديمة والحديثة (الإحالة – الوسائط المتعددة) والاغتراب الجمالي وتفاعله داخل الرواية. وعن تأثير وسائط الاتصال الحديثة على رواية الخيال العلمي والفانتازيا كان بحث الناقد شوقي بدر يوسف الذي قال: إن التطور الهائل الذي شهده العالم من ناحية ثورة الاتصالات الحديثة التي حولت العالم كله بأرضه وفضائه إلى ما يشبه قرية صغيرة للغاية تتواصل فيها كل السبل في شتى المجالات، قد انعكست خطوطه العريضة على كل مناحي الحياة سياسيا واقتصاديا وأدبيا، وقد حظيت فنون السرد في مجالي الرواية والقصة القصيرة على قدر كبير من تأثير هذه الوسائط من ناحية الشكل والمضمون، حيث يعتبر العلم في أدبيته الحديثة عنصرا حكائيا أساسيا يتميز كثيرا عما كانت تحكيه الفانتازيا في أنساقها العجائبية الخاصة، التي ربما كانت هي الإرهاصة الأولى لأدب الخيال العلمي الحديث، والذي شهد مولده ربما يكون في بعض محكيات "ألف ليلة وليلة" العجائبية المتخيلة، التي كانت تمثل نوعا من الخيالات واللامعقول في متخيلها الخاص، فإذا بالعلم الحديث قد حوّل بعض فنون الفانتازيا وأحلامها إلى واقع ملموس انعكست دقائقه على محكيات ومرويات حداثية في أدب الخيال العلمي المعاصر. ورأى شوقي بدر يوسف أن روايات الخيال العلمي أثبتت بفاعليتها حضورا في المشهد الروائي المعاصر حيث دار كثير من موضوعاتها وتيماتها حوال العوالم الكونية والفيزيائية ووسائط الاتصالات الحديثة، الأمر الذي أثرى أدب الخيال العلمي بهذه الجوانب والوسائل المعرفية المعتمدة على صياغة الخيال لبناء واقع متخيل يستمد عناصره من الواقع المعيش المعتمد على وسائل الاتصالات المختلفة بدءا من التليفون وحتى الإنترنت حيث تلعب المخيلة الروائية في طرح عديد من الموضوعات المتصلة بالعلم في متخيلها الروائي في نصوص روائية فرضت نفسها على الساحة السردية في هذا المجال. ويستحضر الناقد عددا من الكتّاب الذين أثروا هذا الجانب بمؤلفاتهم الأدبية في هذا المجال مثل هربرت جورج ويلز، جول فيرن، جورج أورويل، إسحق عظيموف، راي برادبري، ومن الكتّاب العرب: توفيق الحكيم، سعد مكاوي، نهاد شريف، طالب عمران، عبدالسلام البقالي، الهادي ثابت، قاسم قاسم، صلاح معاطي، عطيات أبوالعينين، طيبة الإبراهيم، ميسلون هادي، لينا الكيلاني، وغيرهم من الكتّاب والكاتبات الذين حفل بهم مجال الكتابة في رواية الخيال العلمي والفانتازيا. وعن الأعمال الأدبية بين فقر الواقع وتنوع الخيال تحدث الكاتبة صفاء النجار موضحة تأثير وسائط الاتصال الحديثة على روايات الخيال العلمي والفانتازيا، حيث بحثت تأثير وسائط الاتصال الحديثة مثل الإنترنت، الأقمار الصناعية، الهاتف النقال، وغيرها على روايات الخيال العلمي والفانتازيا. وقد سعت دراستها إلى التفريق بين رواية الخيال العلمي ورواية الفانتازيا. وقامت بتعريف أدب الخيال العلمي بأنه: نوع أدبي تكون فيه القصة الخيالية مبنية على الاكتشافات العلمية التأملية والتغيرات البيئية وارتياد الفضاء، والحياة على الكواكب الأخرى، حيث يخلق المؤلف عالما خياليا أو كونا ذا طبيعة جديدة بالاستعانة بتقنيات أدبية متضمنة فرضيات أو استخدامات علمية فيزيائية، أو بيولوجية أو تقنية. وأضافت أن ما يميز أدب الخيال العلمي أنه يحاول أن يبقى متسقا مع النظريات العلمية والقوانين الطبيعية دون الاستعانة بقوى السحر أو قوى غير طبيعية مما يجعله متمايزا عن الفانتازيا. بينما ترى النجار أن أدب الفانتازيا يتناول الواقع الحياتي من رؤية غير مألوفة، ما يعني أن هناك شكا في عالم الرواية، إن كان ينتمي إلى الواقع أم يرفضه، حيث تعد الفانتازيا نوعا أدبيا يعتمد على السحر وغيره من الأشياء الخارقة للطبيعة كعنصر أساسي. واستعرضت صفاء النجار بعض روايات أدب الخيال العلمي منذ الستينيات حيث نشر مصطفى محمود روايته "العنكبوت"/ ثم روايته "رجل تحت الصفر" وظهرت في السبعينيات محاولات أخرى لنهاد شريف في "قاهر الزمن" و"الماسات الزيتونية". ومع ظهور الوسائط الحديثة كان لا بد من استكشاف تأثيرها