أصبحت الأعداد الكبيرة لأرقام مشاهدات الصفحات الاجتماعية ومقاطع الفيديو والمواقع الإلكترونية مجرد مقياس، لا يخلو من الجدل وإعادة الفحص! صحيح أن الأرقام العالية من المتابعين تبقى دليلاً أولاً على حجم التأثير، لكن هذا أولاً، وليس كل شيء، كما لا يؤخذ على أنه قرار نهائي؛ فالأرقام العالية من المتابعين للأشخاص وحتى المؤسسات تفقد تأثيرها أمام فحص التفاعل، فحص التجاوب، والفحص التقني للكشف عن هوية المتابعين الفعلية لتلك الأرقام! فيما تتلاشى قيمتها تمامًا أمام السؤال الاقتصادي الآتي: كم عدد الفعليين المستعدين للدفع مقابل المحتوى؟ أو المساهمة في تحقيق إيرادات هذه الحسابات..؟ يقول جيمس بريينر في مدونته «رواد الأخبار»: «إن هذه الأرقام مضللة، ولا معنى لها، ولم يكن لها معنى إلا في الأيام التي كانت فيها وسائل الإعلام تعتمد على الجماهير الضخمة والمنتجات التي تستهدف الجماهير، أي عندما كانت وسائل الإعلام تعتمد على الإعلانات». ويضيف بريينر بأن «عمل وسائل الإعلام اليوم يتمحور حول الوصول إلى المشتركين المحتملين شخصيًّا مع رسائل مخصصة لهم. ويتعلق الأمر بتحديد العدد الصغير من الأشخاص الذين هم حقًّا معجبون بالمنشورات الخاصة، أو بمنتجي المحتوى في فريق العمل. إنها تتعلق بتعزيز ارتباط الناس العاطفي بالعلامة التجارية ورسالتها». العدد القليل من المستخدمين المخلصين هو المهم في الاقتصاد الجديد للإعلام، الذي يعتمد على المستخدمين بدلاً من المعلنين لتحقيق الإيرادات؛ وهو ما يجعل مهمة وسائل الإعلام الوصول إلى المشتركين المحتملين شخصيًّا مع رسائل مخصصة لهم؛ وذلك لتعزيز ارتباطهم العاطفي بالمحتوى المقدم. وتبرز تجربة صحيفة واشنطن بوست الأمريكية واضحة في هذا المجال؛ إذ عمل الصحفيون على حملة مكثفة، استطاعت تحقيق نتائج جيدة للوصول إلى مليون مشترك يدفعون للنسخة الرقمية. يقول تقرير الإيكونوميست: «إن عددًا قليلاً من المستخدمين المخلصين هو أكثر أهمية بكثير في الاقتصاد الجديد للصحافة، الذي يعتمد على المستخدمين بدلاً من المعلنين لتحقيق الإيرادات». ويشكِّل المشتركون الرقميون البالغ عددهم 2.5 مليون مشترك في صحيفة نيويورك تايمز أقل من 3 في المئة من إجمالي المشتركين في النسختين الورقية والإلكترونية، ولكنهم يحققون الآن عائدات أكثر من الإعلانات المطبوعة، وهو حدث تاريخي..! وتشير هذه الأرقام إلى أن عددًا قليلاً من المستخدمين المخلصين قد يعني عائدات ضخمة. كما أنها تعطي أملاً للناشرين الصغار؛ إذ يعتمد طريق الربحية بالنسبة إلى المنشورات الإخبارية الرقمية الأصغر حجمًا على تحويل نسبة عالية من جمهورها إلى مجموعة من المستخدمين الأوفياء المعجبين بمنتجي المحتوى، والمساهمين فيه، أكثر من بحثهم عن الإعلان أو بحث الإعلان عنهم! هناك سبب آخر للاعتماد على ولاء المستخدمين بدلاً من الأرقام الكبيرة؛ وذلك لتمييز الموقع في ظل فوضى المواقع الإخبارية، وحسابات شبكات التواصل.. السبب الأهم يتمثل في المصداقية والثقة. وهذان العاملان هما الاستثمار الأهم للاستمرار على المديَيْن المتوسط والطويل مع مجموعة المستخدمين الأوفياء، وهما (المصداقية والثقة)، وهما رهان المؤسسات والحسابات الإعلامية، أو حتى تلك التي تبحث عن التأثير أو الأشخاص المؤثرين! على الصحف والمواقع والحسابات والأشخاص البدء في تربية وجذب مستخدمين موالين جدًّا، مهتمين جدًّا.. هذا الكسب الصغير حتى في أرقامه سيؤدي إلى تحولات جذرية لمؤسسات عملاقة وعتيقة ومترهلة ربما!
مشاركة :