أقوال العلماء لا تصلح أن تكون «دليلاً شرعيّاً»!!

  • 10/10/2013
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أيّاً كانَ مبلغ الشيخِ من العلم فإنّه لا يصحّ أن يتُعامل معه بوصفه دليلاً شرعيّاً معتبراً ذلك أنّ قولَه إنما يفتقر إلى رده للدليل الشرعي من القرآن وصحيح السنة إذ بهما فحسب يُعرف الصواب من الخطأ في المسائل المتنازع عليها. إلى ذلك صاغ المحققون قاعدتهم المعتبرة التي تنصّ على أنّ «أقوال العلماء يُحتجّ لها بالأدلة الشرعية ولا يُحتجّ بها على الأدلة الشرعية» بمعنى أنّه ليس لأي أحدٍ إبّان التنازع في المسائل الشرعيّة أن يتخّذ من أقوال العلماء حجةً في صوابيّة ما انتهى إليها ذلك أنّ مما تقرّر لدى الصغار من طلبة العلم فضلا عن كبارهم أنّ الحجّة إنما هي في النصّ من كتابٍ وسنةٍ صحيحةٍ ينضاف إليهما تبعاً ما كان من إجماعٍ ودليلٍ مستنبطٌ تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية لا بأقوال العلماء. وليس بخافٍ أنّ أقوال العلماء -وأيّا كانت ألقابهم- لا تعدو أن تكون محض اجتهادٍ في فهم «النّص» ابتغاء استباط الأحكام وفقَ آلياتٍ قد اجترحها البشر أنفسهم إذ هي الأخرى ليست تنزيلاً. وبكلٍّ فإنهما -الفهم والاستنباط- محض اشتغالٍ ليس له أدنى عصمةٍ من الخطل والخطأ أوالوهم والزلل بل هما بوصفهما البشري عرضةً بأيّ حالٍ لكلّ ما يعتور»الرأي البشري» بالضرورة من انتقاصٍ وخطأٍ و وهم. وهذا ماكان ابن تيمية لا ينفك عن بسطه في كثيرٍ من كتبه حيث لا يمل من ترديد قوله «وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع، وإنما الحجة: النص، والإجماع، ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية؛ لا بأقوال بعض العلماء!!؛ فإنَّ أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية لا يحتج بها على الأدلة الشرعية. ومَنْ تربى على مذهب قد تعوَّده واعتقد ما فيه وهو لا يحسن الأدلة الشرعية وتنازع العلماء لا يفرق بين ما جاء عن الرسول وتلقته الأمة بالقبول بحيث يجب الإيمان به وبين ما قاله بعض العلماء ويتعسَّر أو يتعذَّر إقامة الحجة عليه!، ومَنْ كان لا يفرق بين هذا وهذا: لم يحسن أن يتكلم في العلم بكلام العلماء، وإنما هو من المقلدة الناقلين لأقوال غيرهم» وتلك مسألة أوشكت أن تكون بدهيّة إذ يكاد أن يستظهرها كلّ أحد من كثرة ما خَلِقت من كثرة الرّد وكثيراً ما وكّدها أصحاب الشأن من أئمة المذاهب المتبوعة. الذي أجزم به أنه ما من أحدٍ نظريّاً يمكن أن تكون قد خفيت عليه مثل هذه الأقوال: * «لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه»، وقال «فإننا بشرٌ نقول القولَ اليوم ونرجع عنه غدًا»، وقال «إذا قلتُ قولاً يخالف كتاب الله وخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فاتركوا قولي».الإمام أبو حنيفة * «إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه».