يا أيها النواب اتقوا الله في هذا الشعب

  • 5/6/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الكل يتفق على أن العمل النيابي سواء في تجربة البحرين أو في التجارب الديمقراطية الأخرى القريبة والبعيدة العريقة والجديدة يقوم على محورين أساسيين: المحور الأول هو المحور التشريعي الذي ينكب فيه المجلس النيابي على اقتراح أو تعديل أو مناقشة التشريعات القائمة أو التشريعات الجديدة بما يؤدي إلى تطوير القوانين لتستوعب المستجدات والتطور الحاصل في المجتمع والاقتصاد والتعليم والصحة والإسكان والعلاقات الخارجية والأمن الوطني وكل ما له علاقة من قريب أو بعيد بدورة الحياة في المجتمع. الجانب الثاني هو الجانب الرقابي الذي يمارس فيه المجلس النيابي سلطة الرقابة على عمل السلطة التنفيذية بما في ذلك الرقابة على الشؤون الإدارية والمالية وذلك حفاظا على المال العام بوجه خاص وللمجلس في هذا الإطار العديد من الأدوات الرقابية التي يستخدمها من أجل تحقيق أهدافه منها على وجه الخصوص السؤال والتحقيق البرلماني والاستجواب وله أيضا أن يقدم الاقتراحات برغبة التي من شأنها خدمة المجتمع والدوائر الانتخابية المختلفة. هاتان هما المهمتان الرئيسيتان لعمل مجلس النواب أي مجلس في أي مكان في الدنيا، ولكن حتى إن هاتين الوظيفتين الرئيسيتين محكومتان في الحقيقة بشروط وقواعد وضوابط محددة في اللائحة الداخلية لعمل مجلس النواب وفي التقاليد والأعراف المتبعة حيث يكون الهدف في الحالتين التطوير والتقدم وتطوير أداء عمل الحكومة بأجهزتها المختلفة ووزاراتها المتعددة والحفاظ على المال العام وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين والاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمالية إلى آخر تلك العناصر المعلومة والموثقة في القواعد المنظمة لعمل المجلس النيابي. كما أن العمل النيابي يجب أن يتسم بنقطتين مهمتين هما: الأولى مراعاة الموارد والموجودة والظروف التي تمر بها الدولة بحيث لا تكون الاقتراحات والطلبات والخطط والمناقشات خارجة عن سياق الإمكانيات والموارد الموجودة لدى الدولة كما لا تكلف الدولة أعباء إضافية ليس بوسعها تحملها وتكبيلها بديون تدفع ثمنها الأجيال اللاحقة. الثانية هي ضرورة التعاون والتكامل مع عمل السلطة التنفيذية والتشاور معها في كل ما يهم حياة المواطنين والميزانية والتشريعات وغيرها بما يحقق التوازن المنشود ويجنب الجميع أي احراجات مضرة أو مسيئة لصورة أحد الطرفين أو كليهما. هذه المقدمة التي أوردتها جاءت في الحقيقة في ضوء ما طالعنا مؤخرا من اقتراح يدعو إلى الاستغراب على الأقل حتى لا نستخدم تعبيرا آخر وذلك احتراما منا لهيبة السلطة التشريعية ومكانتها الدستورية والسياسية حيث سمعنا باقتراح عجيب غريب يتمثل في أن تمنح الحكومة عيدية لكل أسرة بحرينية قدرها 500 دينار بحريني لكل أسرة وإذا افترضنا أن عدد الأسر البحرينية يصل إلى 300 ألف أسرة على سبيل التقدير فقط فإن مبلغ العيدية قد يصل إلى حوالي 150 مليون دينار بحريني في وقت تمر به الميزانية العامة للدولة بأوقات وظروف عصيبة تحتاج في بلادنا إلى كل فلس لتجاوز هذه المرحلة. وإذا أردنا مناقشة هذا الاقتراح فيمكن التمييز بين أمرين مختلفين: الأول: حسن نية مقدم أو مقدمي هذا الاقتراح ولا نشك فيها لحظة فالنية الطيبة والرغبة في خدمة المواطن واضحة ومقدرة من دون أدنى شك. الثاني أن طرح هذا الاقتراح بهذه الصورة الشعبوية من دون دراسة ومن دون نظرة واقعية في ظل الظروف المالية التي تمر بها مملكة البحرين كما أسلفنا يعد اقتراحا غير مناسب بالمرة وغير واقعي وغير منطقي ويعلم مقدمه قبل غيره أنه لن ينفذ ليس لأن الدولة لا تريد ذلك بل لأن الإمكانيات غير موجودة ولا متوافرة تماما وأن تحميل ميزانية الدولة هذا المبلغ يعد أمرا غير عقلاني وغير طبيعي وغير ممكن أصلا. وعليه نقول للإخوة النواب سواء مقدمي هذا الاقتراح أو غيره من الاقتراحات التي لا يمكن تنفيذها في هذه المرحلة بالذات التي تمر بها البلد بضائقة مالية، فاتقوا الله في هذا الشعب لأن العديد من المواطنين في حاجة ماسة إلى دعم مادي وظروفهم صعبة وإن تقديم النواب أو بعضهم باقتراح من هذا القبيل يسيل له اللعاب، وإنه يعد استفزازا للناس وإحراجا للحكومة لا حاجة لنا بهما ونرجو من ممثلي الشعب مراعاة العقلانية وظروف البلد عند التقدم بأي اقتراح ليكون مقبولا ومعقولا بعيدا عن البهرجة الإعلامية التي لا معنى لها. إن الأوضاع المالية التي تمر بها مملكة البحرين حاليا وحتى سنة 2022 وفقا للتوقعات التي أعدها فريق التوازن المالي البحريني هي أوضاع استثنائية تحتاج إلى تضافر الجهود وإلى التعامل العقلاني والهادئ والواقعي مع هذا الوضع ولذلك نرجو من نواب الشعب وضع حد لمثل هذا الاقتراح في هذه الفترة على الأقل ودعم الجهود الحكومية لتجاوز هذه المرحلة لأن الموارد المالية المتاحة محدودة ومن هنا فإن النظرة الواقعية للإخوة أصحاب السعادة النواب هي البوصلة الأساسية التي تقود اعمالهم وطلباتهم واقتراحاتهم التي يجب أن تراعي الموارد والإمكانيات بل إن من أهم أدوارهم في هذه الظروف هي إقناع الناس بضرورة التقشف وترشيد الإنفاق حتى نتجاوز هذه المرحلة الصعبة بدلا من هذه الاقتراحات التي شاهدنا كيف استقبلها أعضاء المجلس النواب أنفسهم بمن فيهم رئيسة المجلس قبل المواطنين والتي تداولتها وسائل التواصل الاجتماعي.

مشاركة :