بدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرتبكًا وخائفًا، وهو يحاول بكل السبل والوسائل إقناع شعبه بأن حكمه للبلاد هو الأصلح والأنفع والأكثر استقرارًا، ملمحًا بأن تركيا أفضل من الدول الأوروبية التي "بدأت تحترق"، على حد وصفه. وحذر أردوغان في كلمة ألقاها أمس خلال حفل توزيع الجوائز ضمن فعالية "أسبوع الابتكار التركي" في إسطنبول الشعب التركي بأنه لا مجال لربيع التركي أو الانقلاب عليه في يوم من الأيام، ولكن بطريقة غير مباشرة عندما أشار إلى أن هناك دولاً تتمنى أن تشهد تركيا ربيعًا تركيًّا على شاكلة الربيع العربي، الذي شهدته العديد من دول المنطقة، وقال: "إن الحالمين بحدوث (ربيع تركي) واهمون". مشددًا على أن تركيا ليست الشرق الأوسط، وهي "أكبر من أن يقدر أحد على ابتلاعها"، في تهديد جديد بأن أي محاولة للانقلاب عليه محكوم عليها بالفشل، وسيلقى أصحابها جزاءً رادعًا. وقد جاء حديث أردوغان لشعبه بعد سلسلة من التخبطات التي وقع الرجل فيها، وكلفت البلاد الكثير، سواء في المشهد الاقتصادي، وانهيار الليرة التركية، وتراجع قطاعات السياحة والعقار والصناعة والزراعة، فضلاً عن عزل تركيا سياسيًّا بعدما كشفت عن توجهاتها وأجندتها التي تسعى لتنفيذها في المنطقة بدعم الجماعات الإرهابية، واحتضان المعارضين لدول الجوار، والدفاع عن إيران، ومساندة قطر، وهي دول اتفق العالم على أنها تدعم الإرهاب، وتحتضن الإرهابيين. ولعل ارتباك أردوغان، وخوفه من الربيع التركي، قد أنسياه التاريخ، وجعلاه يدخل في جملة من المتناقضات، خاصة عندما قال إن بلاده ليست الشرق الأوسط حتى تشهد ربيعًا تركيًّا، متناسيًا أن تركيا شهدت انقلابًا قادته القوات المسلحة التركية عليه في صيف 2016 بسبب محاولاته الدؤوبة السيطرة على كل السلطات في يده، وهو ما تحقق له فيما بعه، فضلاً عن إقحام البلاد في مشكلات ومعارك بالمنطقة، ليس له فيها ناقة أو جمل، وكاد هذا الانقلاب يحقق أهدافه لولا عمليات البطش والاعتقالات التي قادها حزب التنمية والعدالة في مناطق البلاد منذ لحظة الانقلاب حتى اللحظة. وتجلى التناقض الأردوغاني عندما قال إن المدن الأوروبية تحترق، وفي الوقت نفسه يتسول العطف والرجاء من مسؤولي الدول الأوروبية للحصول على موافقتهم على انضمام بلاده في الاتحاد الأوروبي، وهم يرفضون ضم "ديكتاتور" إلى اتحادهم الديمقراطي. وأكد المحلل السياسي فهد ديباجي لـ"سبق" أن أردوغان يعيش حاليًا حالة من الارتباك والخوف من حدوث ربيع تركي داخل بلاده في أي لحظة، مستشهدًا على صحة كلامه بصوت أردوغان العالي وهو يتحدث أمام الشعب التركي، وقال: "الصوت العالي خرج من أردوغان بطريقة لا شعورية، وكأنه يهدد شعبه أولاً، والدول الرافضة لسياسة حزب العدالة والتنمية، وهو يصيح بصوت عال بأن (من يحلم بربيع تركي واهم، وبلادنا ليست الشرق الأوسط)". واعتبر فهد الحالة التي يعيشها أردوغان حاليًا نتيجة طبيعية متوقعة بسبب التراجع الكبير في الاقتصاد التركي، فضلاً عن تراجع شعبية حزبه. وقال: "ظهر ذلك جليًّا في نتائج الانتخابات البلدية، وسقوط مدن كبرى مثل أنقرة وإسطنبول، كان الكثير يراها محسوبة على حزب العدالة والتنمية. يضاف إلى ذلك أيضًا الأوضاع الاقتصادية، وانخفاض الليرة التركية، والأوضاع المعيشية الصعبة للكثير من الأتراك. كذلك معاداة أردوغان للأكراد، واتهامهم بالإرهاب، والإجراءات التعسفية ضد كل من يعارضه، وسجن أعداد كبيرة من الأتراك والمعارضين بتهمة الانضمام لجماعة فتح الله جولن؛ وهو ما جعل الشعب التركي يكره سيطرة أردوغان وحزبه نتيجة القبضة الحديدية التي يستخدمها ضدهم، وإلغاء الكثير من الحريات في البلاد. وكذلك السياسات الطائشة والعدوانية التي يمارسها أردوغان مع الكثير مع جيرانه الأوروبيين، ومع الدول العربية، والتدخل في الشأن الداخلي للدول، مثل سوريا". مؤكدًا أن كل هذا ينذر بربيع تركي قريب جدًّا، وقد ينطلق من القوات المسلحة التركية، ويدعمه الشعب التركي. مشيرًا إلى أن أردوغان نفسه كان يبارك الربيع العربي، ويدعم الثورات العربية، وقدم الكثير من الدعم لقيامها واستمرارها، وحين اقتربت تلك الثورات منه يرفضها، ويخاف منها.
مشاركة :