القيثارة تعبر عن مدى المذاق الفني والحرفية للدلمونيين كشف الباحث في علوم التاريخ والآثار محمود عبد الصاحب في محاضرة له بمقر جمعية تاريخ وآثار البحرين عن الفرضيات البحثية المتعلقة بـ(الثور الدلموني) سواء كان برونزيا أو نحاسيا باعتباره مقدمة (القيثارة المكتشفة في معبد باربار الثاني عام 1955) مشيرا في هذا الخصوص إلى ان هذا الرمز يمثل معلما ورمزا ثقافيا حفظته سجلات الحضارات الإنسانية القديمة، وقد اطلع عليها الباحث خلال زياراته لعدد من المتاحف العالمية. وذكر ان القيثارة الدلمونية هي أداة مرهفة التصميم في التعبير عن شغف إحساس الإنسان الدلموني في استحضار الشجون الساكنة في سرمدية رثائيات المعبد الدلموني من جهة، ومن جهة ثانية تعبر عن معزوفات تلامس الانشغال بحياة ما بعد الموت والانتقال إلى العالم الآخر، وقد ابرز المحاضر مدى ترابط موروثات الحضارة الدلمونية بموروثات حضارة وادي الرافدين من النواحي المادية والثقافية والرمزية وغيرها. وأكد ان القيثارة الدلمونية أو الكتابات المسمارية أو الصواني أو الأختام لم تكتشف أو تأتي من أعمال الصدفة بقدر أنها تعني الأدب والفكر والرمز والحياة في هذه الجزيرة، وما هذه المواد المكتشفة إلا مجسمات لواقع تلك الحقب الزمنية الماضية منذ آلاف السنين، مثلما هو الحال في معالم حضارات مصر ولبنان وسوريا والعراق والهند أو تلك التحف المعروضة في متاحف أوروبا والولايات المتحدة. وعرض للحضور مجسما للقيثارة حاول فيها إعادة الروح إلى الإبداع الفني في القيثارة والرأس حيث شاهدها في متحفي اللوفر ولندن وشرح كيفية تركيبة القيثارة سواء المقدمة (رأس ثور) أو الأوتار المحيطة به في ما يشبه صندوقا خشبيا وجد في معابد وتلال باربار خلال اكتشافات البعثة الدنماركية بقيادة غلوب سنة 1952، حيث تم العثور على مجسم فني لثور شائع ذكره في حضارة وادي الرافدين، والتي تعود إلى 2500 سنة قبل الميلاد، وقال: يستدل من هذا الاكتشاف على مدى المذاق الفني والحرفية لمن عاش تلك الحقبة الزمنية بالإضافة إلى الرمزية الموسيقية التي وصل إليها الدلمونيون مقارنة مع ما كان متداولا في حضارة (أور) بالعراق قبل أكثر من 4 آلاف سنة بالإضافة إلى ما ورد في ملحمة جلجامش وتقديم الأضاحي داخل المذابح في المعابد وغيرها من القصص والأساطير. وكشف ان استخدام الزرنيخ في تركيبة رأس الثور حافظ على التركيبة طوال هذه المدة ضد التحلل، ورأس الثور موجود في متحف البحرين الوطني مشيرا إلى ان رأس الثور الموجود في مدافن البحرين يختلف إلى حد ما عند رأس الثور في حضارة وادي الرافدين إلا ان هناك علاقة وثيقة بين الأختام الدلمونية سواء الموجودة في جزيرة البحرين أو جزيرة فيلكا بالكويت، وبرزت نقوش الثور على الأختام الدلمونية، ما يعكس الحياة الاجتماعية حينها من زراعة وصناعة وتجارة، وهكذا ينطبق على الملك أو القائد في ذلك الزمان حينما يحضر للتعبد والتنسك في هذه المعابد، تعزف له الموسيقى ترحابا بمقدمه وترحاله. واسترسل المحاضر محمد عبد الصاحب في سرد مواد أخرى تدعم ما جاء في حديثه عن القيثارة بمقدمة رأس الثور المعروف سواء في منطقة الخليج أو الهند ورمزية الثور أو بالأحرى إلى وجود الثور في مقدمة القيثارة، ولماذا لم تكن (رأس بقرة أو خروف) حيث كان هذا مثار جدل ونقاش بين المتحدث والحاضرين، وكانت أجوبته ضمن إطار أكاديمي بحت مشددا ان (القيثارة) هي رمز الفقر والغنى والحياة والموت والثور صحيح انه حيوان لكنه رمز ديني في حضارات عدد من الشعوب وهو رمز للقوة والصبر، أما الموسيقى فهي أجمل تعبير عن حالات الشعوب ومعاناتها في شجونها وفرحها وسعادتها، وهكذا أجاب عما طرح من أسئلة مختتما إجاباته بالقول: «اننا في الوطن العربي مازلنا نفتقد المتخصصين في مجال الاكتشافات والتنقيب عن الآثار، مختصون يستطيعون فك الرموز الأثرية والمعالم التاريخية بكل أمانة مهنية ومعرفة لغوية وتاريخية».
مشاركة :