خواتيم سورة البقرة.. كنز من تحت العرش

  • 5/3/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عن أبي ذر رضي الله عنه أَنّ‮ ‬رَسُولَ‮ ‬اللَّهِ‮ ‬صَلَّى اللَّهُ‮ ‬عَلَيْهِ‮ ‬وَسَلَّمَ، ‬قَالَ‮: «‬إِنَّ‮ ‬اللَّهَ‮ ‬خَتَمَ‮ ‬سُورَةَ‮ ‬الْبَقَرَةِ‮ ‬بِآيَتَيْنِ‮ ‬أعْطِانيهُمَا مِنْ‮ ‬كَنْزِهِ‮ ‬الَّذِي‮ ‬تَحْتَ‮ ‬الْعَرْشِ، ‬فَتَعَلَّمُوهُنَّ‮ ‬وَعَلِّمُوهُنَّ‮ ‬نِسَاءَكُمْ، وأبناءكم، ‬فَإِنَّهُمَا صَلَاةٌ، ‬وَقُرْآنٌ، ‬وَدُعَاءٌ‮».‬يقول‮: ‬د‮. ‬أحمد عبده عوض في كتابه‮ (‬موسوعة بلاغة الرسول‮)‬ ‮«جميع القرآن العظيم نزل به الأمين جبريل عليه السلام على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ‬إلاّ هذه الآيات الشريفة في آخر سورة البقرة، ‬فإنه‮ صلى الله عليه وسلم ‬تلقاها ليلة المعراج حيث قدم التحية إلى ربه قائلاً‮: ‬التحيات لله والصلوات والطيبات، ‬فقال تعالى‮: «‬السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته»، ‬فأراد النبي أن‮ ‬يكون لأمته حظ ‬في السلام، ‬فقال‮: «‬السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» فقال جبريل وأهل السموات كلهم‮: «‬أشهد أن لا إله إلا الله، ‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‮».‬‮ فقال الله تعالى‮: «‬آمَنَ‮ ‬الرَّسُولُ‮ ‬بِمَا أُنْزِلَ‮ ‬إِلَيْهِ‮ ‬مِنْ‮ ‬رَبِّهِ‮ ‬وَالْمُؤْمِنُونَ‮ ‬كُلٌّ‮ ‬آمَنَ‮ ‬بِاللَّهِ‮ ‬وَمَلائِكَتِهِ‮ ‬وَكُتُبِهِ‮ ‬وَرُسُلِهِ‮ ‬لا نُفَرِّقُ‮ ‬بَيْنَ‮ ‬أَحَدٍ‮ ‬مِنْ‮ ‬رُسُلِهِ‮ ‬وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا‮ ‬غُفْرَانَكَ‮ ‬رَبَّنَا وَإِلَيْكَ‮ ‬الْمَصِيرُ‮* ‬لا‮ ‬يُكَلِّفُ‮ ‬اللَّهُ‮ ‬نَفْساً‮ ‬إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ‮ ‬وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ‮ ‬رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ‮ ‬نَسِينَا أَوْ‮ ‬أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ‮ ‬عَلَيْنَا إِصْراً‮ ‬كَمَا حَمَلْتَهُ‮ ‬عَلَى الَّذِينَ‮ ‬مِنْ‮ ‬قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ‮ ‬لَنَا بِهِ‮ ‬وَاعْفُ‮ ‬عَنَّا وَاغْفِرْ‮ ‬لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ‮ ‬مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ‮ ‬الْكَافِرِينَ‮»، (‬البقرة‮: 582-682) ‬‮قالها سبحانه على معنى الشكر أي‮: ‬«صدق الرسول بما أنزل إليه ربه‮».‬فضل عظيم‮وهاتان الآيتان في آخر سورة البقرة لهما فضل عظيم لكونهما‮ ‬تخفيفاً، ‬وتيسيراً‮ ‬على هذه الأمة، ‬وأن الإيمان كله جمع فيهما، ‬وأن الله تعالى رفع العنت والمشقة عن هذه الأمة بفضل رسوله‮ صلى الله عليه وسلم‬، ‬ولكونهما اشتملتا على الدعاء في عدة مواضع، ‬ثم ختمتا بطلب العفو والمغفرة ‮والرحمة ولكل هذه الخيرية قال عنهما رسول الله‮: (‬من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه‮).‬ ‮وذلك في قيام الليل أو عندما‮ ‬يأوي إلى فراشه كفتاه من كل مكروه، ‬وحسد وأذى، ‬ومن قرأهما لا‮ ‬يقربه شيطان في ليلته، ‬ولفضلها قال‮ صلى الله عليه وسلم: «‬أوتيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم‮ ‬يؤتهن نبي قبلي‮» ‬.استهلال بارع‮وعن السمات البلاغية لهذا الحديث‮ ‬يقول د‮. ‬عوض‮ ‬: «‮إن ختام الشيء‮ ‬يكون تجميعاً لكل خيراته، ‬وهذه براعة استهلاله‮ صلى الله عليه وسلم ‬بهذا التوكيد‮ «‬إن الله ختم سورة البقرة‮»، ‬ويترقب المسلم هذا الشرف لمن‮ ‬يدرك فضل سورة البقرة وما فيها من تحصينات، ‬وحفظ للمنازل وأهلها، ‬حيث‮ ‬يتعرف إلى أن ختامها (بآيتين‮) ‬وهي كناية عن صب الخير صباً‮ ‬في التوحيد والدعاء اللذين ختمت بهما‮ ‬أعطانيهما‮ (أي ربي) من كنزه الذي تحت العرش‮) ‬وهذا دلالة على فضلهما وأن لهما مكانة خاصة تكفى المسلم في جميع أحواله‮.