ندد البطريرك الماروني بشارة الراعي "بالصمت العالمي حيال الأزمات التي فرضت قسرا ولا تزال على دول الشرق الأوسط، بدءا من القضية الفلسطينية سنة 1948 والتي مضى عليها نحو 71 سنة من دون ايجاد اي حل لها، وصولا الى الحرب المشتعلة اليوم في المنطقة والتي يدفع ثمنها لبنان سياسيا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا"، مؤكدا ان "الكنيسة لا تنطق الا بالحق والحقيقة لانها حرة وغير مرتهنة لأحد". ودعا الاسرة الدولية، ولا سيما فرنسا نظرا للعلاقة التي تربطها بلبنان، بوجوب "ايجاد حل للأزمة السورية فيعود النازحون السوريون الى ارضهم ويكملون تاريخا غنيا بالحضارة والثقافة والتراث والتقاليد". وكان الراعي التقى في الصرح البطريركي في بكركي، وفدا من الحجاج الفرنسيين برئاسة راعي ابرشية "بوفي" الفرنسية المونسنيور بونوا غونان. واستمع الوفد الى رأي الراعي في عدد من المواضيع التي طرحت، أبرزها: دور الكنيسة في الشرق، دور البطريركية المارونية في تعزيز العلاقات بين الاديان وأهمية الحضور المسيحي في لبنان والدول المحيطة. واكد الراعي "ان العلاقة بين الكنيسة المارونية وفرنسا تعود الى قرون مضت وهي علاقة وطيدة وتاريخية. والبطريركية المارونية تحتفل سنويا بإثنين الفصح، وترفع الصلاة التي تقام على نية فرنسا في حضور السفير الفرنسي وطاقم السفارة، للتأكيد على عمق وقوة هذه العلاقة". ولفت الى "ميزة لبنان في عيشه المشترك بين ابنائه مسلمين ومسيحيين والتي تعتبر فريدة في دول المنطقة،" مشيرا الى "ان الحرب في الشرق فرضت فرضا من دول تهمها مصالحها الخاصة ولا تكترث بتاريخ شعوب أصيلة لها حضارة وثقافة عريقة، وكل ما يهمها تحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية وغيرها على حساب كرامة وحرية وسلام وأمن واستقرار شعوب منطقة الشرق الأوسط، والمتضرر الأكبر من هذه الحرب هم المسيحيون الذين هجروا من أوطانهم من العراق وسورية وتشتتوا حول العالم". وعرض الراعي للوفد "أهمية النظام اللبناني القائم على الشراكة والمساواة بين ابنائه والذي كرسه ميثاق الـ43، هذا الميثاق الوطني الذي أسس للعيش المشترك النموذجي في هذه البقعة الصغيرة من العالم، والتي وصفها البابا يوحنا بولس الثاني ببلد الرسالة، وخص لها سينودسا نظرا لأهمية ودور الحضور المسيحي فيها ونموذج العيش المشترك الذي تمثله بين باقي دول الجوار". غونان: ما سمعناه سننقله الى بلدان الغرب دوره، قال المونسنيور غونان: "لقد تأثرت كثيرا بما قاله البطريرك وبما عرضه من وقائع عن هذه المنطقة في العالم. واكثر ما لفتني ان لبنان هو بلد لا يعرف الإستسلام فهو لطالما أعاد بناء ما تهدم، كذلك هو بلد يتجدد يوميا. وأود كمسيحي، وفي مواجهة التحديات الجديدة التي نواجهها والتي ليست على الصعيد السياسي وحسب، وانما ايضا على الصعيد الديني والعلاقة بين الاديان، والصعيدين الكنسي والإجتماعي، ان تكون لدينا هذه النظرة للأمور. نحن نبتكر الأفضل ونرى امورا جديدة، وعلى ضوء الإنجيل نعيش بإخلاص لإرثنا وانما ايضا بجرأة لكي نتفق معا على بناء مجتمع يتمكن فيه الجميع من العيش باحترام متبادل. ويبقى الأهم وهو نقل ما سمعناه الى اهلنا في بلدان الغرب واستعماله في الاوقات المقبلة". والتقى الراعي رئيس بلدية "نويللي سور سين" جان كريستوف فرومانتين، وكان تبادل للآراء حول موضوع العالمية اليوم، وتأثيره على كافة الأصعدة ومن بينها على الصعيد الكنسي. وأكد الراعي ان "الكنيسة العالمية هي الكنيسة التي تحتضن جميع المسيحيين على تنوعهم، وتوجد فيها وحدات يجب ان تحترم بعضها بعضا والا تسعى ابدا لإقصاء اي وحدة من بينها، لأنه بالحفاظ على هذه الوحدات ومساعدتها يمكننا الحفاظ على الكنيسة العالمية". واعتبر ان هذا "التنوع بين الاديان يشكل لوحة فسيفساء فاذا اقتلعنا احد حجارتها نشوهها. لذلك يجب الحفاظ عليها كما هي. فهذا التنوع يخلق وحدة، وهذا ما نعيشه في وطننا لبنان"، مشددا على ان "التحدي اليوم هو بين التماثل والعالمية، فالتطابق اوالتماثل هو امر ممل بعكس التنوع الذي يكسر الروتين ويدعو الى اكتشاف اشياء جديدة. فالموارنة مثلا ينتشرون حول العالم ولكنهم يحافظون على طقوسهم وهويتهم وارثهم وتاريخهم وهذه هي الفرادة، هم لا يذوبون في جماعات مسيحية اخرى. ويبقى سلاح الكنيسة في مواجهة التحديات واحد وهو الصلاة والحقيقة كما قال البابا يوحنا بولس الثاني". من جهته، قال فرومانتين: "نادرة هي الأوقات التي نتمكن فيها من المشاركة في هذه النظرة الشفافة للأمور كما حصل الآن في خلال لقائنا مع صاحب الغبطة. لقد عبر عن موقف غني بوحدته وسط هذا التنوع الذي يعيشه العالم، وهو موقف يجسد دور الكنيسة المارونية في هذا العالم التي هي في الوقت نفسه متجذرة وموزعة حول العالم، وهذه صورة جميلة عن العالمية اي عدم التخلي عن الجذور ولكن التمتع بحرية الإنتشار حول العالم".
مشاركة :