لولا التهديدات الإيرانية منذ بضعة عقود بشأن إغلاق الممر المائي الذي يربط الخليج العربي ببحر عمان لما سمع الكثيرون في العالم عن مضيق هرمز الذي بات أشهر من نار على علم. سمع العالم هذا التهديد لأول مرة في خضم الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) عندما كانت لظى أتون الحرب في ذروتها ولم تغلق إيران المضيق، حيث هدد هاشمي رفسنجاني بصفته رئيس البرلمان ومندوب المرشد روح الله الخميني في مجلس الدفاع الأعلى، في عام 1983 بإغلاق المضيق عبر جعله تحت رحمة نيران المدافع الإيرانية من عيار 130 ملم و175 ملم. وأضاف وقتها "بإمكاننا أن نقطع الطريق على السفن برشاشات كلاشنيكوف أيضا" ولم تطلق المدافع الإيرانية طلقة واحدة حينها حتى من باب التحذير أو استعراض العضلات. وفي وقت لاحق من عام 2011 تزامنا مع العقوبات الدولية حينها لوحت طهران على لسان الرئيس السابق المتشدد محمود أحمدي نجاد بإغلاق الممر المائي الأهم الذي يتدفق منه ثلث النفط الذي تحتاجه أسواق العالم إلا أن طهران لم تترجم قولها إلى فعل. واليوم حيث الولايات المتحدة تؤكد بوضوح مطلق وشفافية كاملة أنها تريد تصفير النفط الإيراني حتى ترغم طهران على إعادة النظر في سلوكها عبر طاولة التفاوض وقبولها بالشروط الأميركية الـ12، ترد طهران على أميركا عبر قادتها العسكريين المتشددين ورئيسها "المعتدل"، بإغلاق مضيق هرمز وحرمان العالم من 17 مليون برميل نفط يوميا. وكان حسن روحاني صرح في زيارة له لسویسرا في یولیو 2018 قائلا: "الأميركان يدعون أنهم يريدون منع تصدير النفط الإيراني بالكامل.. كلام لا معنى له أن يتم منع تصدير النفط الإيراني حينها لن يتم تصدير نفط من المنطقة، إذا استطعتم قوموا بذلك حتى تروا النتائج". هذا التصريح كان في واقع الأمر تهديداً صارخاً للولايات المتحدة والدول المصدرة للنفط في المنطقة، ومن ناحية أخرى تقوم إيران بين الحين والآخر بإجراء مناورات بحرية وفي البعض منها تجعل القوة البحرية الأميركية كعدو افتراضي. هل تستطيع إيران إغلاق مضيق هرمز حقاً؟ يرى الكثير من المراقبين للشأن الإيراني والإقليمي استنادا إلى تصريحات المسؤولين الأميركيين قد تستطيع إيران إغلاق مضيق هرمز ولكن لمدة قصيرة وبتكلفة عالية. ونقل الموقع الفارسي لإذاعة "بي بيسي" تصريحات مارتين دمبسي، قائد الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية السابق في شتاء 2011 تعليقا على تهديدات إيران، حيث قال ردا على سؤال لشبكة سي بي إس بهذا الخصوص: "الإيرانيون يتكلون على إمكانيات قد تمكنهم من إغلاق مضيق هرمز لفترة ما.. ونحن نتكل على إمكانياتنا التي تضمن لنا بأنه لن يحدث ذلك، نحن بإمكاننا فتح المضيق، لذا الرد بسيط، نعم يستطيعون إغلاق المضيق". معلوم أن إيران أو أي دولة أخرى في المنطقة قد تستطيع إغلاق المضيق ولكنها بذلك لا تدخل في مواجهة مع الولايات المتحدة ودول المنطقة فحسب بل مع المجتمع الدولي، كما أن إغلاق المضيق وحده لا يفي بالغرض الذي تتوخاه إيران من ذلك، لأنه على طهران أن تضمن الخطوة التالية بعد الإغلاق وهي إبقاء المضيق مغلقا أمام محاولة الولايات المتحدة وحلفائها لفتح هذا الممر المائي الحيوي وقد تكون هذه المحاولة عبر اللجوء إلى القوة العسكرية. أهمية المضيق وإحداثياته كان مضيق هرمز على مدى التاريخ قبل كشف النفط يكسب أهميته من تجارة اللؤلؤ والعود والبخور والتوابل خاصة مع شبه القارة الهندية والساحل الشرقي الإفريقي. واليوم تكمن أهمية هذا الممر الاستراتيجي في حجم النفط الذي يمر من خلاله بواسطة الناقلات المتوجهة إلى شتى أقصاع المعمورة. وتوجد 8 ممرات مائية استراتيجية على كوكب الأرض تحظى بالأهمية لتدفق النفط من خلالها، ويتفوقها مضيق هرمز بالأهمية نظرا لحجم النفط الذي يمر منه والبالغ حوالي 19% من حاجة الأسواق إلى الذهب الأسود. ووفقاً لآخر الإحصائيات المتوفرة فإن تقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية، يؤكد أن مضيق هرمز شهد في عام 2016 عبور حوالي 18 مليونا و500 ألف برميل نفط يوميا، ويمثل هذا الرقم حوالي 19 في المئة من إجمالي الطلب العالمي على النفط في العام نفسه، والذي قدر بنحو 97.2 مليون برميل. وبخصوص إحداثيات هذا الممر المائي الذي يقع بين سلطنة عمان وإيران يبلغ عرضه حوالي 50 كيلومتراً، وأقصر عرض في وسط الممر يبلغ نحو 40 كيلومترا، والذي يضم شريطا بنحو 10 كيلومترات يحظى بالعمق الكافي لملاحة ناقلات النفط والسفن العملاقة. وتشير بي بي سي إلى أنه على الرغم من ضيق الممر القابل للإبحار الذي يبلغ عرضه 10 كيلومترات فإن إغلاق مضيق هرمز ليس كإغلاق أي طريق عادي بل عملية الإغلاق تتطلب اللجوء إلى الخيارات العسكرية التي من شأنها جعل هذا الممر غير آمن للملاحة البحرية وهذا ما حدث فعلا خلال الحرب العراقية الإيرانية. أدوات إيران وإمكانياتها لإغلاق مضيق هرمز لمعرفة إمكانيات إيران نلقي نظرة سريعة على القوة البحرية الإيرانية ونقارنها بنظيرتها السعودية فقط مع التذكير بأن القوة البحرية الأميركية تعد الأكبر والأقوى في العالم. حيث تتفوق القوة البحرية السعودية على نظيرتها الإيرانية، بامتلاكها فرقاطات من طراز الرياض لا ترصدها الرادارات، ودفاعات ملائمة وتغطية جوية مناسبة بالمقارنة مع القطع البحرية الإيرانية التي تستخدم فرقاطات يعود صنعها لسبعينيات القرن الماضي من طرازي الوند وموج، وافتقارها لطيران مناسب يغطي تحركاتها. ومقابل التغطية الجوية المتفوقة للقوات السعودية والخليجية، تلجأ إيران إلى الدفاعات الصاروخية أرض-بحر والقوارب السريعة وغواصات قديمة من طراز كيلو، الأمر الذي يجعل القوة البحرية الإيرانية محمية إلى حد ما في مياهها الإقليمية، ولكن إذا انتقلت هذه القوات إلى أبعد من سواحلها، سوف تفقد هاتين الميزتين وتصبح فريسة سهلة إلى حد ما، لمن يمتلك التغطية الجوية الملائمة والقطع البحرية الأكثر تطورا. وتضم البحرية الإيرانية سفناً غالبيتها من الطراز القديم، وتعتمد قوتها البحرية في الخليج العربي على القوارب السريعة التي هي أشبه بـ"قوارب انتحارية"، وهذه القوارب يسهل اصطيادها بواسطة المقاتلات والمروحيات الأميركية في حال قررت إيران بقواربها منع البحرية الأميركية من إعادة فتح المضيق في حال نفذت طهران تهديداتها. وشهدت البحرية الإيرانية تحولا ملحوظا بسبب قطعها البحرية المنتهية صلاحيتها ولا يمكن تحديثها أو تصليحها بشكل أساسي، وتمثل هذا الأمر في التحول من قوة بحرية كلاسيكية إلى بحرية غير تقليدية تفضل الحرب غير المتماثلة، وهكذا جاءت فكرة إنشاء أساطيل من القوارب السريعة التي تعمل ضمن القوة البحرية للحرس الثوري الإيراني. وبشكل عام تمتلك هذه القوة الأسلحة التالية التي تشكل أساس تهديداتها لإغلاق مضيق هرمز. القوارب السريعة تشير التقديرات إلى أن إيران لديها حوالي 20 فرقاطة صينية الصنع مزودة بصواريخ مضادة للسفن، ويمتلك الحرس الثوري أيضا حوالي 40 قارباً سريعاً من صنع السويد، وعددا غير معروف من القوارب الإيرانية الصنع. هذه القوارب ترى أن القوارب تشكل تهديداً في عمليات جمع الألغام التي قد تزرعها إيران في البحر على الرغم من تمركز الأسطول الخامس للولايات المتحدة في الخليج والقوات الدولية. الألغام البحرية وعلى الرغم من أن تغطية إيران الإعلامية لمناورات الحرس الثوري في منطقة الخليج العربي تركز بشكل أوسع على القوارب السريعة أو الفرقاطات وصواريخ بر-بحر، إلا أن التقييمات العسكرية الأميريكة والبريطانية تركز أكثر على الألغام البحرية الإيرانية. وتشير التقديرات الإعلامية إلى أن إيران لديها حوالي 6 آلاف من أنواع الألغام البحرية. الغواصات تمتلك إيران ثلاث غواصات روسية الصنع من طراز "كلاس كيلو"، وحسب تقييم الجيش الأميركي هذه الغواصات رغم قدمها فإنها تشكل تهديدا. غواصة کلاس كيلو، حسب ما یسمیها