فرنسا ستقدم معدات وتجهيزات عسكرية للعراق مقابل تكليفه بمعضلة الجهاديين الفرنسيين غير المرحب بهم في فرنسا. باريس - قدمت فرنسا والعراق اليوم الجمعة في باريس "خريطة طريق استراتيجية جديدة" تحدد إطار العلاقات بينهما، خصوصا في المجالين العسكري والاقتصادي. وقال مصدر في رئاسة الجمهورية إن خريطة الطريق هذه تم توقيعها مساء أمس الخميس، خلال مأدبة عشاء بين رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، على أن يُكشف مضمونها اليوم الجمعة خلال لقاء بين عبدالمهدي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقد في قصر الإليزيه. قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي اليوم الجمعة خلال مؤتمر صحفي مشترك مع ماكرون في باريس إن ممثلي الشركات الفرنسية الكبرى أبدوا اهتماما بتوسيع النشاط الاستثماري في بلاده. وقال بيان للحكومة العراقية إن عبدالمهدي اجتمع في باريس مع رؤساء وكبار مسؤولي كبريات الشركات الفرنسية، لبحث فرص مشاركتها وزيادة حضورها في العراق. وقال ماكرون خلال المؤتمر "لدينا كفاح مشترك ضد الإرهاب والهمجية. المعركة على الإرهاب لم تنته ويجب استكمال المعركة". أعرب الرئيس الفرنسي عن رغبة بلاده أن "يترأس العراق إلى جانبنا الخريف المقبل المؤتمر الدولي حول دعم ضحايا العنف الديني والعرقي في الشرق الأوسط"، مشيرا إلى أن "استقرار العراق والمنطقة يهمنا ونريد عراقا يكسب الأمن ويكون نموذجا للدول التي تمر بفترات إنتقالية". وقال بيان لوزارة الخارجية العراقية في وقت سابق إن "هذه الوثيقة تهدف إلى إنفاذ المحاور الرئيسة للتعاون الثنائي على مستوى المشاورات السياسية، وتعزيز عمليات التبادل الدبلوماسي، وتطوير التعاون المؤسساتي في مجال الحوكمة، والتعاون العسكري، والأمني، وتطوير البرامج التدريبية المتخصصة، والملائمة في مجال مكافحة الإرهاب والمساهمة في تنمية القدرات العراقـية، وإقامة شراكات اقتصادية، وتبادلات تجارية". واختتم البيان "الاتفاق يؤكد عزم الجانبين على دفع علاقات التعاون في جميع المجالات؛ لترتقي إلى مستوى طموح البلدين". وكشفت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية أن خريطة الطريق هذه تتضمن شقا عسكريا يشمل تعزيزا لعديد الجنود الفرنسيين الذين يدربون نظراءهم العراقيين. وقالت الصحيفة الفرنسية إن عبدالمهدي "ليس بغريب عن فرنسا التي يزورها وهو رئيس وزراء بعد أن قضى فيها عدة سنوات ولا تزال زوجته تقيم قرب مدينة سانت إيتيان"، معتبرة أن ذلك "سيسهل تعزيز العلاقات بين باريس وبغداد، اللذان يحتاجان إلى بعضهما البعض أكثر من أي وقت مضى رغم العقبات العديدة". وأشارت "لوفيغارو" إلى أنه سيتم التطرق أيضا إلى قضية الجهاديين الأجانب، وبينهم فرنسيون، الذين يحتجزهم العراق ويجب أن يُصدر القضاء العراقي أحكامه بحقهم، لكن باريس لم تتلق حتى الآن "طلبا محددا من بغداد لتقديم مساهمة مالية من فرنسا في ما يتعلق بهذا الموضوع". وأضافت أن الصفقة التي يتم الحديث عنها تتمثل في تقديم فرنسا معدات وتجهيزات عسكرية للعراق، مقابل تكليفه بمعضلة الجهاديين الفرنسيين غير المرحب بهم في فرنسا. ويأتي ذلك في إطار خلق نوع من التوازن لصالح فرنسا على حساب قوى أخرى، مع تقديم منشآت لفرنسا في العراق، تعود إليها قوات العمليات الخاصة الفرنسية بعد قيامها بعمليات في سوريا، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية منها. وأفاد خبير قانوني للصحيفة بأنه ليس من المؤكد أن يكون كل الجهاديين الفرنسيين قد ارتكبوا جرائم بحق عراقيين أو في العراق، ما يطرح بعض الأسئلة حول تلك الصفقة. وتأتي زيارة