هل هذا هو أخطر الطرق البحرية في العالم؟

  • 5/3/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مصدر الصورةJames Clark عندما كنت طفلا، كان جدي ألفريد داونز، يحكي عن رحلته التي استغرقت 128 يوما في عام 1949، من ميناء إليزابيث في مدينة أديلايد الأسترالية، إلى بلدة فالموث في كورنوول بإنجلترا، على متن سفينة شراعية ضخمة محملة بـ 60 ألف جوال من الحبوب المزروعة في أستراليا. وبعد هذه الرحلة، لم تبحر السفينة الشراعية قط في البحار متلاطمة الأمواج في ممر دريك، ولم تدر أي سفينة شراعية تجارية أبدا حول رأس كيب هورن جنوبي تشيلي. وتزامنا مع مرور 70 عاما على رحلة جدي واقتراب الذكرى المئوية الخامسة لاكتشاف مضيق ماجلان الذي يفصل بين الحافة الجنوبية لأمريكا الجنوبية وأرخبيل تييرا ديل فويغو بتشيلي، عزمت على الإبحار على متن باخرة في مدينة بونتا أريناس، بتشيلي، لأرى بعض المشاهد التي طالما حكى لي عنها جدي. وبالرغم من أنه كان من الصعب تكرار نفس رحلة جدي الطويلة التي استغرقت أربعة أشهر للدوران حول رأس كيب هورن، فإن رحلتي التي لم تستغرق سوى أربع ليال جعلتني أعيش المغامرة التي كنت دائما متشوقا لتجربتها، إذ مررت بنفس الخلجان الضيقة ووصلت إلى أخطر مرحلة في الرحلة، وهي رأس كيب هورن، الذي علق في ذاكرة جدي حتى مماته.باراك أوباما يروي حكاياته مع السفر وفوائدهقصة الأميرة التي أحدثت ثورة في مجال الطب العسكريمصدر الصورة Trinity Mirror/Mirrorpix/AlamyImage caption في عام 1949، أبحر جد كاتب المقال من أستراليا إلى إنجلترا لمسافة 26 ألف كيلومتر على متن السفينة الشراعية المبينة في الصورة في عام 1947 ولم يكن جدي على وفاق مع أبيه، ولهذا غادر أستراليا بلا رجعة وهو في سن 20 عاما على متن سفينة شراعية، وأراد أن يبدأ حياة جديدة في انجلترا التي كان مبهورا بتاريخها. وعندما أتيحت له فرصة للعمل على متن السفينة الشراعية، وافق جدي على الفور، وانضم إلى طاقم السفينة المكون من 33 فردا. وكان يعمل 18 ساعة يوميا في تنظيف سطح السفينة والمساعدة في المطبخ وتفريغ المراحيض. ووجد جدي العمل شاقا إلى حد أنه غادر السفينة بمجرد وصولها إلى بريطانيا وتوجه إلى مدينة نورفوك حيث عمل بالزراعة حتى وفاته في عام 2003. ولم يستمتع جدي في الرحلة بشيء قدر استمتاعه برؤية أرخبيل تييرا ديل فويغو الذي بدا وكأنه يحمي مضيق ماجلان من مياه المحيط، واستنشاق هواء القارة القطبية الجنوبية والإحساس بالهواء المتجمد عندما يلامس وجهه. وكان يحكي لي عندما كنت في العاشرة، أن هذا المكان فريد من نوعه، فشتان ما بينه وبين مزرعة أبيه الجافة القاحلة. وكان يقول: "لا شيء هناك يذكرني بموطني، شعرت أنني تائه وخائف، لكنني كنت حرا". وعندما وصلت إلى مدينة بونتا أريناس، تجولت في الميدان الرئيسي، الذي يتوسطه تمثال برونزي لفردناند ماجلان، أول أوروبي يبحر عبر المضيق الذي سُمي باسمه في عام 1520 خلال رحلته حول العالم. إذ أبحر المستكشف البرتغالي بالقرب من مدينة بونتا أريناس التي تقع على مقربة من الحافة الجنوبية لإقليم باتاغونيا في تشيلي، وقد لاحظت أن لون حذاء التمثال قد تغير بعد أن دأب الناس لسنوات طوال على لمس أصابع أقدامه قبل الصعود إلى السفن التي ستمر عبر المضيق اعتقادا منهم أن ذلك سيجلب لهم الحظ.