الشاعر محمد يعقوب: الشعر نعمة عظيمة وهبها الله للشعراء.

  • 5/3/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يعرفان بعضهما جيداً لذلك لديهما شيء مختلف، يريد أحدهما أن يسأل الآخر عنه، أو أن يكتب عن أحد أعماله وهنا نفتح النوافذ لهما في إطلالات خاصة تشرع منها الأخيلة لتأملات جديدة.. أحاديث صادقة منبعها قلبان يتوشحان البياض لتلخص للقراء حكاية علاقة إنسانية. هنا حوار قلبين.. مساحة حرة خارج سلطة المحرر r المتتبع للتجربة الشعرية عند محمد إبراهيم يعقوب يلحظ تدرج الشاعر في استحضار كل الأشكال الفضائية للشعر العربي بدءًا من أيقونة الشكل القديم إلى شعر التفعيلة مرورًا بشكل القصيدة السطرية وانتهاء بقصيدة الومضة... بعد ركوبك هذه المغامرة في التجريب.. كيف ترى ذلك؟ ‏- في البدء أعتقد أن جيل التسعينيات الميلادية وما بعد عام ٢٠٠٠م استطعنا الخروج من صراعات الثمانينيات الشكلية، التي امتدت لتكون فكرية آيدلوجية فيما بعد.. وانفتحت ذائقتنا على الشعر كشعر لا على شكله ومن يمثله كل شكل من أسماء وتوجهات. ‏لا شك أن البدايات كأي بدايات لم تكن تخلو من قلق التأثر، لكن وعيًا ما وحساسية ما كانت تقود الشاعر الحقيقي منّا إلى الإدراك مبكرًا أن يكون هو.. أما عن تجربتي في استحضار أشكال كتابية ذات فضاءات متنوعة، فأعتقد أن ذلك يرجع لرؤيتي للشاعر، فألصق صفتين ترافقان الشاعر هما: الشجاعة وحرية الروح.. على الشاعر أن يتغير ويستجيب ويجازف إذا أراد أن يبقى حيّاً! r من يقرأ المدونة الشعرية لمحمد يعقوب يلفت انتباهه تأثره الواضح بالشاعر محمد الثبيتي... هل هو نوع من الوفاء والإعجاب الفني بالثبيتي؟ أم بحثًا عن المكانة التي وصل إليها الثبيتي؟ أم لطغيان شهرة الثبيتي على بقية الشعراء، وما أولاه النقاد والباحثون من اهتمام لافت لتجربته الشعرية؟ ثم حدثنا عن كتابك حول الثبيتي سيرة شعرية وإنسانية؟ ‏- ربما حكايتي مع الثبيتي الشاعر طبعًا حكاية خاصة جدًّا، في بداياتي كنت مغرمًا بالقصيدة العمودية ومؤمنًا بها.. ولا أدري من أين جاء هذا الإيمان حينها، ولكن ما كان يصلني من الشعر مما يحيط بي لم يكن ليملأ ذاك الإيمان حتى ارتطمت وارتطمت فعلاً بتجربة البردوني العظيمة، فكأني عثرت على ضالتي إذا صح التعبير. ولكن في المرحلة نفسها من البحث قرأت أمل دنقل الهائل وآمنت من خلالهما معًا أن القصيدة حياة وليست حروفًا على ورق. الثبيتي جاء بِالضبط هنا لأؤمن أن التجربة الشعرية السعودية لديها ما تقول وبإمكانها أن تقول. فكان الثبيتي نموذجي وهنا أتحدث شعريًّا وعبر ديوان التضاريس تحديدًا أول ما قرأت للثبيتي، ثم بدأت رحلتي معه رغم تحذير شاعر كبير لي حينها من قراءة شاعر مارق مثل الثبيتي - على حد قوله -، ما دفعني إلى الارتباط والغوص عميقًا في تجربة الثبيتي. كتابي عن الثبيتي «محمد الثبيتي سيرة شعرية وإنسانية» جاء تتويجًا لكل هذه الحكاية وما صاحبها من تحولات. r ما رأيك في مبادرات بعض الجامعات السعودية حول دراسة الأديب في حياته؟ وماذا تقول لمن يرى أن تجارب الشعراء الشباب غير ناضجة، ومن المفترض ألا تكرس لها دراسات أكاديمية؟ ‏- للإجابة عن هذا السؤال سأتوقف عند أمرين بدءًا، الأول لا أفهم ما المانع من مكاشفة تجربة حية تضيء لصاحب التجربة ولغيره من مجايليه فتوحات نقدية تدعم الحركة الإبداعية في ذروة حيويتها وجريان أنهارها، والثاني أن ربط دراسة تجارب حية بالمبدعين الشباب ليست دقيقة، لمَ لا تدرس تجارب حية من أجيال مختلفة مثلًا الصيخان ومحمد جبر شعرًا أو عبده خال ورجاء عالم وليلى الجهني سردًا أو البازعي والسريحي كتجارب نقدية. ‏من هنا أرى أن كثيرًا من الذرائع في هذا الموضوع تسقط، فالباحث يدرس تجربة؛ لأنها تستحق ليس لأن صاحبها ميتٌ أو ما زال على قيد الحياة، ثم إن الباحث يدرس التجربة من زاوية ما، يدرس ظاهرة وفق منهج محكم، وبأدوات ومفاهيم موضوعية، ويصل إلى النتائج ويطلق الأحكام بعد الدراسة وليس قبل ذلك. r نقرأ حضورًا كبيرًا لتجربتك الشعرية في الدراسات الأكاديمية... ماذا أضافت لك؟ ‏- حقيقة أشعر بغبطة كبيرة أن تحظى تجربتي الإبداعية بعدة دراسات نقدية عبر رسائل جامعية وفي عدة جامعات سعودية عريقة.. ودعيني هنا أشكر سعة أفق هذه الجامعات التي تفتح فضاء رحبًا لدراسة تجارب حية وحاضرة في المشهد، ولا شك أن إبداعات الأدب السعودي بدأت تأخذ مكانها ومكانتها التي تليق بها في واجهة المشهد الإبداعي على مستوى الوطن العربي، وهذا ليس تحيزًا؛ بل هذا ما يتفق عليه الجميع الآن، وعلينا أن نعترف هنا أن هذا الحضور الإبداعي اللافت للمبدعين السعوديين يحتاج إلى مثل هذه الدراسات الأكاديمية؛ لتسلط الضوء عليه وتحتفي به وتكتشف أعماقه، وعن تجربتي الشخصية فقد أفدت كثيرًا من هذه الدراسات مما أتمنى أن يثري تجربتي الإبداعية مستقبلًا بإذن الله. r ما رسالة الشعر؟ وما رسالتك للشعراء الشباب؟ ‏- كنت لا أستسيغ مثل هذه الأسئلة في السابق حتى عثرت على حديث للشاعر العظيم ت. إس. إليوت يناقش فيه رسالة الشعر أو وظيفة الشعر كما أسماها وبعد مقدمة طويلة وصل إليوت إلى أن: «أولى وظائف الشعر التي لا بد أن ينجزها إذا كان له أن ينجز أية وظيفة هي أن الشعر يجب أن يمنح المتعة، ثم أن أي شعر عظيم يجب أن يعطينا شيئًا ما إلى جانب المتعة مثل الفهم الجديد للحياة أو التعبير عن أرواحنا بالكلمات أو توسيع مجال وعينا والارتقاء بإحساسنا» انتهى كلام ت. إس. إليوت. ‏فالفن أي فن هو متعة بدءًا ثم إنه ليكون عظيمًا لا بد أن يخلق داخلك حالة جديدة لا يمكن لك أن تسميها، ولكنك تشعر بها حتمًا عند قراءة قصيدة عظيمة أو التماهي مع رواية عظيمة أو مشاهدة فيلم عظيم. ‏أما