أحيانًا ما تجتمع أكثر من موهبة فنية فى شخصية واحدة، ونجد أن المواهب يمكنها أن تخدم بعضها من حيث الحس والشعور المطلوب فى تحقيق وإنجاز أعمال خاصة بالموهبة الأخرى، وفى الحلقة الثانية من «حكايات أعلام الفن التشكيلى» قد جمع الفنان بين الموسيقى والفن التشكيلى وخاصة فن البورتريه، إنه الفنان الراحل أحمد صبري.عاش صبرى حياة جافة وصعبة أخرجت منه إنسانًا له عزة نفس وصمود لا يوصف، وكل ذلك نتج بعد أن ذاق الفنان طعم الفراق المُر وهو فى الثامنة من عمره بعد أن فقد والده ووالدته، فكفله جده ومن بعده خاله، فعلمته الحياة الكثير حتى استطاع أن يترك بصمة فى ذهن وقلب كل من عرفه وتعامل معه، وحتى اليوم من خلال أعماله الحية. بدأت رحلة صبرى فى الفن التشكيلى منذ التحاقه بمدرسة الفنون الجميلة، وهو فى الثانية والعشرين من عمره، وانضم بعد تخرجه إلى رواد الجيل الأول من خريجى المدرسة، ولم يكتف بذلك فاستطاع صبرى أن يُسافر إلى العاصمة الفرنسية باريس والالتحاق بأكاديمية جوليان التى درس فيها على أيدى أساتذة التصوير ومنهم بول ألبير وإيمانويل فوجيرا.عاد صبرى منذ هذه اللحظة حاملًا راية وفنًا جديدًا على البيئة المصرية وهو «فن البورتريه» الذى برع فى تقنياته من خلال دراسته بفرنسا، فكان بذلك أول من رسم وجهًا مصريًا بشكل بارع ومتخصص واستطاع أن ينقل هذا النوع من الفن، وكانت أكثر الوجوه التى يُحب رسمها من الطبقة الارستقراطية والوجوه النسائية فكان يعشق رسمها ويهتم بطبيعتها وكل التفاصيل بها.أحب صبرى الغناء والموسيقى كثيرًا قبل اتجاهه إلى الفن التشكيلي، وكان على صلة بالعديد من الشُعراء الذين جمعتهم جلسات غنائية عدة، لذلك قال عنه الفنان التشكيلى حسين بيكار: «كان لموهبة أحمد صبرى الغنائية أثر كبير على فنه الجديد إذ برزت خصوبته القصوى فى التلوين وتجلت براعته فى امتصاص ألوان الطيف وسكبها فوق لوحاته بغزارة متدفقة وكأنما يغنى بفرشاته عوضًا عن الترنم بحنجرته».كانت لدى الفنان أحمد صبرى أن الفنان يمكنه أن يدرس فى أى وقت ودون مؤهل معين، لذلك حرص وسعى خلف تأسيس قسم للدراسات الحرة بمدرسة الفنون الجميلة وقام برئاسته، وخلال رحلته المهنية عمل فى بداية الأمر على تعليم طلاب مدارس التعليم الأساسى فكان مدرسًا للرسم بمدرسة مصطفى كامل، وتوالت الوظائف المُختلفة حتى أصبح رئيسًا لقسم التصوير بمدرسة الفنون الجميلة وظل به حتى تقاعد وهو فى الستين من عمره.وظل رائد فن البورتريه يُمارس مواهبه الموسيقية والفنية، حتى وافته المنية وهو فى السادسة والستين من عمره، ولكن أعماله ما زالت محل انبهار وإعجاب لدى فنانى العالم حتى الآن، ويقتنى متحف الفن المصرى الحديث نحو أربعين عملًا له.
مشاركة :