بدأ نظام بشار الأسد في سداد فواتير بقائه في السلطة لحلفائه وأعدائه على حد سواء وهي فواتير باهظة تنتقص من سيادة سوريا وكرامتها ووحدة أراضيها. فقد كشر حلفاء الأسد الروس والإيرانيون عن أنيابهم وطالبوا بمستحقاتهم فيما انتهزت إسرائيل وتركيا فرصة توزيع تركة بقاء بشار في الحكم فتمددت داخل الأراضي السورية، الأولى بصك تمليك أمريكي لهضبة الجولان المحتلة والثانية إحياء لحلم إمبراطوري قديم في الأناضول وشمال سوريا. الروس الذين ظلوا لعقود طويلة يحلمون بموانئ على المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط نالوا مرادهم أخيراً بإعلانهم على لسان نائب الرئيس الروسي يوري بوريسوف، إبرام اتفاق مع النظام السوري لاستئجار ميناء طرطوس الإستراتيجي لمدة 49 عاماً مع منحهم حق إقامة البنيات والمنشآت التي يحتاجونها، ما يعني أن العقد سيمتد لعقود طويلة قادمة. وبهذه الاتفاقية تكون موسكو قد حصلت على قاعدة عسكرية بحرية في البحر المتوسط، فميناء سان بطرسبورج، المطل على أوروبا لا يسمح لروسيا باستغلال موقعه الجغرافي المحدود في خليج فنلندا والبلطيق فقط، كما يصعب العمل فيه خلال فترة الشتاء. أما القاعدة البحرية لروسيا التي تقع في ميناء سيفاستوبول على البحر الأسود فهي غير قادرة على الوصول إلى البحر المتوسط إلا عبر المرور من مضيق البسفور. إيران تسعى للاستياء بشكل كامل على ميناء اللاذقية لتأمين طريق تجاري من طهران إلى البحر المتوسط. هذا ما جاء في تقرير لصحيفة التايمز البريطانية، التي ذكرت بأن طهران تنظر إلى ميناء اللاذقية باعتباره بوابة للشرق الأوسط. وفي تفاصيل الصفقة أن المحادثات بين طهران والنظام، بدأت عندما زار بشار الأسد طهران الشهر الماضي، وذلك لنقل إدارة ميناء الحاويات في اللاذقية إلى الإيرانيين اعتباراً من مطلع نوفمبر المقبل. وبحسب تقرير الصحيفة فإن هذه الخطوة من شأنها أن تسمح لإيران بالوصول بدون عوائق إلى منشأة تضم 32 مستودعاً، وكانت تحتوي ثلاثة ملايين طن من الشحنات عام 2010، وذلك وفق الإحصاءات المتداولة عن الميناء قبل بدء الحرب. «التايمز» كشفت أن الشركات الإيرانية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بدأت بالفعل بشحن بضائع عبر الميناء، ما يشير إلى أن طهران قد تستخدمها كطريق بديل لنقل الأسلحة إلى سوريا وبالتالي تسهيل نقلها إلى ميليشيا حزب الله. وفي نوفمبر الماضي أعلنت شركة السكك الحديدية الإيرانية عن إطلاقها مشروع إنشاء سكة حديدية بدءاً من مدينة شالاماشه الإيرانية مروراً بميناء البصرة في العراق، ليمتد إلى أن يصل إلى مدينة اللاذقية. وإضافة إلى ذلك منح نظام الأسد طهران وشركات مرتبطة بالحرس الثوري عقوداً في مجال تشغيل شبكة الهاتف المحمول ومناجم الفوسفات، كما منحتهم أراضي زراعية خصبة ورُخصاً لتطوير فروع جامعات في سوريا. إسرائيل وطدت أقدامها في هضبة الجولان بعد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالسيادة الإسرائيلية عليها في انتهاك صريح للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن. نتنياهو الذي اصطحب زوجته لقضاء عطلة في الجولان خاطب المستوطنين هناك قائلاً: «ما أجمل أرض إسرائيل»!. والأتراك الذين ضموا لواء أسكندرون في شمال غربي سوريا عام 1939م ما زالوا يطمعون في المزيد ويمدون نفوذهم وسيطرتهم في شمال شرقي تركيا بحجة مواجهة الإرهاب. ففي 17 سبتمبر الماضي، جرى توقيع اتفاق بين بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان تضمن إقامة منطقة «خفض تصعيد» في «مثلث الشمال» الذي يضم إدلب وأرياف حلب وحماة واللاذقية. وفي نهاية 2016، وبداية 2018، أسفر اتفاقان آخران بين روسيا وتركيا عن إقامة تركيا منطقتي نفوذ في «درع الفرات» وعفرين. وعليه، نشر الجيش التركي عديداً من نقاط المراقبة في العمق السوري، وربط هذه المناطق التي تزيد على 10 في المائة من مساحة سوريا بتركيا اقتصادياً، وفي البنية التحتية الخدمية والإدارية والإلكترونية. وأعلن «الائتلاف الوطني السوري» المعارض والمدعوم من أنقرة أمس فتح مكتب له شمال سوريا، هو الأول منذ 2011. ويجري الحديث حالياً عن صفقة صغيرة تتضمن انسحاب روسيا من تل رفعت والسماح لتركيا وحلفائها للدخول إلى شمال حلب وفتح طريق غازي عنتاب - حلب مقابل دخول روسيا وحلفائها إلى مثلث جسر الشغور لحماية قاعدة حميميم والتفكير بتشغيل طريق اللاذقية - حلب. ومطلع هذا الأسبوع وصف بشار الجعفري، مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة الاحتلال التركي» بأنه أسوأ من الاحتلال الإسرائيلي بأربع مرات، فيما يخص مساحة الأرض السورية التي تسيطر عليها كل من تركيا وإسرائيل. وقال الجعفري، في مؤتمر صحافي في ختام اجتماع آستانة الجمعة الماضي إن «النظام التركي لم يلتزم بتنفيذ تعهداته بإخراج التنظيمات الإرهابية من إدلب ولا باتفاق سوتشي حولها، ويستمر بدعم تنظيم جبهة النصرة الإرهابي»، وقارن الجعفري «الاحتلال» الإسرائيلي للجولان بـ«الاحتلال» التركي لأراضي شمال سوريا، قائلاً إن تركيا «تحتل نحو 6 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي السورية في شمال سوريا، أي عفرين وجرابلس ومدن أخرى، علاوة على إدلب، وتقوم الآن بإنشاء جدار بطول 70 كيلومتراً جنوب منبج لفصلها عن حلب، وتفرض التتريك في المدارس السورية». وأضاف الجعفري أن «تركيا اليوم في توصيف مساحة الأراضي التي تحتلها من أراضينا هي أسوأ من إسرائيل بأربع مرات، حيث تحتل 4 أضعاف مساحة الجولان الذي تحتله إسرائيل، وبالتالي فإن سلبية تركيا تجاه الشعب السوري هي أسوأ 4 مرات من سلبية الاحتلال الإسرائيلي للجولان، فتركيا وإسرائيل على المستوى نفسه، لكن تركيا تحتل مساحة أكبر من المساحة التي تحتلها إسرائيل في الجولان».
مشاركة :