الإمام مالك * «ما مِنْ أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويعزب عنه فهمها، فمهما قلتُ من قول أو أصَّلتُ من أصل فيه عن رسول الله خلاف ما قلت؛ فالقول ما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو قولي». الإمام الشافعي * «لا تقلدني، ولا تقلد مالكًا، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخُذ من حيث أخذوا». وقال «رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحُجَّة في الآثار». الإمام أحمد وإذن، فإنما تتضخّم أقوال «العلماء» وتخرج عن مدارها الشرعيّ المعتبر قيمة وقدراً بفعل «ما كنيزم» الأتباع من أولئك المهووسين بأشياخهم إذ ما فتئوا يتجاوزون بهم موجبات التقدير إلى معالي «التقديس» التي ليست إلا لمن كلامه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. في حين لا يأنفون مطلقاً من احتفالياتهم بآراء شيوخهم الأمر الذي يتجاوزون به مخالفة فقهية سائغة إلى مقارفة ما هو أشدّ رزيّة في الامتثال الشرعي حيث المخالفة العقدية التي يمكنك أن ترى برهانها ظاهراً فيما بذلوه من جهد حيال «آراء أشياخهم» بحيث أنزلوها منزلة: «الشريعة» وجعلوها تالياً بمقامات: «النص الشرعي» أو بحكمه. وبات من ينازعهم «الرأي» برأيٍ لا يقلّ عن «رأي أشياخهم» لا يبرح منزلةً أنزلوها إياها زوراً وبهتاناً وهي في الغالب كفيلة بأن تدمغه بجملةٍ من أوصافٍ ليس أشنعها الوصم بما يكون عليه عادةً مَن يناهض الأدلة الشرعية من صفاتٍ شنيعةٍ من شأنها أن تجعله معدوداً في الخارجين على الشريعةِ جملة وتفصيلا. لا أدعي أني قلت شيئا ذا بال لم يكن معروفاً من ذي قبل كثرةً وتناولاً وإنما تتغيّا هذه الكتابة التوكيد على ما كان محفوظاً من جملةٍ من نصوصٍ وآثارٍ تضمن لنا عدم تقديس: «الأشياخ» مع حفظ جلال قدرهم وليس فيما بينهما من أدنى تناقضٍ (تخطئتهم وتوقيرهم) في سياقٍ من مراعاة الآدب الشرعي مع من نختلف معه. ولا يتأتى ذلك الوعي بحجم «الأشياخ» إلا بمحاولة إعادة بعث آثارهم ثانية ابتغاء إحالتها واقعاً وفق فهم سليمٍ للدين تكون العناية فيه بربط نصوص الوحيين بمناطاتها وغاياتها وذلك بابتناء منهجيّة متكاملةٍ في التكييف والتنزيل. وبما بقي من مساحةٍ أدعكم مع هذه الآثار ابتغاء أن تتأملوها مقارنة لها بشيءٍ من واقعنا: *جاء في البخاري: عن الزبير بن عربي قال: سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما، عن استلام الحجر، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله، قال قلت: أرأَيت إن زحمت، أرأَيت إن غلبت. قال (اجعل أرأَيت باليمن. رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله). *وقال ابن عباس رضي الله عنهما لمن عارض السنة بقول أَبي بكر وعمر رضي الله عنهما: (والله ما أَراكم منتهين حتى يعذبكم الله. أُحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحدثونا عن أَبي بكر وعمر). ـ قال سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: (فإذا كان هذا كلام ابن عباس لمن عارضه بأبي بكر وعمر. وهما هما. فماذا تظنه يقول لمن يعارض سنن الرسول صلى الله عليه وسلم بإمامه وصاحب مذهبه الذي ينتسب إليه. ويجعل قوله عياراً على الكتاب والسنة، فما وافقه قبله وما خالفه رده، أو تأوَّله، فالله المستعان. * وكثيرا ما وكّد ابن تيمية على أن «انتقال الإنسان من قول إلى قول لأجل ما تبين له من الحق هو محمود فيه؛ بخلاف إصراره على قول لا حجة معه عليه وترك القول الذي وضحت حجته!، أو الانتقال عن قول إلى قول لمجرد عادة واتباع هوى!!؛ فهذا مذموم». لضيق في المساحة لِتُنْظَرَ نصوصٌ هي أكثر من هذا بكثير في مظاناتها.

مشاركة :