ضيفنا اليوم كاتب درامي ومخرج وممثل مسرحي مواليد مدينة الأحساء، عين مؤخراً رئيساً للفرقة الوطنية للمسرح، إنه عبدالعزيز السماعيل، الفنان الذي قدم للمسرح في بلاده سنين عمره وسخّر طاقات موهبته للصناعة المسرحية حتى إنه شغل في هذا المجال كل مواقع العمل الإبداعي والإداري من تمثيل إلى تأليف وإخراج وإنتاج وإلى المناصب الإدارية التي وصلت اليوم رئاسة الفرقة الوطنية للمسرح. فإلى أفكار هذا المسرحي الذي يضرب به المثل في إخلاص الفنان لفنه. r بإسهاب غير ممل حدثنا عن طفولتك؟ - أنا فلاح ابن فلاح، عشت طفولتي في الأحساء بين النخيل والأشجار والماء، أسير في الفجر من البيت صوب المزرعة وعندما أصل يكون والدي قد أنجز نصف عمله على الأقل، فأشاركه فيما تبقى منه، وعندما نذهب إلى القرية مع والدتي نكون أيضاً أنا وإخوتي في قلب النخيل والمزارع لمدة أسبوع أو أكثر حتى نعود، لم أبرح هذا الروتين الفلاحي إلا في المدرسة ومنها استطعت النفاذ إلى المسرح من خلال النشاط الطلابي، ثم المراكز الصيفية وبعدها النادي الرياضي ثم جمعية الثقافة والفنون. وما بين المسرح والمزرعة كانت طفولتي وزملائي وأقاربي في إحدى حارات حي الكوت في الأحساء، حيث كنا نراها بحجم الدنيا في ذلك الوقت، فهي تتسع لنا كلنا.. لبيوتنا وأهلنا وأصدقائنا وألعابنا وأفراحنا وأعيادنا.. إلخ وحتى لحبنا العذري الذي كنا نراه في عيون الصبايا ونرسمه حلماً راعفاً لم يتحقق منه شيء أبداً.. المهم أن النخل والطين والبيوت الصغيرة علمتنا الحب والأمل، وعندما هجرناها لم تغفر لنا قسوتنا فعاقبتنا ببيوت معلبة وفي حارات لا يوجد فيها أحد. r ماذا أخذت معك من القرية حين دخلت المدينة؟ - أنا ابن المدينة ابتداء، وما بين القرية والمدينة عشت طفولتي ولم أدرك حينها الفرق، وعندما حاولت أن أفهم ذلك تمدْيَن شكل القرى ولم يعد صالحاً لشيء. r ماذا سرقت منك المدينة؟ - لأن المدينة الحديثة مركب تجاري ضخم قائم على الاستهلاك والعزلة، أصبح لكل فرد فينا مدينته الخاصة، إنها محاولة بائسة للسيطرة على بعض من انسانيتك المفقودة على الأقل. r لماذا يكتب الفنانون في المطارات والموانئ.. هل السفر محرض على الكتابة؟ - إنه الرصيف، حيث مفترق طرق الثقافات، وأظن أن السفر أوله أجمل ما فيه، حيث العلاقة بين هنا وهناك ملتبسة دوماً، فهي لحظة غائرة في الشعور بالمسافة والانقطاع، فالشاعر مثلًا سوف يؤثث المكان والزمن الآخر بالورد، أما المسرحي سوف يرسمه بخط يده دائرة كقوس قزح بين الناس وقد يتقمص فيها دور عطيل، وفي الغالب لن يشبه حلم الشاعر الورد ولا المسرحي عطيل البطل مهما يكن ذلك المكان الآخر، لذلك هي لحظات خاصة وحق مكتسب للميناء أو للمطار وللكتابة أيضاً. r متى نشر أول عمل لك وكيف كانت مشاعرك؟ - في عام 2008م تم إصدار أول كتاب لي من قبل النادي الأدبي في المنطقة الشرقية، وهو مجموعة نصوص مسرحية أسميته على اسم أحد النصوص فيه «موت المغني فرج». r ودعنا معرض الكتاب، ما أجمل ما فيه؟ - كعادة كل الفعاليات الثقافية يكون الأهم هو اللقاء مع المثقفين والفنانين ثم اقتناء الكتب.. لذلك أتمنى أن يتحول المعرض إلى تظاهرة ثقافية كبرى وليس سوقاً للكتب فقط، بحيث تصبح الفعاليات المصاحبة أكثر أهمية وثراء وتنوعاً، كما أتمنى أن لا تكون المقاطعة أبدية لبعض دور النشر العربية المهمة بحيث تتم مراجعة هذا القرار كل سنة أو سنتين على أبعد تقدير. r وما أسوأ ما في المعرض؟ - هو المكان في اعتقادي.. ولا أقصد التجهيزات الداخلية أو المساحة.. بل المرافق، بدءاً من عدم توافر مواقف كافية للسيارات وانتهاء بتشويه العروض الفنية والمسرحية بتقديمها على منصة للمحاضرات. r أهم ثلاثة عناوين حرصت على شرائها؟ - خطاب الاستشراق في النص المسرحي للدكتور أمير الحداد، والأغنية السياسية في الخليج للكاتب الصديق أحمد الواصل، والحداثة الممتنعة في دول الخليج العربي للمفكر باقر النجار، وأنا مضطر لإضافة كتاب رابع أراه مهماً جداً هو: «الثقافة» للمفكر والناقد البريطاني تيري إيغلتن. r كيف بدأت علاقتك بالقراءة؟ - أدرك الآن فقط أنها بدأت بأثر الشعر والحكايات الشعبية والتي قادتني وأنا في الصفوف الابتدائية إلى قراءات شعبية مثل: السيرة الهلالية وعنترة بن شداد.. إلخ والمسرح هو الذي قادني إلى قراءة كل شيء بدأت بكتب المسرح والمسرحيات وبالذات سلسلة المسرح العالمي التي تصدر من الكويت وحتى الفلسفة والفكر والأنثروبولوجيا... إلخ. r هل تؤمن بالقول المأثور.. القراءة وقود الكتابة؟ - نعم، فمن لا يأخذ لا يعطي، أو إنه يعطي ولكن عطاءه لا يضيف شيئاً.. ويكرر نفسه، والتجربة أمامنا خير برهان. r هل ترى انحسار المد الروائي أم إنه لا يزال نشطاً؟ - الرواية هي الابنة الشرعية للمدينة وللطبقة البرجوازية والوسطى في كل مجتمع، سوف تتوالد وتتطور باستمرار دون توقف.. أي من دون الثبات في إطار نظري واحد لها، وهذه من سمات الرواية، لأنها تستلهم ديناميكيتها القوية من ديناميكية حركة المجتمع المدني والاستهلاكي الذي لا يتوقف تطوره و لا يهدأ. r كيف ترى فكرة النشر المشترك بين الأندية الأدبية ودور النشر العربية، وهل حققت انتشاراً عربياً للمؤلف السعودي؟ - أعتقد أنها مفيدة من أجل الانتشار أكثر، مع ملاحظة استمرار المتاهة في حقوق المؤلف التي يعاني منها معظم الكتاب لدينا للأسف. r ما استقراؤك للإستراتيجية الثقافية المزمع إعلانها قريباً؟ - الآن وبعد أن طرحت وزارة الثقافة إستراتيجيتها في يوم المسرح العالمي 27 مارس الماضي 2019م، أجدها إستراتيجية رائعة وشاملة لجميع أطياف النشاط الثقافي بكل فروعه وتشكيلاته وربما أكثر.. بقي الأهم في اعتقادي هو كيفية تنفيذها.. أي الآليات التي ستنفذ هذه الإستراتيجية والقائمين عليها لتصبح واقعاً حياً ملموساً في القريب العاجل، مع ملاحظة أنها لن تأخذنا بسرعة إلى ما نريد، بل ستأخذ بالضرورة وقتها الكافي لتنمو وتثمر في النهاية، وأتمنى أن تربط الثقافة في مفهومها العام وبشكل موازٍ بالتعليم منذ مراحله الأولى حتى لا يهدم التعليم ما تبنيه الثقافة. r متى كان أول خروج لك عن النص؟ - منذ أول مسرحية مثلت فيها عام 1975م وما تلاها، كان أغلبه خروجاً على النص.. وما أقصده هو مساحة الارتجال التي كانت توفرها لنا تجاربنا المسرحية الأولى في المراكز الصيفية والأندية، حتى عندما أصبحنا نشارك في مسرحيات عالمية ومحلية يخرجها مخرجون محترفون صار الالتزام بالنص حداً صارماً لا يمكن تجاوزه، فتعلمنا بأن الارتجال قدرات وفن مستقل بذاته لكنه ليس كل المسرح. r هل كتبت يوماً على الجدار؟ وماذا كتبت؟ - لا أذكر.. ولكني قرأت بعض ما رسم وكتب عليها خصوصاً بعد ما أصبح الغرافيت فناً مميزاً قائماً بذاته. r هل قلبت الطاولة يوماً؟ أو كان هناك من قلبها عليك؟ - في مجال الثقافة والفنون الطاولة تقلب عليك كل يوم. r القرارات الصعبة في الحياة هل هي القرارات الخاصة؟ - أجل، وإلا لما كانت صعبة. r هل مررت بفترة الوقوف ضد التيار؟ أم غامرت بالسباحة معه؟ - حياتي في الفن مع الزملاء في المسرح والموسيقى والسينما والإدارة الثقافية.. إلخ منذ أكثر منذ 40 سنة تقريباً أعتبرها كلها مغامرة، وسباحة صعبة ضد تيارات التطرف الديني، وحتى القبلي وبعض العادات والتقاليد المتحجرة، ومع ذلك لم تخلُ من البهجة وفرح الانتصار في كثير من المواقف، وقد كان من أصعبها على سبيل المثال إقامة مهرجان أفلام السعودية في دورته الأولى في الدمام بالتعاون والشراكة الوثيقة بين جمعية الثقافة والفنون والنادي الأدبي، قبل أن يكمل الزملاء في الجمعية فقط وعلى رأسهم أحمد الملا المشوار حتى بلغ دورته الخامسة هذا العام. r ما الحلم الذي لا تتنازل عنه؟ - أن أرى بلادي في طليعة الدول تقدماً واهتماماً بالفكر والثقافة والفنون والأدب. r ما لخطأ الذي تود اقترافه؟ - أن أترك كل شيء خلفي وأسافر بلا توقف لكل دول العالم للتعرف على الحضارات والشعوب. r بماذا تودعنا؟ - بكل الحب والشكر للتقاطع الثقافي الجميل في أسئلتكم مع البسيط والعميق من همومنا المشتركة.
مشاركة :