تميزت عبادته بكثرة الصلاة، يأتى عليه وقت يدخل فى صلاة الضحى فلا ينتبه إلا وقد زالت الشمس، كما عُرف بقلة الكلام، حتى قال من لقاه: أكاد أعد كلماته معى من قلتها. وكان تاليًا لكتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، لم يتخذ مسكنًا، ولا تداوى قط، فهو صالح العدوى البربرى من المغرب.يقوم العدوى إلى الصلاة فى البرد الشديد بلباس خفيف فيجده أصحابه يتصبب من العرق كأنه بجوار نار أو فى حمام بخار، له فى الصلاة زئير وهمهمة، ولا يُفقه من كلامه شيء هو يتلو فى الصلاة، يقضى ليله كله فى مسجد أبى عامر المقري، ولا يقبل ما يزيد على حاجته البتة.عاش العدوى متبتلا وزاهدا فى أشبيلية قرابة الأربعين عامًا، واظب على عاداته، ولازم مريديه، فكان أشبه بحال الزاهد أويس القرني.قدم نصائح قليلة للغاية للشيخ الأكبر محيى الدين بن عربي، كان أبرزها «يا ولدى لا تشرب الخل بعد العسل»، وهى من نصائح الصوفية التى تحمل رموزا، كأنه يريد أن يقول له من بعض وجوهه: إن مذاق المعصية بعد الطاعة غير مستساغ.لذلك أنشد ابن عربى قائلا: «كان مثل الخل من بعد العسل/ فمضى المصباح عنى وأفل / وبدت ظلمة ليل حالك/ أورثت فى القلب أسباب العلل / قلت ربى قال لبيك فما/ تبتغى قلت نورا بعمل / قلت هب لى نورك الخالص لي/ فبدا النور بلا ضرب مثل/ والذى يفهم قولى قد دري/ أننى الأمر الذى منه نزل».عمل الرجل على الفوز بمقام السبعين ألفًا، وهم الذين ورد ذكرهم فى كلام النبى عندما قال: «يدخل من أمتى الجنة سبعون ألفا بغير حساب». قالوا: ومن هم يا رسول الله. قال: «هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون».جاء ذكره فى رسالة «الروح القدس» التى ألفها الشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى، أثناء إقامته فى مكة المكرمة سنة ٦٠٠هـ، وبعث بها إلى صديقه التونسى محمد بن عبدالعزيز المهدوي، يذكر فيها رفاق الطريق، ويقدم واجب النصيحة لأصدقائه.
مشاركة :