عبدالمهدي إلى باريس استكمالا لزيارات متبادلة بين البلدين كان آخرها زيارة الرئيس العراقي برهم صالح في شهر فبراير الماضي، والتي تطرق خلالها لمحاكمة 14 جهاديا فرنسيا ينتمون لداعش تسلمتهم من أكراد سوريا، في وقت تواجه فيه فرنسا رفضا كبيرا من الرأي العام لرجوع المقاتلين إليها. ويطالب العراق القوى الغربية بمبلغ 1.8 مليار دولار لإدارة ملفات الجهاديين على أراضيه. وقالت مصادر من الإليزيه إن "السلطات العراقية تعمل على إعداد طلب عام في ما يتعلق بالقدرات القضائية والسجنية، وإنشاء معسكرات اعتقال جديدة، وتدريب القضاة، واستقبال متهمين أو سجناء أجانب"، مضيفة "لكل هذا كلفة بالنسبة إلى العراق، ونحن نفهم ذلك". وتابع المصدر نفسه "سيتم تقديم طلب إلى المجتمع الدولي من أجل تمويل هذه السياسة القضائية والسجنية، لكنه ليس جاهزا بعد". ويجتمع عبدالمهدي الذي عاش في المنفى بفرنسا أكثر من 20 عاما ويتحدث الفرنسية بطلاقة، صباح الجمعة مع وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي ثم بعد ظهر اليوم نفسه مع وزير الاقتصاد برونو لومير. وفي ما يتعلق بالمجال الاقتصادي، قالت المصادر الفرنسية إن خريطة الطريق الاستراتيجية تطرقت "بوضوح إلى القطاعات التي يُمكن للشركات الفرنسية تعزيز مواقعها فيها". وأضاف "نأمل في أن تعزز سلسلة من الإعلانات خلال الأسابيع المقبلة هذه الديناميكية". ودعمت فرنسا العراق في معركته ضد تنظيم الدولة الإسلامية وتواصل توفير التدريب والدعم له لتعزيز القدرات القتالية للقوات العراقية. ومنذ إخراج عناصر داعش من المناطق العراقية التي كان يسيطر عليها أواخر 2017، تدعم فرنسا القوات العراقية في جهودها الرامية إلى استهداف الجيوب المتبقية من عناصر التنظيم الإرهابي وتعزيز أمن الحدود. ويوجد حاليا في العراق وجود عسكري فرنسي متمثلا بـ 1200 جندي فرنسي، فيما تتفاوض بغداد حول الحصول على مدافع "سيزار" التي انتهت مهمتها في المعارك التي دارت بالقرب من الحدود السورية. وتطرقت "لوفيغارو" إلى الدور الذي تلعبه إيران في العراق ما تسبب في بقاء بغداد بعيدة طيلة سنوات عن باقي جيرانها، مشيرة إلى أن فرنسا تدعم إرادة عبد المهدي في التخلص من الوصاية الإيرانية وحتى الأميركية. وأوضحت الصحيفة أن تعزيز العلاقات الفرنسية العراقية سيتم تزامنا مع انفتاح بغداد على دول عربية كالسعودية ومصر والأردن. وكان لفرنسا رصيد من التعاون التقني والعسكري والاقتصادي في العراق خلال مرحلة حكم حزب البعث، لكنها تركت مصالحها تتقلص أمام الولايات المتحدة منذ غزوها للعراق سنة 2003. وكثفت باريس مساعيها لتعزيز علاقاتها مع بغداد مؤخرا سعيا منها للعب دور اقتصادي أكبر في البلاد التي تحتاج إلى إعادة إعمار للمناطق المدمرة بعد الحرب على داعش. واستعرض عبدالمهدي خلال اجتماعه مع الشركات الفرنسية في باريس، خارطة الاستثمارات الواسعة في المجالات الاقتصادية والنفط والكهرباء والصناعة والنقل والاتصالات والبنى التحتية وفي مختلف المجالات والمحافظات العراقية. وأكد عبد المهدي، تطلع بلاده إلى زيادة حضور الشركات الفرنسية ومساهمتها في تطوير اقتصادها وعمارها وتلبية احتياجاتها المتنوعة، بما لديها من فرص استثمارية وطاقات بشرية هائلة وأيد عاملة. وتقدر السلطات العراقية تكلفة إعادة إعمار المناطق المنكوبة المالية بأكثر من 80 مليار دولار، وتتوقع فرنسا أن تتاح لها فرص استثمارية كبرى للمساهمة في ذلك. وبلغ حجم التبادل التجاري بين العراق وفرنسا 476 مليون يورو ( 530 مليون دولار) في 2016 مقابل 1.26 مليار يورو ( 1.40 مليار دولار) في 2015، حسب بيانات رسمية فرنسية.
مشاركة :