«وقالوا الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا.. ولم يكن له شريك فى الملك ولم يكن له ولى من الذل وكبره تكبيرا».. تلك هى الكلمات التى نقشها الفنان المصرى القديم على اللوحة الموجودة على منبر الجامع الأقمر، والذى أنشئ بأمر الخليفة الآمر بأحكام الله ابن المستعلى بالله أبى القاسم أحمد المستنصر، والذى يقع على يمين السائر إلى باب الفتوح، وكان مكانه برية تعرف ببئر العظام، وهى الآن خلف جدار قبة الجامع. ويُعد الجامع الأقمر هو أول مسجد فى مصر قد صُمم على أن تكون واجهته تتفق مع تخطيط الشارع الذى يطل عليه، كما أنه يعتبر من أوائل العمائر الإسلامية فى مصر، والتى حظيت واجهاتها بزخارف معمارية من دلايات ونقوس خطية ونباتية محفورة فى الحجر، حيث برع الفنان المصرى بحيلة هندسية فى الاستغناء عن ضرورة أن تكون واجهة موازية لجدار القبلة وجعلها منحرفة بعض الشيء، لتساير اتجاه الشارع.ويذكر «المقريزي» إلى أن المسجد قد شهد بعض التجديدات فى عهد السلطان الظاهر برقوق، فأنشأ بظاهر بابه البحرى حوانيت يعلوها طباق وجدد فى صحن بركة لطيفة يصل إليها الماء من ساقية وجعلها مرتفعة ينزل منها الماء إلى من يتوضأ، كما نصب فيه منبرًا، وكانت أول جمعة جمعت فيه فى شهر رمضان، خطب فيها شهاب الدين أحمد بن موسى الحلبي، كما بنى على يمين المحراب البحرى مئذنة، كما دهن صدره بلازورد وذهب.ويتكون الجامع من صحن تبلغ مساحته ٩.٧٧ و١٠.١٧ متر تحيط به من جميع الجهات بائكة، ويتكون إيوان القبلة من ثلاثة أروقة، أما الجهات الثلاث الأخرى فتحتوى كل منها على رواق واحد، أما واجهة المسجد فليست موازية للحائط الشمالى الغربى للمسجد بل تقطعه فى زاوية حادة، حتى تتفق مع تخطيط الشارع، حيث مكّن الفراغ الناتج بين الحائط الشمالى الغربى وبين واجهة المسجد، لبناء غرفتين وبير سلم، ويتكون ممر المدخل من شكل منكسر يبدأ من منتصف الواجهة الخارجية وينتهى فى منتصف الحائط الشمالى الغربي. وحفلت واجهة المسجد بالعديد من الزخارف المعمارية، حيث يعلوها عقد مسطح صنجاته معشقة ويعلوها شريط شيق من الكتابة تمتد بعرض الجزء البارز من الواجهة، كما يعلو الحنيتان الجانبيتان عقدان مقصصان ويعلوهما شريط من الكتابة والتى تمتد بطول الواجهة، كما يأتى فوق شريط الكتابة حنيتان مستطيلتان بهما أربعة صفوف من الدلايات، ويعلوها عقدان مفصصان يرتكز كل منهما على عمودين ملصقين، وفى وسط كل حنية توجد نصف دائرة مفصصة على شكل مروحة. كما يعلو الحنية دائرة كان بها زخارف جصية، وعلى جانبى الدائرة حنيتان صغيرتان على شكل نافذتين بهما زخارف نباتية وهندسية وكتابية، وفى صدر المسجد محراب مكسى بفسيفساء رخامية متعددة الألوان، والتى ترجع إلى أعمال التجديدات التى أجريت فى عهد السلطان برقوق، وكذلك الأعمدة الملتصقة على جانبى المحراب، ويوجد فوق المحراب لوحة مكتوبة بها تاريخ إنشاء وتجديد المسجد. ومسجد الأقمر تغطيه الأروقة بقباب ضحلة تقوم على مثلثات مقعرة كروية، ما عدا الرواق المجاور للمحراب، فهو مغطى بسقف خشبى مسطح، والتى يرجح أنها ترجع إلى عصر السلطان برقوق، كما جدد الجامع الأقمر فى العصر العثمانى على يد سليمان أغا السلحدار فى عام ١٧٢١م، وهو الذى يتضح فى «طبلة» العقود التى تحيط بالصحن، وبنى المسجد فى عام ١١٢٥.
مشاركة :