عن أبي ذر رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَتَمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ بِآيَتَيْنِ أعْطِانيهُمَا مِنْ كَنْزِهِ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَعَلَّمُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ نِسَاءَكُمْ، وأبناءكم، فَإِنَّهُمَا صَلَاةٌ، وَقُرْآنٌ، وَدُعَاءٌ».يقول: د. أحمد عبده عوض في كتابه (موسوعة بلاغة الرسول) «جميع القرآن العظيم نزل به الأمين جبريل عليه السلام على قلب النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ هذه الآيات الشريفة في آخر سورة البقرة، فإنه صلى الله عليه وسلم تلقاها ليلة المعراج حيث قدم التحية إلى ربه قائلاً: التحيات لله والصلوات والطيبات، فقال تعالى: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»، فأراد النبي أن يكون لأمته حظ في السلام، فقال: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فقال جبريل وأهل السموات كلهم: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله». فقال الله تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ* لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»، (البقرة: 582-682) قالها سبحانه على معنى الشكر أي: «صدق الرسول بما أنزل إليه ربه».فضل عظيموهاتان الآيتان في آخر سورة البقرة لهما فضل عظيم لكونهما تخفيفاً، وتيسيراً على هذه الأمة، وأن الإيمان كله جمع فيهما، وأن الله تعالى رفع العنت والمشقة عن هذه الأمة بفضل رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكونهما اشتملتا على الدعاء في عدة مواضع، ثم ختمتا بطلب العفو والمغفرة والرحمة ولكل هذه الخيرية قال عنهما رسول الله: (من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه). وذلك في قيام الليل أو عندما يأوي إلى فراشه كفتاه من كل مكروه، وحسد وأذى، ومن قرأهما لا يقربه شيطان في ليلته، ولفضلها قال صلى الله عليه وسلم: «أوتيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن نبي قبلي» .استهلال بارعوعن السمات البلاغية لهذا الحديث يقول د. عوض : «إن ختام الشيء يكون تجميعاً لكل خيراته، وهذه براعة استهلاله صلى الله عليه وسلم بهذا التوكيد «إن الله ختم سورة البقرة»، ويترقب المسلم هذا الشرف لمن يدرك فضل سورة البقرة وما فيها من تحصينات، وحفظ للمنازل وأهلها، حيث يتعرف إلى أن ختامها (بآيتين) وهي كناية عن صب الخير صباً في التوحيد والدعاء اللذين ختمت بهما أعطانيهما (أي ربي) من كنزه الذي تحت العرش) وهذا دلالة على فضلهما وأن لهما مكانة خاصة تكفى المسلم في جميع أحواله.وتحول من هذا التقرير إلى جانب التكليف فجاء أسلوب الأمر «فتعلموهن وعلموهن».ويتساءل المرء عن المزيد من الفضل لخواتيم سورة البقرة، فجاء التعليل النبوي الشريف جامعاً لهذا الخير فقال: (فإنهما صلاة وقرآن ودعاء) وهذا الترادف في الجمع بين الصلاة التي هي ذكر، والقرآن الذي هو هداية والدعاء الذي هو خير، يحبب إلينا أن نقرأ هاتين الآيتين عندما نأوي إلى فراشنا وعندما تزداد علينا الأعباء.سيدة آي القرآنوسورة البقرة أول ما نزل بالمدينة، في مُدَدٍ شتى، وهي ثاني سور القرآن الكريم بعد سورة الفاتحة، وهي أطول سورة في القرآن، وفيها أطول آية، وهي آية المداينة، وفيها أفضل آية في القرآن، وهي آية الكرسي التي هي سيدة آي القرآن، وقد وردت في سورة البقرة جملة من الأحاديث والآثار، نذكر منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة). وجاءت في فضل آية الكرسي جملة أحاديث، منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، (إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم فلا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح).وجاء في فضل خواتيم سورة البقرة بعض أحاديث، نذكر منها: قول جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان جالساً عنده: (أبشر بنورين أوتيتهما، لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته).وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام، وأنزل فيه آيتين، ختم بهما سورة البقرة، لا يقرآن في دار ثلاث ليال، فيقربها شيطان) وعن علي رضي الله عنه، قال: «ما كنت أرى أحداً يعقل، ينام حتى يقرأ هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة». كليات الإسلاموقد تضمنت السورة الكريمة مقاصد الإسلام الرئيسية وكلياته الأساسية، ففيها إقامة الدليل على أن القرآن كتاب هداية ليُتَّبَع في كل حال، وأعظم ما يهدي إليه الإيمان بالغيب، الذي تحدثت عنه قصة البقرة، التي مدارها الرئيسي الإيمان بالغيب، فلذلك سميت بها السورة، لأن إحياء ميت بمجرد ضربه ببعض أجزاء تلك البقرة أقوى دلالة على قدرته سبحانه. أما المقدمة: فقد تضمنت التعريف بشأن هذا القرآن، وبيان أن ما فيه من الهداية قد بلغ حداً من الوضوح، لا يتردد فيه ذو قلب سليم، وإنما يعرض عنه من لا قلب له، أو من كان في قلبه مرض. والهدف منها دعوة الناس كافة إلى اعتناق الإسلام، ونبذ ما سواه من الأديان. وعرض شرائع هذا الدين تفصيلاً. أما خاتمة السورة: فقد اشتملت على التعريف بالذين استجابوا لهذه الدعوة الشاملة، وبيان ما يرجى لهم في آجلهم وعاجلهم. وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في كتابه «مجموع الفتاوى» أنها اشتملت على تقرير أصول العلم، وقواعد الدين النظرية والعملية.وأخيراً، فقد روى مالك في «الموطأ» أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها؛ أي: يتعلم فرائضها وأحكامها، مع حفظه لها. وهذا إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على أهمية هذه السورة ومكانتها، لما اشتملت عليه من أحكام العقيدة، وأحكام العبادات والمعاملات بأنواعها.
مشاركة :