‬‮وتحول من هذا التقرير إلى جانب التكليف فجاء أسلوب الأمر «فتعلموهن وعلموهن‮».‬‮ويتساءل المرء عن المزيد من الفضل لخواتيم سورة البقرة، ‬فجاء التعليل النبوي الشريف جامعاً‮ ‬لهذا الخير فقال‮: (‬فإنهما صلاة وقرآن ودعاء‮) ‬وهذا الترادف في الجمع بين الصلاة التي هي ذكر، ‬والقرآن الذي هو هداية والدعاء الذي هو خير، يحبب إلينا أن نقرأ هاتين الآيتين عندما نأوي إلى فراشنا وعندما تزداد علينا الأعباء.سيدة آي القرآن‬‮وسورة البقرة أول ما نزل بالمدينة، في‮ ‬مُدَدٍ‮ ‬شتى‮، ‮وهي‮ ‬ثاني‮ ‬سور القرآن الكريم بعد سورة الفاتحة، ‬وهي‮ ‬أطول سورة في‮ ‬القرآن، ‬وفيها أطول آية، ‬وهي‮ ‬آية المداينة، ‬وفيها أفضل آية في‮ ‬القرآن، ‬وهي‮ ‬آية الكرسي التي ‬هي‮ ‬سيدة آي‮ ‬القرآن، وقد ‮وردت في‮ ‬سورة البقرة جملة من الأحاديث والآثار، ‬نذكر منها‮: ‬قوله صلى الله عليه وسلم‮: (‬لا تجعلوا بيوتكم مقابر، ‬إن الشيطان‮ ‬ينفر من البيت الذي‮ ‬تُقرأ فيه سورة البقرة‮). ‬‮وجاءت في‮ ‬فضل آية الكرسي‮ ‬جملة أحاديث، ‬منها ما رواه أبو‮ ‬هريرة رضي‮ ‬الله عنه، ‬ (‬إذا أويت إلى فراشك، ‬فاقرأ آية الكرسي‮ ‬من أولها حتى تختم فلا‮ ‬يزال عليك من الله حافظ، ‬ولا‮ ‬يقربك شيطان حتى تصبح‮).‬‮وجاء في‮ ‬فضل خواتيم سورة البقرة بعض أحاديث، ‬نذكر منها‮: ‬قول جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ‬وكان جالساً‮ ‬عنده‮: (‬أبشر بنورين أوتيتهما، ‬لم‮ ‬يؤتهما نبي‮ ‬قبلك‮: ‬فاتحة الكتاب، ‬وخواتيم سورة البقرة، ‬لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته‮).‬‮وقوله صلى الله عليه وسلم‮: (‬إن الله عز وجل كتب كتاباً‮ ‬قبل أن‮ ‬يخلق السماوات والأرض بألفي‮ ‬عام، ‬وأنزل فيه آيتين، ‬ختم بهما سورة البقرة، ‬لا‮ ‬يقرآن في‮ ‬دار ثلاث ليال، ‬فيقربها شيطان‮) ‬‮وعن علي‮ ‬رضي‮ ‬الله عنه، ‬قال‮: ‬«ما كنت أرى أحداً‮ ‬يعقل، ‬ينام حتى‮ ‬يقرأ هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة‮». ‬كليات الإسلام‮وقد تضمنت السورة الكريمة مقاصد الإسلام الرئيسية وكلياته الأساسية، ‬ففيها إقامة الدليل على أن القرآن كتاب هداية ليُتَّبَع في‮ ‬كل حال، ‬وأعظم ما‮ ‬يهدي‮ ‬إليه الإيمان بالغيب، ‬الذي‮ ‬تحدثت عنه قصة البقرة، ‬التي‮ ‬مدارها الرئيسي الإيمان بالغيب، ‬فلذلك سميت بها السورة، ‬لأن إحياء ميت بمجرد ضربه ببعض أجزاء تلك البقرة أقوى دلالة على قدرته سبحانه‮. ‬أما المقدمة‮: ‬فقد تضمنت التعريف بشأن هذا القرآن، ‬وبيان أن ما فيه من الهداية قد بلغ‮ ‬حداً‮ ‬من الوضوح، ‬لا‮ ‬يتردد فيه ذو قلب سليم، ‬وإنما‮ ‬يعرض عنه من لا قلب له، ‬أو من كان في‮ ‬قلبه مرض‮.‬ والهدف منها دعوة الناس كافة إلى اعتناق الإسلام، ‬ونبذ ما سواه من الأديان‮. وعرض شرائع هذا الدين تفصيلاً‮.‬ ‬أما خاتمة السورة‮: ‬فقد اشتملت على التعريف بالذين استجابوا لهذه الدعوة الشاملة، ‬وبيان ما‮ ‬يرجى لهم في‮ ‬آجلهم وعاجلهم‮.‬ وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله في‮ ‬كتابه «‬مجموع الفتاوى‮» ‬أنها اشتملت على تقرير أصول العلم، ‬وقواعد الدين النظرية والعملية‮.‬وأخيراً، ‬فقد روى مالك في «‬الموطأ‮» ‬أن عبد الله بن عمر رضي‮ ‬الله عنهما مكث على سورة البقرة ثماني‮ ‬سنين‮ ‬يتعلمها‮؛ أي‮: ‬يتعلم فرائضها وأحكامها، ‬مع حفظه لها‮. ‬وهذا إن دلَّ‮ ‬على شيء، ‬فإنما‮ ‬يدل على أهمية هذه السورة ومكانتها، ‬لما اشتملت عليه من أحكام العقيدة، ‬وأحكام العبادات والمعاملات بأنواعها‮.‬

مشاركة :