مصدر الصورةBen SayerImage caption كاتب المقال جيمس كلارك يقف أمام نصب تذكاري للبحارة الذين ماتوا غرقا أثناء الدوران حول رأس كيب هورن وظل مضيق ماجلان لنحو 400 عام الطريق الرئيسي للسفن التي تبحر بين المحيطين الأطلسي والهادئ. وبالرغم من أنه ممر ضيق طوله 600 كيلومتر ويجتاز شبكة من الجزر والخلجان، إلا أن مضيق ماجلان كان يُعد أسرع وأكثر أمانا من الدوران حول رأس كيب هورن في الجنوب ودخول ممر دريك الفاصل بين رأس كيب هورن وجزر شتلاند الجنوبية في القارة القطبية الجنوبية، الذي اشتهر باضطراب أمواجه. وقد ساعد شق قناة بنما في عام 1914 في تخفيف حدة الازدحام في مضيق ماجلان، لكن السفن الشراعية القادمة من أستراليا كانت تجد صعوبة في الوصول إلى المدخل الغربي للقناة بسبب موقعه وسط منطقة الركود الاستوائي. وكانت السفن الشراعية التي كان هيكلها مصنوعا من الفولاذ، تتفادى المرور عبر مضيق ماجلان الضيق والمتعرج، نظرا لضخامتها ومن ثم اضطرت سفينة جدي للدوران حول أطراف المضيق وجزر تييرا ديل فويغو ثم حول رأس كيب هورن. وكان جدي يتباهى بأن السفينة التي كان فردا من طاقمها هي آخر سفينة شراعية تجارية تبحر في هذا المسار. ورست السفينة التي كنت على متنها في بونتا أريناس، وكانت رحلتي أيسر بمراحل من رحلة جدي، التي خاض خلالها أهوال البحار الأكثر تعرضا للعواصف وقطع مسافة 26 ألف كيلومتر. وكان المساء قد حل عندما دخلنا متاهة القنوات في المضيق، وسرعان ما أظلمت السماء ولم أكن أشعر سوى بحركة السفينة على الأمواج. وتذكرت ما قاله جدي عن الليالي المظلمة والطويلة والوحدة في البحار المفتوحة. وفي صبيحة اليوم التالي، استقليت قاربا مطاطيا صغيرا لأشاهد الشواطئ الصخرية بخليج إينسورث، المحاط بغابة شبه قطبية ويشرف عليه نهر مارينيلي الجليدي. وعندما وصلت إلى الغطاء الجليدي، كان المنظر آخاذا، إذ انعكس ضوء الشمس على الغطاء الجليدي وبدا البحر صافيا إلى حد أنك قد تظن أنه نهر نقي. ومشيت على مدى ساعتين على ضفاف بحيرة تكونت بفعل جريان النهر الجليدي ومررت بجداول شديدة الزرقة وشلالات مياه. وكان المكان يلفه سكون ساحر، وصفه لي جدي من قبل وأطلق عليه "لحظة باتاغونيا"، وهو مصطلح لم أدركه عندما كنت طفلا. فقبل مجيئي إلى خليج إينسورث لم أر مطلقا مكانا يسوده صمت مطبق.