جاري.. حمامة !!

  • 5/6/2019
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

كلّما أدخلُ مسجدَ الحيّ الذي أسكن فيه أرى جاري السعودي المُسِنّ في نفس المكان الذي تعوّدت عيناي على رؤيته فيه، ويكون ما شاء الله ولا قُوّة إلّا بالله إمّا: مُصلِّياً للفروض والسُنن، أو تالياً للقرآن الكريم، أو ذاكراً لله ومُتأمِّلا في الحياة، وهو بأمانة يستحقّ لقب «حمامة المسجد»، وهذا ما يظهر لي ولا أُزكّي على الله أحداً!. ولقب «حمامة المسجد» يُطلق على كلّ من تعلّق قَلْبُه بالمسجد، ويمكث فيه أوقاتاً كثيرةً غير أوقات الصلوات المفروضة، مثل وقت بعد صلاة الفجر حتّى موعد شروق الشمس والضُحى، أو بين صلاتي المغرب والعشاء، أو قبل أذان صلاة الفجر بما ينفرد به هذا الوقت من أفضلية لمن يقومه تقرّباً إلى الله عزّ وجلّ!. ولا يعرف الكثير أنّ أول من أُطلِق عليه هذا اللقب هو الصحابي الجليل عبدالله بن الزبير بن العوّام، ابن الصحابية الجليلة أسماء بنت أبي بكر الصدّيق، أخت أمّ المؤمنين عائشة، رضي الله عنهم أجمعين، وقد وُلِد في قباء في السنة الثانية من الهجرة الشريفة، وهو أوّل مولود من المهاجرين فى المدينة، ويُعدّ من صغار الصحابة، وفرح المسلمون بمولده فرحاً عظيماً لأنه أبطل مزاعم اليهود القاطنين بالمدينة، إذ زعموا آنذاك أنّهم سحروا المسلمين كي لا يُولَد لهم مولودٌ ذكر، وقال عنه الإمام مجاهد: «ما كان بابٌ من العبادة يعجز عنه النّاس إلا تكفّله عبدالله بن الزبير، وكان حمامة مسجد عائذة ببيت الله!. ويُلاحَظُ على كلّ حمامة مسجد حُبّه الواضح للخير، وميله الدائم للسلام، وله من لقبه الشيء الكثير، ويحمل بين ضلوعه قلباً رقيقاً وشفّافاً، وبين جوانحه روحاً طاهرة وبرّاقة، وكأنّه طير يُرفرف بجناحيه فوق أغصان شجر الزيتون، وفي نظراته للآخرين دفء وثقة وأمان، وترتاح له النفوس، وتنبعث لرؤيته الآمال، كيف لا وهو حمامة المسجد الذي حباه ربُّه بمحبّة المسجد وتفضيله على بيته حتّى لو كان عامراً بما لذّ وطاب من زينة الحياة الدُنيا!. واغفروا لي إن خصّصتُ مقالي اليوم عن جاري الحمامة، عكس مقالاتي الأخرى عن هموم الناس وأحوالهم، واعتبروه استراحة اختيارية لي من الكتابة وشجونها، وفاتحة لمقالاتي في شهر رمضان الكريم، سائلاً المولى أن يجعلني وإياكم من حمائم المساجد، فهذا والله هو النعيم النفسي الدائم، وراحة البال المرجوّة، والسكينة المنشودة، وكلّ رمضان وأنتم بصحّة وعافية ورخاء وإيمان!.

مشاركة :