الناتو تعمل بالديزل والكهرباء، وعينت النسخة الأصلية من المشروع (877 Paltus) في روسيا. هناك أيضا نسخة أكثر تقدما يطلق عليها في الغرب طراز كيلو المحسنة أو مشروع 636 فارشافيانكا في روسيا. وتمتلك كوريا الشمالية هذا الطراز من الغواصات الذي أغرقت بواسطتها فرقاطة كورية جنوبية قبل ثمانية أعوام، وتزعم إيران أنها تصنع هذه الغواصة محلياً ولكن لا يوجد تقدير حول أدائها. الصواريخ المضادة للسفن تمتلك إيران ثلاثة أنواع من الصواريخ المضادة للسفن، وفي السنوات الأخيرة زعمت أنها أنتجت صواريخ متطورة أخرى ولكن في التقديرات الغربية للقوة البحرية الإيرانية، تم التأكد من أن إيران تمتلك فقط هذه الأنواع الثلاثة الصينية الصنع. ولدى إيران صاروخ من طارز CSS-C، والمعروف باسم دودة القز ومصدره الصين، وخلال الحرب العراقية الإيرانية تم استخدامه ويصل مداه إلى حوالي 300 كيلومتر. وتمتلك طهران أنواعا أخرى من الصواريخ، والتي تعتبرها الولايات المتحدة أنها تشكل تهديدا خطيرا، هي صواريخ من طرازي C-801 وC-802، وسبق لحزب الله اللبناني أن استخدمها في استهداف فرقاطة إسرائيلية في حرب عام 2006. هل يمكن لإيران بهذه الأسلحة أن تغلق مضيق هرمز؟ معلوم أن طائرات ومقاتلات القوة الجوية الإيرانية هي من صنع ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مثلها مثل القوة البحرية، الأمر الذي يجعل إيران في موقف ضعيف للغاية بعيد الإغلاق المحتمل لمضيق هرمز، لأنها سوف تواجه القوتين البحرية والجوية الأميركيتين بالإضافة إلى قوات مماثلة من حلفاء واشنطن الإقليميين والدوليين، ما يشكل إغلاق المضيق بالقوة العسكرية ضربة للشريان الرئيسي لتدفق النفط إلى الأسواق العالمية ويقطع الطريق البحري الذي يربط كلا من البحرين والعراق وقطر والكويت بالعالم. ما المتوقع؟ لفهم الطريقة أو الطرق التي تسلكها طهران لإغلاق المضيق من الضروري نقل تقرير صدر عن مركز دراسات الكونغرس الأميركي لعام 2012 والذي توقع أن إيران قد تغلق مضيق هرمز خطوة بخطوة حتى تتمكن من التحكم إلى حد ما في عامل الوقت اللازم للرد العسكري المحتمل وكالتالي: - إعلان حظر على الملاحة في مضيق هرمز، دون الإشارة مباشرة إلى عواقبه ذلك. - الإعلان عن إمكانية تفتيش السفن المارة أو إمكانية توقيفها. -اللجوء إلى الأدوات والسبل العسكرية من قبيل إطلاق نار تحذيري نحو السفن التجارية أو ناقلات النفط في المنطقة. - استخدام الأدوات العسكرية لاستهداف سفن محددة. -تلغيم المضيق والخليج. -استخدام الغواصات والصواريخ لاستهداف السفن التجارية والعسكرية. وكانت إيران قامت ببعض هذه الإجراءات خلال الحرب العراقية الإيرانية، حينها انفجر لغم بحري في السفينة الحربية الأميركية ساموئيل بي. رابرتز مما تسبب في أن تدخل أميركا في مواجهة مباشرة مع إيران، ولكن مجموعة الإجراءات التي اتخذتها إيران في تلك الفترة لم تؤد إلى إغلاق مضيق هرمز ولكن تسبب في ارتفاع سعر بوليصة التأمين على السفن والناقلات. رافع الحجر الكبير لا يضرب به هناك مثل فارسي يقول "سنگ بزرگ علامت نزدن است"، أي "رافع الحجر الكبير دليل على عدم الضرب به"، وهذا ما قد يفسر النتيجة التي تأتي من وراء التهديدات التي تطلق بين الحين والآخر من قبل المسؤولين الإيرانيين، حيث كلما كبر التهديد تراجع احتمال تنفيذه، خاصة أن إغلاق المضيق وإبقاءه مغلقاً باللجوء إلى القوة العسكرية سيشكل تخطيا للخط الأحمر الأميركي والإقليمي. ومن المتوقع أن تستمر إيران في تهديداتها وتنتظر انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأولى، وتأمل أن يخسر الانتخابات المقبلة، لأن طهران تعرف أن إمكانياتها الاقتصادية والعسكرية والبشرية والظروف المعيشية الصعبة لا تؤهلها لخوض حرب لن تخرج منها منتصرة. كما أن الشعب الإيراني ليس كآبائه في مطلع الثورة الذين شارك الكثير منهم كمتطوعين في الحرب العراقية الإيرانية.
مشاركة :