مصدر الصورةJames ClarkImage caption خليج إينسورث في مضيق ماجلان، هو خليج طويل ومحاط بغابات شبه قطبية وفي منتصف النهار، عدنا إلى القارب وأبحرنا عبر البحار متلاطمة الأمواج لنرى البطاريق على سلسلة الجزر الصغيرة بمضيق ماجلان، وكان جدي يذكر لي جزيرة باتاغونيا الصخرية المغطاة بالبطاريق. ويعيش على هذه الجزر الصغيرة الآن 40 ألف بطريق، وكانت اليوم تلهو تحت زخات المطر. وعندما اقتربنا من نهر بيا الجليدي، في صباح اليوم التالي، شاهدنا منظرا رائعا، وصفه جدي بأنه مسطح مائي مترامي الأطراف وسط جزر تييرا ديل فيوغو ويتخلل الجبال كتل ضخمة من الجليد- يقصد الأنهار الجليدية. وكلما كانت السفينة الشراعية الضخمة تمر بهذه الأنهار الجليدية، كان البحارة يتوقفون عن العمل ليستمتعوا بروعة المنظر.مصدر الصورةUnited Archives GmbH/AlamyImage caption كان جد كاتب المقال يعمل 18 ساعة يوميا على متن قارب شراعي ضخم- كما يتضح في الصورة التي التقطت عام 1959 كانت مساحة نهر بيا الجليدي تقدر في الماضي بنحو 14 كيلومترا مربعا، لكنه تضاءل الآن إلى سبعة كيلومترات مربعة. وعندما دنوت من الجبل الجليدي وتسلقت سلسلة جبال داروين، سمعت صوت ذوبان النهر الجليدي وتدفقه في البحر. وبينما كانت السفينة تبحر حول الكتل الجليدية الطافية، لمحت دلافين تسبح بمحاذاة السفينة وحوتا على مرمى حجر منها. وأخيرا اقتربت السفينة من المرحلة التي كنت أترقبها من الرحلة وهي رأس كيب هورن، وكان لابد أن تجتاز السفينة ممر دريك الخطير، الذي تسببت رياحه العاتية وأمواجه العالية في غرق مئات السفن.مصدر الصورة James ClarkImage caption تضاءلت مساحة نهر بيا الجليدي من 14 كيلومترا مربعا إلى نحو سبعة كيلومترات مربعة وفزعت في الرابعة والنصف صباحا من النوم عندما أخذت السفينة تتأرجح بين الأمواج المتلاطمة، وعندها تأكدت أننا اقتربنا من ممر دريك. حتى إن المياه حول الممر لا تزال معروفة بأنها من أخطر الطرق البحرية في العالم. وطالما حالت الأحوال الجوية المتقلبة في هذه المنطقة دون وصول السفن إلى كيب هورن. وعندما اقتربت سفينة جدي الشراعية من رأس كيب هورن في عام 1949، أمضى أفراد طاقم السفينة النهار بأكمله في رفع الثلوج عن سطح السفينة. وعندما هدأت العاصفة، اقتربنا من كيب هورن على متن قارب مطاطي. وما إن وطأت قدماي كيب هورن، حتى انهمرت على رأسي الأمطار واشتدت الرياح. وتسلقت الصخور حتى وصلت إلى فنار وكنيسة ونصب تذكاري لتخليد ذكرى ألاف البحارة الذي قضوا غرقا في محاولات الدوران حول كيب هورن. لم ينزل جدي في كيب هورن، لكنه كان يصفها بأنها صخرة "خبيثة" على الجزيرة كانت تراقبة ويقول: "مات الكثيرون قبلي في هذه المنطقة. وكل ما كنت أريده حينها هو أن أهرب من كيب هورن في أسرع وقت ممكن، ولم يكن في نيتي العودة مرة أخرى على الإطلاق". وها أنا ذا أطل على الأراضي الوعرة التي ألهمت جدي للإبحار والتطلع دائما إلى الأمام. وهذا يدعوني للتساؤل حول رد فعل جدي حين يراني أسير على خطاه وأستقل قاربا مطاطيا مستلسما للرياح التي تدفعني للأمام. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel --------------------------------------- يمكنكم تسلم إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق بي بي سي عربي على هاتفكم المحمول.

مشاركة :