مسألة رسالتي للشعراء الشباب فحقيقة ضحكت في داخلي لأننا إذا تجاوزنا أني لا أحب النصائح لا أن ألقيها على أحد أو يلقيها أحد علي، إذا تجاوزنا هذا فإني أؤكد لك أنني أتعلم وتعلمت من الشباب الكثير الكثير الكثير، وما زلت وسعيد بهذا جداً، بل وأتغير إلى الأفضل بفضل ما أتعلمه منهم، كثير من الشعراء الشباب خلّاقون بطريقة معدية. r ونحن نتابع حساباتك على مواقع التواصل الاجتماعي نلحظ التفاعل العريض حول ماتنشره وما تغرد به من نصوص إبداعية.. كيف تقيم تجربة النشر الإلكتروني خصوصًا مع هذا الوعي بقيمة هذا المنجز الحيوي المتدفق الذي يحيط بنا اليوم والتفاعل الكبير بين المبدع والمتلقي؟ ‏أتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي وقد دخلتها متأخرًا كثيرًا وأحجم إلى الآن عن الكثير منها، أتعامل معها كمنصات أستطيع من خلالها المساهمة مع غيري من الشعراء الممتعين لفتح آفاق جديدة للشعر الفصيح، وتوسيع مساحة القراءة لقصيدة الفصحى.. وأعتقد أن هذه الأهداف بدأت تتحقق بشكل كبير ومبهج، ثم أنني أهدف بشكل شخصي إلى إضفاء المتعة على من يقرأ القصيدة الفصحى، ملامسة تجربة عميقة لدى قارئ واحد تمثل بالنسبة لي انتصارًا للجمال والإبداع والإنسان هذا هو مجد الكتابة، لم أعد آخذ الأمور بجدية حقيقة، كل ما أفعله الآن أن أستمتع أنا بالكتابة وأن أجد صدى لها في روح قارئ ما. الشعر نعمة عظيمة وهبها الله للشعراء وعليهم أن يؤدوا حقها بهذا التعالق الروحي مع من يتذوق الشعر ويحتفي به ويغير فيه شيئًا في الداخل ويعبر عنه بطريقة أو أخرى، وهذا ما حققه هذا التفاعل الآني عبر وسائل التواصل الاجتماعي. r في ديوان «متاهات» لاحظت أنك تصدّر كل متاهة بنص شعري قصير لشاعر من الشعراء الشباب الذين برزوا في الوطن العربي، وتحتفي بهم بطريقتك الخاصة - ولم يعهد على حد علمي - أن يقوم شاعر متقدم فنيًّا بالتقديم لنصه من شاعر أقل منه سنًا وتجربة... حدثنا عن سر هذا التصدير؟ - ‏ديوان «متاهات» تجربة خاصة جدًا، أحبّها وسعيد أن أنجزت بالشكل التي خرجت به.. أحب التغيير والتعبير بطرق مختلفة عبر الشعر ومن خلاله، أنت تكتب الشعر لكن الشكل النهائي للديوان أي ديوان قد يكون فكرة بحد ذاته، وجدت أن الديوان سيكون أجمل لو وزّع لعدة متاهات.. وأنا أقرأ شعر أصدقائي بمحبة كبيرة، لفت نظري أن عناوين المتاهات تتقاطع مع بيت شعري أحفظه لهذا الصديق أو ذاك.. حينها قررت لماذا لا أصدر كل متاهة ببيت شعري لأحد الأصدقاء وهكذا كان.. كل من أوردت له بيتاً شعريًّا في ديوان متاهات هو شاعر أحبه.. الرهان كان على الحب والشعر طبعًا.. وبالتأكيد وجودهم أضاف لي الكثير وللديوان الكثير. r شاركت في مسابقة أمير الشعراء، ونلت المركز الثاني.. بم خرجت من هذه التجربة؟ ‏- في البدء دعينا نحتفل معًا بسلطان الشعر أخي الغالي الشاعر الدكتور سلطان السبهان لحصوله على لقب أمير الشعراء هذا الموسم وللسنة الثالثة على التوالي يذهب اللقب للمملكة العربية السعودية. هذا من ضمن المؤشرات الكثيرة والواضحة لكل متابعي الشعر في الوطن العربي أن السعودية أصبحت واجهة شعرية حقيقية ذات تجارب تسهم في تشكيل الوعي الشعري العربي بكثافة وإتقان لافت. ‏تجربتنا قديمة جاسم الصحيح وأنا لكننا بدأنا الطريق في هذه المسابقة بالذات، وتوالت المشاركات والإنجازات ورسم صورة عامة وجلية للمشهد الشعري السعودي عربيًا، وهنا أتحدث عن تسليط الضوء إعلاميًا على التجارب الشعرية الجديدة مما وضع الأسماء الشعرية المبدعة في السعودية في الواجهة إضافة لوسائل التواصل الاجتماعي بالطبع. r ماذا عن فوزك بعديد من الجوائز منها جائزة وزارة الثقافة والإعلام للكتاب وجائزة الثبيتي للإبداع وغيرها؟ ‏- الجوائز في مقابل النقد الغائب، هكذا فرضت علينا هذه المعادلة أحيانًا اشتراطاتها.. سأتحدث عن المشهد الشعري في السعودية حصرًا ففي مرحلة الثمانينيات كان النقد يسير كتفًا إلى كتف مرافقًا للحركة الإبداعية، كانت الأمسيات الشعرية والقصصية تحظى بقراءات نقدية معدّة سلفًا لنصوص الأمسية وبالإتفاق مع أسماء نقدية مهمة، إذا تجاوزنا قليلًا الصراع الدائر وقتها، لكن مما لا شك فيه أن الحركة النقدية كانت حاضرة ومؤثرة ومواكبة.. بعد ذلك انفضّ السامر على ما يبدو ذهب النقاد ليحققوا نجوميتهم الخاصة وهذا من حقهم بالطبع.. وكان لزامًا على المبدع أن يبدع فقط، أو أن يبحث عن طريقة لتسليط الضوء على إبداعه، الجوائز فعلت هذا، ولعلنا نلاحظ جميعًا كيف يبعث الشاعر من جديد رغم تجربته المتراكمة بمجرد الإعلان عن حصوله على جائزة إبداعية هنا أو هناك.. لكن السؤال على الحصول على جائزة ما هو مؤشر تفوق إبداعي؟ بالتاكيد لا، الإبداع سابق للجائزة، بل ويتم في دائرة اشتغال عميقة وبعيدة، للمبدع الحقيقي على الأقل، عن ما تحدثه الجوائز من ضجيج.. وقد يكون دور الجائزة الأهم هو تحفيز المبدع هو كلمة «شكرًا» التي يفضل المبدع سماعها ليستمر ويتطور ويبدع. r حدثنا عن جائزة السنوسي الشعرية مؤسسًا ومشرفًا ثم أمينًا عامًا للجائزة.. ولماذا استقلت عنها؟ - ‏لدي ثماني مجموعات شعرية، أظن أن جائزة السنوسي هي مجموعتي الشعرية التاسعة.. أسستها وأطلقتها وكنت مشرفًا عليها ثم أمينها العام أخذ هذا العمل ست سنوات لتكتمل بصورتها النهائية، وذلك بدعم مجلس التنمية السياحية بمنطقة جازان واللجنة المنظمة التي عملت معها بكل حب وتفانٍ، وكلنا اتفقنا كأعضاء اللجنة المنظمة أن ست سنوات كافية للعمل في الجائزة، ولا بد للجائزة من فضاء آخر تحلق فيه وعبره، الجائزة الآن لدى نادي جازان الأدبي، وهي جهة ذات اختصاص، أدعو لهم بالتوفيق وللجائزة بالاستمرار والتألق بإذن الله.

مشاركة :