وكيف تأثرت بها المخيلة العلمية الروائية في العالم العربي، وبخاصة في ظل تراجع المساهمات العلمية العربية وابتعاد الواقع العربي عن روح التفكير أو الخيال العلمي. واعتمدت دراسة النجار على تحليل عدد من الأعمال الروائية التي اتخذت من الخيال العلمي تكئة لها مثل روايات: "الإنسان الباهت" لطيبة أحمد الإبراهيم، "فرانكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي، "هالة النور" لمحمد العشري، و"حسن الختام" للباحثة نفسها. أما عن رواية الخيال العلمي بين فلسفة العتبات النصية والتواصلية الاجتماعية "رواية اعشقني مثالا" فقد تحدث عواد كاظم الغزي الذي أوضح في البداية أن مفهوم النص اتسع في العصر الحديث بعد الإمساك بالعلاقات التي تربط بين أجزائه، وكشف النقد الحديث عن الجدل الدائر بين طبقات النص ومكوناته الداخلية والمحيطة. ورأى النقاد الغربيون أن العتبات تسهم في ضخ طاقة سردية كثيفة تعمل على تغذية انتظار القارئ قبل ولوجه عالم النص، ولكل عتبة وظيفة، ولا يمكن أن تكون بريئة في تركيبها إذ تتكلف بوظيفة التعيين الجنسي للنص، وتحديد مضمونه وقصديته، وتؤدي بالقارئ إلى العبور خارج النص، ووظيفة تسمية النص، والإخبار عنه. وعن رواية "اعشقني" للكاتبة الأردنية سناء شعلان، قال الغزي إنها إحدى روايات الخيال العلمي، إذ تستبطن الرواية كثيرا من العتبات النصية الخارجية والداخلية، الإشارية والنصية، بل إن الروائية قد تميل إلى تكرير بعض العتبات مع تغير مضامينها، ومن ثم فإنها جعلت الرواية في ثمانية فصول، تتصدر كل فصل عتبة نصية تؤدي وظيفة العنوان من جهة، ووظيفة الإحالة على الخيال من جهة أخرى، فكانت العناوين الفرعية تهيمن على أبعاد ثمانية، ولا ريب أن تتفرع تلك العناوين إلى عناوين داخلية. وأشار عواد كاظم الغزي إلى أن دراسته تحاول أن تكشف عن البعد الدلالي للعتبات وأثره في تشكيل الصوغ السردي زمانيا ومكانيا، والعلاقة النصية الرابطة بين التشجير العنواني للرواية، وأهمية العتبات في الاستدلال على العنوان والولوج بوساطته إلى المتن السردي الروائي. آخر المتحدثين في تلك الجلسة كانت الباحثة كريمة بوحسون، وأثارت ببحثها عن الخيال العلمي في الرواية الأفريقية بين جموح الخيال وجمود الواقع، جدلا واسعا حيث تعرضت إلى الأدب الزنجي وتحديات الواقع، وقالت في بداية بحثها إن رواية الخيال العلمي والفانتازيا من أكثر الأجناس الأدبية السردية استيعابا للتطور العلمي وآفاقه، بل أكثر من ذلك، فالرواية أصبحت في كثير من الأحيان مجالا خصبا للتنظير العلمي وتحليل دوره ومستقبله وإسقاطاته على الإنسان والمجتمع والبيئة. وأوضحت أن تأثير الطفرة العلمية والمعلوماتية على الرواية لا تنحصر في الأحداث وحبكتها والشخصيات وقدراتها، بل تتجاوزها إلى البنية السردية للنص وإلى اختيار الجنس الأدبي في حد ذاته. ثم أشارت إلى أنه رغم محدودية التطور العلمي في معظم بلدان القارة السمراء، إلا أن الأدب استطاع أن يتخطى هذا العائق، فالرواية الأفريقية التي ولدت من رحم مجتمع يرزح تحت وطأة الفقر والجهل يعاني من أرزاء التخلف والحروب، خاضت هي أيضا هذه التجربة فأبدعت، وبرهنت مرة أخرى أن الكتابة لا تقيدها أغلال الواقع المتردي، وتستطيع أن تخلق لنفسها عالما افتراضيا يعبر قبل كل شيء عن الأمل والرغبة في التغيير. وقد اختارت كريمة بوحسون لبحثها أحد أقطاب الأدب الأفريقي، وهو الروائي والمسرحي والشاعر الكونغولي سوني لبو تانسي، وعملت على روايته "الحياة ونصف" كنموذج أمثل لتحدي واقع مزرٍ عبر الكتابة والإبداع، وقد برع الكاتب في استغلال معطيات العلم وآليات التواصل والاتصال الحديثة، فجمح في بحر من الخيال العلمي مزج فيه بين الجد والهزل معتمدا على الرمز لتعرية مجتمع نخرته التقاليد البالية والأفكار المتحجرة. وأشارت بوحسون إلى أن هذا المزج الهجين بين قمة التطور وقمة الفقر، على الرغم من صعوبة تصنيفه، فإنه أثرى الرواية وأثّر في بنيتها، وفي تحديد معالم الجنس الأدبي الذي كتبت فيه.

مشاركة :